- November 2024
كيف يمكن للاستثمارات أن تدعم وتُسخر الإمكانات الاقتصادية لدى النازحين قسرًا؟ توفر حركة الاستثمار من منظور اللاجئين وسيلة لربط المستثمرين بالشركات التي تدعم تحسين حياة اللاجئين.
يمكن للاجئين والمجتمعات المضيفة لهم، والذين يشكلون معًا مئات الملايين من الأشخاص المهمشين في جميع أنحاء العالم، أن يساهموا بصورة كبيرة في تحقيق النمو الاقتصادي في مجتمعاتهم الجديدة. ولكن في كثير من الأحيان، لا تتوفر الاستثمارات اللازمة لدعم هذا الأثر الإيجابي، وهنا تكمن أهمية الاستثمار من منظور اللاجئين.
يُعدّ الاستثمار في منظور اللاجئين طريقة جديدة لإشراك القطاع الخاص في تحسين حياة اللاجئين والمجتمعات المضيفة. وبحسب ما تشير إليه بعض التقارير، قد يضطر ما يصل إلى مليار شخص إلى النزوح بحلول عام 2050 نتيجة تغيّر المناخ وحده.[i] وعلى الرغم من اختلاف هذه البيانات، يتضح أن عدد النازحين قسرًا سيستمر في الارتفاع ولن تتمكن الجهات المانحة الإنسانية التقليدية من تمويل الاحتياجات الناجمة عن هذا النزوح. كما أن التمويل الذي تقدمه الجهات المانحة اليوم لحالات الطوارئ الحادة ليس كافيًا، فيما يتطلب هذا النوع من الهجرة المتوقع استثمارًا مستدامًا يساهم في تعزيز التكامل الاجتماعي والاقتصادي.
تزدهر حركة استثمارية جديدة هي الاستثمار من منظور اللاجئين، وهي حركة تستند إلى المقاربات القائمة على المنظور لتحقيق استثمار مؤثر، وتراعي هذه المقاربات بحذر المخاوف والفرص المتعلقة بمجموعات سكانية محددة وكذلك التحديات الاجتماعية والبيئية. استنادًا إلى مشاورات مع المستثمرين من منظور الجندر، والدروس المستفادة منها، طورت شبكة استثمار اللاجئين إطار “منظور اللاجئين (Refugee Lens)” لتأهيل وتتبع الاستثمارات التي تدعم تحسين حياة اللاجئين[ii] والمجتمعات المضيفة لهم بمرور الوقت. تعتمد حركة الاستثمار من منظور اللاجئين أيضًا مقاربة تسعى لحشد “كافة أنواع رأس المال المتاحة” من خلال الجمع بين المستثمرين المؤثرين، وتمويل أعمال التنمية، والتبرعات الخيرية، والممولين الآخرين.
بالإضافة إلى ذلك، لا يرتبط هذا النوع من الاستثمارات بقطاع محدد أو منطقة جغرافية أو فئة أصول أو آليات تمويل معيّنة، ما يسمح للاستثمار من منظور اللاجئين بالتركيز على اللاجئين وغيرهم من النازحين قسرًا باعتبارهم جهات فاعلة اقتصادية، مثل رواد أعمال وموظفين وموردين وعملاء، وهذا يخولهم بدوره تغيير السردية المتعلقة بهم لتصبح إيجابية وتتمحور حول الفرص. تُظهر الأبحاث والبيانات أن اللاجئين وأفراد مجتمعاتهم يتمتعون بالمهارات اللازمة للتوظيف ويعملون بجد وهم جديرون بالثقة للحصول على القروض، كما أنهم يشكلون في نهاية المطاف مستهلكين، وهذه حقائق مفيدة بالفعل للشركات والمستثمرين وشركائهم الذين يمكنهم تسخير هذه القوة الاقتصادية.[iii] يتميز الاستثمار من منظور اللاجئين بقدرته على التأثير إلى حد كبير في كيفية قيام المجتمعات المتضررة من النزوح بتغيير نموذج العمل الإنساني، ومساهمتها في رفع الوعي لدى المستثمرين وتمكينهم من الوصول إلى الأدوات ومجتمعات الممارسة الضرورية لإطلاق العنان للمنافع الاقتصادية المتبادلة.
