في السنوات الأخيرة، هُجّر ملايين من غير المواطنين وتركوا الدول التي كانوا يعيشون بها ويزاولون أعمالهم على أراضيها. ومن أمثلة ذلك من تأثروا بالغزو في لبنان عام 2006، وبالعنف الناجم عن كراهية الأجانب في جنوب إفريقيا عام 2008، وبالثورة في ليبيا عام 2011، وبالحرب الأهلية في ساحل العاج عام 2010-11، وبالفيضانات في تايلاند عام 2011، وبالنزاع الحالي في سوريا.
وقد تأثروا بتلك الأحداث وكأنهم عابري سبيل أو مُستهدفين عمداً. وقد لا يتمكن غير المواطنين من التحدث باللغة المحلية أو فهم ثقافة البلد التي يعيشون بها وقد لا يتمتعون أيضاً بالأمن الوظيفي أو بشبكة الأمان الاجتماعي المحلي. وبالمثل، سيكون أصعب على غير المواطنين المُهجّرين حل مشاكل تهجيرهم ولاسيما إذا عجزوا عن العودة إلى أوطانهم الأصلية أو لم يرغبوا في ذلك أصلاً وإذا ما جابهوا تحديات خاصة في محاولة استعادة ممتلكاتهم القديمة ووثائق هويتهم ووظائفهم التي حصلوا عليها في الدول التي هُجِّروا منها.
ومن المرجح أن يُصبح تهجير غير المواطنين أكثر شيوعاً في المستقبل. فعلى سبيل المثال، أسفر بالفعل توسع المصالح الصينية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى عن عمل أعداد كبيرة من المهاجرين في أوضاع غير مستقرة. فضلا عن أن تغير المناخ قد يُعرض كثيراً من الدول النامية التي ينتقل إليها كثير من المهاجرين بحثاً عن العمل لزيادة وتيرة الكوارث الطبيعية بها. أضف إلى ذلك العنف الموجّه في الوقت الراهن ضد المهاجرين جراء تزايد شعور رهاب الأجانب في كثير من الدول في جميع أرجاء العالم. وباستمرار تصدير الدول الفقيرة والنامية العمال المهاجرين، يتزايد جلياً عبء تقديم المساعدة والحماية أثناء أوقات الأزمات على عاهل المجتمع الدولي نظراً لافتقار تلك الدول المُصدرة للقدرة على حماية مواطنيها في الخارج بفاعلية.
ومع ذلك، مثلما هو الحال في أمثلة الهجرة فراراً من الأزمات، وقعت كثير من حالات غير المواطنين المُهجّرين في ثغرات الحماية مما جعل الاستجابات لهم مؤقتة ومنقوصة. وبازدياد احتمالية إيجاد المهاجرون أنفسهم عالقين في الأزمات، ثمة حاجة إلى استجابة أكثر شمولية ويمكن التنبؤ بها.
الدروس المستفادة والتوصيات
ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث تتضمن آليات أفضل لجمع البيانات بهدف التعرف على مدى احتمالية تعرض غير المواطنين لظروف استضعاف معينة في جميع مراحل التهجير المختلفة مع أهمية وضع تقييمات لآليات الاستجابة الإنسانية لقضية تهجير غير المواطنين.
غياب الذكر الواضح لحقوق غير المواطنين أثناء رحلات التهجير: ترد حقوق غير المواطنين المتضررين من الأزمات والمُهجرين بفعلها ضمناً في قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني فضلاً عن أنها غير محددة جلياً في أي قانون أو نص آخر أصلاً. أضف إلى ذلك عدم تعامل الآليات التي تغطي حالات التهجير مع غير المواطنين في حين أن تلك الآليات التي تتعامل مع غير المواطنين لا تتضمن ظروف التهجير. ويزعم بعضهم أن المبادئ التوجيهية للتهجير الداخلي تنطبق على غير المواطنين الذين تركوا منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة ولكن لا يُغطي ذلك غالباً حالات العمال المهاجرين لمدة قصيرة أو مؤقتة فضلاً عن عدم وضوح ما إذا كانت تلك المبادئ التوجيهية تسري على المهاجرين غير النظاميين أم لا. وبالمثل، لم تأتِ أي من آليات ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺪوﻟﻴﺔ الخاصة بأحوال العمال المهاجرين أو الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم التي وضعتها الأمم المتحدة على ذكر المهاجرين بفعل الأزمات فضلاً عن عدم اشتمالهما على أحكام تضبط ظروف تهجيرهم.