بهدف نجاح الاستثمار من منظور اللاجئين، يجب أن تجتمع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة مثل المستثمرين، ومؤسسات تمويل أعمال التنمية، وجهات تمويل الأعمال الخيرية والجهات المانحة الأخرى، والعاملين في المجال الإنساني، وخبراء تطوير الأعمال، وخبراء التقييم وغيرهم، من أجل تطوير رؤية ومقاربة مشتركتين واختبارهما وتوسيع نطاقهما.
الاستثمار من منظور اللاجئين في الممارسة العملية
قد يبدو مفهوم الاستثمار من منظور اللاجئين جديدًا، ولكن يتم تطبيقه على الأرض بالفعل، ويساعد تسليط الضوء على الأمثلة والمقاربات في توضيح شكل هذا النوع من التمويل في الممارسة العملية:
تسهيلات استثمار اللاجئين
أُطلق صندوق تسهيلات الاستثمار للاجئين (Refugee Investment Facility) في أيلول/سبتمبر 2022 وهو عمل مشترك بين المجلس الدنماركي للاجئين والشركة السويسرية للتمويل المؤثر آي غرافيتي (iGravity). ويعمل هذا الصندوق في الأردن وأوغندا وكينيا ويوفر القروض للمؤسسات الخاصة التي تُساهم في معالجة التحديات أمام سبل العيش والاعتماد على الذات التي يواجهها اللاجئون والمجتمعات المضيفة لهم.
ولقد حشد الصندوق التجريبي الأول 4 ملايين دولار أمريكي، سيتم توزيعها على ثمانية إلى عشرة استثمارات بين الدولتين، للتأثير في 27 ألف لاجئ وفرد من أفراد المجتمع المضيف على الأقل ضمن جوانب الأثر التي يستهدفها الصندوق. ولتحقيق هذه الغاية، سيوفر الصندوق التمويل المرتبط بالأثر للمؤسسات التي تحقق نتائج ملموسة للاجئين والمجتمعات المضيفة لهم، ويقدم مساعدة تقنية تركز على الأعمال التجارية وعلى الأثر للشركات في محفظته. بالإضافة إلى ذلك، وافق صندوق تسهيلات الاستثمار للاجئين على أربع استثمارات تُساهم في توفير فرص العمل ودعم سبل العيش وتنمية المهارات والإدماج المالي للاجئين والمجتمعات المضيفة لهم.
وشملت هذه الاستثمارات شركة أوميا أغريبزنس (Omia Agribusiness) التي توفر المشورة والمعدات الزراعية والتدريب في منطقة غرب النيل في أوغندا، بحيث يمكّن القرض الذي يقدمه الصندوق شركة أوميا من توسيع عملياتها في المنطقة والوصول إلى أكثر من 10 آلاف لاجئ جديد وفرد من أفراد المجتمع المضيف من خلال الاستشارات والتدريبات الزراعية، فيما تعمل الشركة على تطوير نموذج أعمال أكثر شمولًا للاجئين ودعم سبل عيش صغار المزارعين وأسرهم بصورة مباشرة. ويفتح هذا التعاون الباب لمسارات الاستثمار الخاص في المجتمعات المتضررة من النزوح القسري ويسهم في تعميم ممارسات الاستثمار بهدف تطوير نموذج مستدام يكون أوسع نطاقًا.
أكيومن (Acumen)
أطلقت أكيومن، وهي شركة استثمار مؤثر تهدف إلى حل المشاكل المتعلقة بالفقر، مبادرة استثمارية تجريبية في عام 2023 تمتد على ثلاث سنوات وتهدف إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بما يشمل النازحين قسرًا باعتبارهم موظفين وموردين وعملاء. تهدف المبادرة إلى مساعدتهم على تنمية أعمالهم من خلال تمكينهم من الوصول إلى التمويل والدعم المستهدف، حيث ستستثمر أكيومن 1.5 مليون دولار في ثلاث إلى خمس مؤسسات اجتماعية تعمل في المجتمعات المتأثرة بالنزوح، بما يفيد أكثر من 10 آلاف نازح قسري وفرد من المجتمعات المضيفة. وينصب تركيز المبادرة على الأعمال التجارية الزراعية التي لا تزال في المراحل المبكرة والقابلة للتوسع والتي تسعى إلى الحصول على التمويل في المراحل الأولية بهدف مساعدة المجتمعات المتضررة من النزوح على التكيف مع آثار تغيّر المناخ. وقدمت شركة أكيومن أول استثمار لها في إطار المبادرة إلى الشركة الكينية أكواريتش (AquaRech) للاستزراع المائي.
لقد نزح بين عامي 2008 و2022 أكثر من 1.4 مليون كيني داخل البلاد بسبب الفيضانات.[iv] توفر أكواريتش العلف عالي الجودة وسوق جاهزة لصالح 2700 مزارع من صغار مزارعي الأسماك في منطقة بحيرة فيكتوريا، وهي موارد يحتاجها المزارعون لإدارة أعمالهم بنجاح. وأفاد 90٪ من المزارعين الذين شملهم استطلاع حول هذا الموضوع أن عملياتهم تحسنت بعد التعاون مع أكواريتش، وأشاروا إلى زيادة الجودة في أحجام الأسماك وأوزانها، وارتفاع دخلهم، وزيادة الكميات المباعة وانخفاض دورات الإنتاج. بالتالي، تدعم أكواريتش بناء مجتمعات تتمتع بقدرة أكبر على الصمود في وجه تغيّر المناخ من خلال مساهمتها في تطوير البنية التحتية اللازمة لتربية الأسماك.
حركة متنامية
يركز عدد متزايد من الصناديق على الاستثمار من منظور اللاجئين في كل من الأسواق الناشئة والاقتصادات الأكثر تقدمًا. على سبيل المثال، يوفر صندوق استثمار اللاجئين الذي أطلقته منظمة كيفا (Kiva) تمويل الديون لمؤسسات التمويل الأصغر التي تدعم اللاجئين، في حين يوفر صندوق الأثر الاجتماعي التابع لمركز لجنة الإنقاذ الدولية للفرص الاقتصادية قروضًا منخفضة الفائدة للاجئين. كما دخلت غيرها من صناديق الأسهم الخاصة لدعم اللاجئين مؤخرًا إلى السوق، ومن بينها لونش كابيتال بارتنرز (Launch Capital Partners) وصندوق وايتستون آند كومباني 4 (Whitestone & Co. Fund IV) وكوريج هاوزنغ (Courage Housing)، بالإضافة إلى صناديق الأسهم الجديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة، مثل صندوق إمباكت نيوكمر (Impact Newcomer) في فرنسا وصندوق رأس المال المجازف للاجئين التابع لشبكة ريادة الأعمال للاجئين (The Entrepreneurial Refugee Network Refugee Venture Fund ) في المملكة المتحدة.
التحديات
تعزيز قدرات الشركات التي تعمل مع اللاجئين
إذا كان تصميم آليات وطرق تعاون تمويل جديدة ومبتكرة يعالج جانب العرض، أي توفر التمويل المناسب، تدعو الحاجة بالتساوي إلى تعزيز جانب الطلب، أي قدرة الشركات التي تتمتع بإمكانية إحداث أثر محتمل على استيعاب التمويل واستخدامه لتحقيق الأثر المطلوب. تُعدّ العديد من الشركات التي تعمل مباشرة مع اللاجئين صغيرة، وتفتقر إلى الخبرة في الحصول على التمويل وتعاني من ضعف أنظمة تتبع الأثر والأداء لديها، وهي بحاجة إلى المساعدة التقنية والمشورة والإرشاد وإمكانية الوصول إلى الشبكات.