وهكذا، لم ترد حقوق غير المواطنين أثناء رحلات التهجير أو على من تقع مسؤوليات حماية حقوقهم في أي قانون أو نص على الإطلاق. وعلى نحو ضمني، ساعدت المنظمات الدولية عموماً غير المواطنين جنباً إلى جنب مع المُهجرين الآخرين دون تمييز أو وضع في الحسبان احتمالية وجود احتياجات خاصة ومختلفة لغير المواطنين.
ولذا، عند وضع المعايير الخاصة بحالات التهجير أو عند تحديثها، على المعنيين الإشارة بوضوح إلى حقوق غير المواطنين المُهجرين وإلى الأطراف المسؤولة عنهم. وخذ مبادئ نانسن مثالاً على ذلك، مثلما هو الحال في أعمال لجنة القانون الدولي (2012) الحالية المتعلقة بمعايير "ترحيل الأجانب" و"حماية الأفراد في أوقات وقوع الكوارث".
مسؤوليات حماية غير المواطنين ومساعدتهم في أوقات الأزمات غير محددة بوضوح: لا تُعرّف الأحكام الحالية المسؤولين عن حماية غير المواطنين ومساعدتهم في أوقات الأزمات. وبالرجوع إلى قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، تنص المبادئ التوجيهية جلياً على أن المسؤول الأول عن ذلك الدولة التي توجهت إليها رحلات التهجير. ومع ذلك، مازال على حكومات الموطن الأصلي للمُهجرّين مسؤولية قانونية ومدنية وأخلاقية تقضي بضرورة حمايتها لمواطنيها وفقاً لما نصت عليه اتفاقية ﻓﻴﻴﻨﺎ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺔ. ولا يوجد أي هيئة من هيئات الأمم المتحدة مخولة بحماية المُهجرين أو مساعدتهم سواء كانوا مواطنين الدولة التي هُجروا منها أم لا. ومع أن المنظمة الدولية للهجرة هيئة الهجرة الرائدة في العالم ولكنها غير مخولة بحماية المُهجرين على الرغم من أنها وضعت مؤخراً الإطار العملي لإدارة أزمات الهجرة الذي هدف إلى التركيز على الهجرة في أوقات الأزمات والذي يجب أن يكون بمثابة أساساً لتعاون دولي على نطاق أوسع.[i]
قد يكون ثمة طريقة لإحالة قضية غير المواطنين المُهجرين إلى المقرر الخاص التابع للأمم المتحدة لمعالجة حقوق الإنسان الخاصة بالمهاجرين وإلى المقرر الخاص التابع للأمم المتحدة لمعالجة حقوق الإنسان لجميع الأشخاص المُهجرين عموماً.
ضرورة إيلاء طالبي اللجوء واللاجئين اهتماماً خاصاً: تزداد ظروف استضعاف غير المواطنين المُهجرين في حالة طالبي اللجوء واللاجئين وفاقدي الجنسية الذين يصعب ضمان حقوقهم في أوقات الأزمات مثلما ينص عليها القانون الدولي. ففي حالة لبنان، أضر الغزو بنحو 400000 من اللاجئين الفلسطينيين الذي كانوا مستضعفين فعلياً قبله. أما في جنوب إفريقيا، هُجرً غير المواطنين خصوصاً لأنهم كانوا مستهدفين بسبب جنسيتهم مما دفعهم لتقديم طلبات لجوء. وفي ليبيا، سجلت مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين نحو 3500 طالب لجوء و8000 لاجئ قبل اشتعال فتيل الثورة بها. وقد أبلغت مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين أن ثمة 360000 فلسطيني و94000 عراقي إضافة إلى لاجئين آخرين بحاجة للمساعدة الإنسانية العاجلة في سوريا.
تفاوت قدرات دول المُهجرين الأصلية في تقديم المساعدة في أوقات الأزمات: لا تمتلك جميع الدول الإمكانيات لمساعدة مواطنيها عندما يتضررون جراء الأزمات الإنسانية خارج أراضيها. ففي ميانمار وزيمبابوي، على سبيل المثال، غابت جلياً الإرادة السياسية اللازمة لمساعدة المواطنين المُهجرين في تايلاند وجنوب إفريقيا على التوالي حتى أن بعض العمال المهاجرين من أبناء زيمبابوي تقدموا بطلب للجوء بعد تهجيرهم. وفي حالات أخرى، يعوز الدول الأكثر فقراً ببساطة الإمكانيات لتقديم المساعدة اللازمة، وعلى المعنيين النظر في إمكانية تأسيس صندوق إغاثة دولي في حالات الطوارئ تستفيد منه دول الموطن الأصلي في حال تهجير مواطنيها أثناء أوقات الأزمات.