قياس الأثر
قد يكون تحقيق مستوى الطموح المناسب للأثر وقياسه أمرًا صعبًا، وعندما يجتمع شركاء مختلفون، مثل المنظمات الإنسانية والمستثمرون المؤثرون والجهات المانحة، تدعو الحاجة إلى المواءمة بين جوانب مختلفة لمنطق العمل والحوافز والمقاييس. وليس هذا بالأمر السهل، حيث تتبع المنظمات الإنسانية مقاربة قائمة على الاحتياجات تستهدف الفئات الأكثر ضعفًا فيما تُلزمهم الجهات المانحة بالإبلاغ عن مخرجات تمويلها وأثره. كما تسعى المؤسسات التجارية إلى تنمية أعمالها وتحقيق الاستدامة، ويضع المستثمرون مجموعة من المؤشرات والمتطلبات الخاصة بهم تشمل سداد القروض والمدفوعات التي يجب الوفاء بها. لذلك، يجب الوصول إلى حلول توفيقية، لكن تحقيق التوازن بين طموحات الأثر لدى اللاجئين، وإمكانات نمو الأعمال لدى الشركات، عملية حساسة تتطلب التكرار لتحسينها.
على وجه التحديد، غالبًا ما تطلب الجهات المانحة التقليدية في مجال العمل الإنساني الحصول على بيانات الأفراد المشاركين في البرامج، مصنّفة حسب حالة الهجرة، مثل تلك تتبعها بشكل شائع المنظمات غير الحكومية العاملة في سياقات النزوح. لكن يتعذر على العديد من المستثمرين والشركات حاليًا تتبع عناصر مثل حالة الهجرة والإبلاغ عنها لكل عميل أو مورد يستفيد من الاستثمار. ونظرًا لأن الاستثمار من منظور اللاجئين لا يزال حركة ناشئة، تُطرح عدة أسئلة حول الفعالية والتكاليف المتعلقة بتتبع المقاييس التي تفرضها الجهات المانحة التقليدية والتي يُحتمل أن تكون معقدة. ولكن، من المهم متابعة النقاش حول المقاييس الضرورية والكافية لقياس الأثر على المجتمعات النازحة قسرًا، شرط ألا تكون مرهقة إلى حد إعاقة الاستثمارات وعملية إنشاء خطط الاستثمار.
السياسات واللوائح في الدولة المضيفة
لا يُحتمل أن تؤثر سياسات ولوائح الدولة المضيفة بشكل مباشر وسلبي على حياة اللاجئين وسبل عيشهم بصورة عامة فحسب، بل يمكنها أن تُشكل أيضًا حواجز أمام الاستثمارات المؤثرة. وفي العديد من الأسواق الناشئة، بما في ذلك الدول المضيفة للاجئين، يتم فرض سياسات ولوائح استثمارية أجنبية مقيّدة، مثل تلك المتعلقة بالضرائب وسبل (أو انعدام سبل) حماية المستثمرين. بالإضافة إلى ذلك، وفي العديد من الدول المضيفة للاجئين، يتعذر على اللاجئين الحصول على حقهم في العمل وإنشاء الأعمال التجارية والتملك والوصول إلى الخدمات المصرفية والتنقل في جميع أنحاء البلاد بحرية.
حتى في الدول التي تتمتع بسياسات أكثر تقدمية لدعم الإدماج الاقتصادي للاجئين، قد تظهر تحديات تنظيمية أخرى تقف في وجه الشركات التي يملكها اللاجئون والشركات التي تخدم اللاجئين، وتمنع وصولهم إلى رأس المال. وتشكل إثيوبيا أحد الأمثلة على ذلك، حيث يُصنف اللاجئون على أنهم أجانب بموجب قوانين الاستثمار الأجنبي المباشر، مما يعني أن اللاجئين يخضعون لمتطلبات محددة إذا كانوا يريدون تأسيس عمل تجاري، مثل إلزامهم بجمع 100,000 دولار من الاستثمارات، وهو مبلغ نادرًا ما يستطيعون حشده.
وبهدف نجاح الاستثمار من منظور اللاجئين، يجب تحديد الحواجز المتعلقة بالسياسات والتنظيمات، والتغلب عليها. ومن خلال تحديد هذه التحديات، يمكن للمستثمرين المؤثرين المساعدة في دعم الحكومات وحتى حثها على إجراء الإصلاحات السياسية والتنظيمية التي من شأنها أن تحفز النمو الاقتصادي وتدفع تحقيق النتائج الاجتماعية للاجئين والمجتمعات المضيفة.
الخبرات المتعمّقة
المساعدة التقنية
هناك ندرة في رأس المال الاستثماري في الأسواق الناشئة، بالأخص في أفريقيا، وبالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي يقودها مؤسسون محليون على وجه الخصوص. وتتضاعف هذه المشكلة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم العاملة في المناطق المهمشة والتي يملكها اللاجئون أو التي تخدم السكان اللاجئين أو التي توظف اللاجئين في الغالب. لذلك، يُعدّ تقديم المساعدة التقنية أمرًا بالغ الأهمية لنجاح الاستثمار من منظور اللاجئين، سواء قبل الاستثمار أو بعده.
تحتاج الشركات الكبيرة والمؤسسات المالية التي تعمل على نطاق واسع في المناطق التي تستضيف أعدادًا كبيرة من المجتمعات النازحة قسرًا، أو ترغب في التوسع لتشمل هذه المناطق، إلى تجهيز نفسها بالمعرفة والعلاقات والممارسات لإشراك المجتمعات المتضررة بفعل النزوح القسري. يعمل هذا النوع من الدعم الاستشاري المركّز على تطوير المؤسسات التي تتوافق على وجه التحديد مع الاستثمار من منظور اللاجئين، ما يجذب رأس المال الجديد، الذي يوفر بدوره حوافز لمشاركة مؤسسات إضافية، مما يؤدي في النهاية إلى نمو المنظومة البيئية للاستثمار من منظور اللاجئين. كما أنه يوفر خارطة طريق تستفيد منها جهات الاستثمار من منظور اللاجئين لتقديم دعم تقني مماثل.
تمثيل اللاجئين
لتمثيل اللاجئين والاستماع إلى آرائهم أهمية كبيرة في الاستثمارات والمقاربات التي يقودها القطاع الخاص، كما في جهود إعداد البرامج الإنسانية. وهذا يعني إشراك النازحين بنشاط بصفتهم موظفين وعملاء وموردين، وذلك في مختلف العمليات التجارية الأساسية ومرحلة التصميم والتوظيف وتطوير المنتجات واستراتيجيات المبيعات والقياس والعناية الواجبة وجمع البيانات وتقييمات السوق. يتضمن ذلك أيضًا العمل مع المنظمات التي يقودها اللاجئون والمنظمات التي تخدم اللاجئين لدعم جهود الاستثمار والمساعدة التقنية عند الاقتضاء، وبذل جهود قوية لضمان تمثيل اللاجئين عبر مستويات القيادة المختلفة. لكن امتلاك المعرفة بمصطلحات الاستثمار وعمليات العناية الواجبة هي مجالات تقنية، ويصعب على شخص غير ملم بها أن يتعلمها ناهيك عن العاملين في المجال الإنساني أو معظم اللاجئين. وتقع على الجهات التي تسعى إلى تطوير الأعمال في المجتمعات المتأثرة بالنزوح مسؤولية إنشاء مسارات مفيدة تمكّن الإدماج والمشاركة.
تحسين فهمنا للهشاشة الناتجة عن تغيّر المناخ وتحديد إطارها
مع تفاقم الأزمات المتعلقة بالمناخ، سيزداد أثرها على الهجرة والأمن الغذائي، وسيرتفع احتمال نشوب النزاعات. ويزيد هذا بدوره من احتياجات السكان النازحين والمجتمعات التي تستضيفهم، ويفاقم نقاط ضعفهم. وفي هذه الديناميكية، قد يطرح تعريف النزوح وتحديد حالة الهجرة وتقييم مدة النزوح تحديات كبيرة. ومن الضروري اعتماد مقاربات استثمار مرنة تستهدف المناطق المهمشة وتستجيب بمرونة للتحديات المتنوعة التي تواجهها هذه المجتمعات.