عدم القدرة على التنبؤ بإمكانية التنسيق بين الهيئات الدولية: ينبغي أن يكون ثمة آليات تنسيق تضمن تحقيق التعاون الفعال بين الهيئات الدولية ذات الصلة بغرض تقديم المساعدة والحماية لغير المواطنين النازحين داخلياً والمُهجرين عبر الحدود في حالات الأزمات. وعلى سبيل المثال، كان التنسيق بين المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين أثناء الأزمة الليبية ناجحاً ولكنه بالتأكيد لم يكن ممنهجاً ولم يمكن التنبؤ به أو ضمان إجراؤه في الأزمات المستقبلية. وهكذا، يجب أن يُجرى التخطيط للطوارئ على مستوى ثنائي وإقليمي لضمان تحقيق التعاون الفعال بين الدول أثناء إخلاء غير المواطنين في أوقات حدوث الأزمات.
عادة ما تكون الاستجابات الوطنية غير كافية: من عواقب حقيقة عدم إتيان القوانين الدولية أو الاتفاقيات أو المعايير ذات الصلة على ذكر حقوق غير المواطنين جلياً أثناء حدوث الأزمات تجاهل القوانين والسياسات الوطنية التي تستمد أحكامها من المبادئ التوجيهية الدولية بالمثل لحقوق غير المواطنين في أوقات الأزمات. وعلاوة على ذلك، تفتقر كثير من الدول المتضررة إلى الإمكانيات الأساسية لتنفيذ القوانين والسياسات الحالية أثناء وقوع الأزمات. ومن بين النتائج الرئيسية لتقييم فاعلية الاستجابة الإنسانية لحالات التهجير في جنوب إفريقيا التي حدثت عام 2008 أن ثمة نقصاً في خبرة التعامل مع تلك المواقف وفي الأنظمة القائمة فضلاً عن غياب القيادة الحكومية ولاسيما في المراحل الأولى من الأزمات إضافة إلى تفتت المجتمع المدني والارتباك بشأن حقوق الأجانب المُهجرين.[ii]
وثمة حاجة لوجود إمكانيات وطنية أكبر تهدف إلى توفير الحماية والمساعدة للأفراد النازحين داخلياً بمن فيهم غير المواطنين أثناء أوقات الأزمات بدءاً من وضع إطار استجابة ووصولاً إلى توزيع واضح للمسؤوليات والتشاور مع كل من المواطنين وغير المواطنين المتضررين. وعلى الدول الأصلية للمُهجرين مشاركة الخبرات والتجارب فيما بينها واستضافة الدول التي استجابت لتهجير غير المواطنين في السنوات الأخيرة.
ويجب تشجيع مزيد من الدول على وضع قوانين وسياسات وطنية تراعي حقوق النازحين داخلياً بمن فيهم غير المواطنين. فضلا عن ضرورة تحديث القوانين والسياسات الوطنية لتتضمن إشارة واضحة لحقوق المُهجرين من غير المواطنين. وفي هذا الصدد، يُحتمل أن ترغب الدول أكثر في توسيع نطاق الحقوق الممنوحة في المواقف العادية. وعلى الدول التي تشتمل على أعداد كبيرة من العاملين الأجانب وضع إجراءات عملياتية معيارية بغرض حماية العمال المهاجرين أثناء الأزمات بما في ذلك توفير معلومات مُفصلة بشأن إجراءات الحماية والانتقال والإجلاء والعودة إلى أرض الوطن في وقت الحدث.
إضافة إلى ما سبق: يجب أن يتضمن تدريب ما قبل مغادرة البلاد للعمال المهاجرين التخطيط لحالات الطوارئ لتهيئتهم لمواقف الأزمات إضافة ضرورة مراعاة خطط التأمين متناهي الصغر لمساعدة المهاجرين على التماشي مع حالات الطوارئ.
وأخيراً، يجب تطوير الإمكانيات القنصلية لحماية العمال المهاجرين وعلى الشركات التي توظف أعداداً كبيرة من الجنسيات الأجنبية وضع إجراءات تشغيلية معيارية بشأن حماية العمال وإخلائهم إضافة إلى أهمية تأسيس وحدات تقييم المخاطر وتخصيص وظائف كبير ضباط الأمن.
خالد كوسر k.koser@gcsp.ch عميد أكاديمي ونائب المدير في مركز جنيف للسياسات الأمنية www.gcsp.ch وزميل كبير غير مقيم تابع لمشروع بروكينجز– بيرن المعني بالنزوح الداخلي. www.brookings.edu/about/projects/idp