في هذا السياق، يمكن لنماذج الأعمال التي توفر حلولًا تعزّز قدرة المجتمع على التكيف مع تغيّر المناخ، مثل الري بالطاقة الشمسية والتأمين الزراعي والوصول إلى الأسواق، أن تعزز التكامل الاقتصادي في المجتمعات المتأثرة بالنزوح وأن تحصنها أيضًا ضد الصدمات المستقبلية. ومن خلال استيعاب التفاعل المعقّد بين الهشاشة والمناخ والنزوح، يجب أن تعطي الاستثمارات الأولوية للحلول التي تحقق فوائد اقتصادية فورية وقدرة مستدامة على الصمود.
التوصيات
يطرح المؤلفون بعض الخطوات والتوصيات الرئيسية التي يشجعون القراء في مجال تمويل اللاجئين على المشاركة فيها ودعمها:
- مجتمع ممارسة الاستثمار من منظور اللاجئين
مع اعتماد الاستثمار من منظور اللاجئين، وغيرها من مقاربات الاستثمار المشابهة، أكثر وأكثر في جميع أنحاء العالم، تدعو الحاجة إلى تطوير قيادة فكرية مستمرة لمجتمع الاستثمار، حيث يمكن طرح وتطوير الأفكار الجديدة وتعميم الدروس المستفادة والبيانات ونشرها وتوسيع المنظومة البيئية بشكلٍ عام. ونقترح إنشاء مجتمع ممارسة خاص بالاستثمار من منظور اللاجئين، حيث يمكن لأصحاب المصلحة العالميين تبادل الخبرات والإجابة على الأسئلة والتعرّف على مجال الاستثمار المؤثر الجديد والمشوّق هذا. ستساعد التجمعات الإقليمية التي تجمع شركاء رأس المال المهتمين، مثل مديري الأصول والمؤسسات والمكاتب العائلية، والمستثمرين من منظور اللاجئين الذين حققوا النجاح، في بلورة المجال وتنميته، في حين ستساعد التدخلات التي تُنفذ في الوقت المناسب ورواية القصص وإعداد التقارير في توفير البيانات وقاعدة الأدلة اللازمة لتمكين المستثمرين من منظور اللاجئين من الاستثمار.
- التمويل والاستثمار بصورة إبداعية
يتطلب الابتكار المالي في سياقات غير مثبتة تمويلًا صبورًا ومرنًا من الجهات المانحة، وفي هذه المرحلة المبكرة من التطور الميداني، نرى أن تمتّع المصادر العامة و/أو الخيرية بصبر وعقول منفتحة أمرٌ ضروري للسماح بتكرار العمليات وتشجيع الإبداع والابتكار. يعمل الروّاد في المجال على إثبات أثر الاستثمارات على المجتمعات النازحة قسرًا، وتحليل مقدار التيسير المطلوب، أو ما يعنيه توفير رأس المال بشروط مواتية. يمكن من الناحية المثالية استخدام مزيج من المنح ورأس المال التجاري الساعي لتحقيق العوائد لتوسيع نطاق هذه المقاربات. نشجع الجهات المانحة والمستثمرين على التفكير بطريقة مبتكرة والاستفادة من الأدوات المالية المتعددة، ورأس المال الذي يركز على كل من العوائد المالية والاجتماعية، مثل المنح والاستثمار المؤثر والأسهم الخاصة والضمانات. ويجب مشاركة الدروس والخبرات المستفادة من استخدام مزيج الأدوات هذا ورأس المال لدعم توسيع نطاق الاستثمار من منظور اللاجئين.
- الانفتاح على الأثر والمقاييس
إذا ظلت استراتيجيات الاستثمار وصناديقه تركز بشكل محدود على مقاييس معينة تتعلق بالنازحين الأفراد فقط، مثل عدد الوظائف المولدة للمجتمعات النازحة قسرًا لكل استثمار، فإنها تواجه خطر التورط في عمليات تعريف وتحقق معقّدة ومستهلكة للوقت يمكن أن تؤدي إلى معايير استثمار تقييدية. تقوم الجهات المانحة والمستثمرون في القطاعات الأخرى بالفعل بتوسيع فهمهم للأثر، وباستخدام مقاييس أكثر مرونة لقياس عناصر مثل التكيف أو المرونة في مواجهة الصدمات، أو باتباع مقاربات قائمة على المنطقة تعتمد رؤية أوسع للنتائج. ومن خلال دمج مقاربة أقل صرامة لقياس الأثر على المجتمعات النازحة قسرًا، يمكن للأموال توسيع نطاق الاستثمارات المحتملة التي ستؤثر في النهاية على النازحين والمجتمعات المضيفة وتفيدهم. نشجع على اعتماد إطار عمل للأثر والقياس يتسم بأنه واسع النطاق ومحدد تحديدًا جيدًا ويمثل مجموعة من إمكانات الاستثمار تتجاوز مقاييس برامج سبل العيش المعتادة.
- توسيع المحادثة
مع تطور الاستثمار من منظور اللاجئين، ندعو إلى دمج اعتبارات النزوح في استراتيجيات الأثر في الأسواق الناشئة، بما في ذلك في مجالات مثل الزراعة الذكية مناخيًا والاستخدام المنتج للطاقة ومواضيع التنمية الاقتصادية الأخرى، إذ نحتاج إلى توسيع فهم أصحاب المصلحة والمحادثات التي نجريها معهم وتعزيز إشراكهم. وهذا يستلزم إقامة شراكات جديدة وتوسيع نطاق المنظمات الإنسانية ومتعددة الأطراف لتشمل القطاع الخاص والمستثمرين والممولين المعنيين بالمناخ وصانعي السياسات. نقترح طرح موضوع النزوح في المنتديات العامة الأخرى المعنية بالاستثمار والمناخ لتثقيف وإشراك جهات فاعلة إضافية في هذه المحادثة.
باري شوري – كبير مسؤولي البرامج للاجئين والكوارث في مؤسسة كونراد إن هيلتون
لورين بوست توماس – كبيرة مسؤولي المناصرة لشؤون اللاجئين والمياه الآمنة في مؤسسة كونراد إن هيلتون
ليندسي كاماتشو – مديرة الشراكات الحكومية في أكيومن
كيت مونتغمري – مديرة في أكيومن
تيم دوكينغ – الرئيس التنفيذي لشبكة استثمار اللاجئين
سيلين أوشاك – مسؤولة ريادة الأعمال للاجئين في شبكة استثمار اللاجئين
مورتن شاخت هوغنيسن – مدير ابتكار البرامج ومشاركة الأعمال في المجلس الدنماركي للاجئين
[i] معهد الاقتصاد والسلام (2020) سجل التهديدات البيئية 2020 https://reliefweb.int/report/world/ecological-threat-register-2020
[ii] وتعتمد حركة الاستثمار من منظور اللاجئين تعريفًا واسع النطاق لكل من مصطلحي “اللاجئين” و”النازحين قسرًا” يشمل النازحين قسرًا عبر الحدود الوطنية (بسبب العنف والاضطهاد وتغيّر المناخ والكوارث الطبيعية) والنازحين داخليًا.
[iii]شبكة استثمار اللاجئين (2018) نقلة نوعية: كيف يمكن للاستثمار أن يطلق العنان لإمكانات اللاجئين (Paradigm Shift: How investment can unlock the potential of refugees) https://refugeeinvestments.org/resources/paradigm-shift/
[iv]نبذة عن مركز رصد النزوح الداخلي في كينيا: www.internal-displacement.org/countries/kenya/
READ THE FULL ISSUE