Skip to content
مساعدو الاتصال المحلي: جسر بين قوَّات حفظ السلام والسكان المحليين

أصبحت حماية المدنيين من الركائز الأساسية في حفظ الأمم المتحدة للسلام إذ تُرسَل معظم بعثات حفظ السلام حالياً لدعم السلطات المُضيفة بعدة أساليب إلا أنَّه يتعين عليها كذلك اتخاذ إجراءات فردية إذا لم تكن الحكومة المُضيفة قادرة على حماية المدنيين المُهددّين بخطر التعرض للعنف البدني أو تعجز عن ذلك. ومما لا شك فيه أنَّه لن يتسنى ذلك لقوَّات حفظ السلام دون مزيد من الفهم المحلي ومراعاة آليات الحماية القائمة.

وتكابد قوَّات حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة[1] منذ أمد بعيد لإشراك المجتمعات المحلية في إجراءات حمايتها. وتركزت التدخلات الدولية عادة على العمليات السياسية على المستوى الكلي وعلى تنفيذ أبرز المراحل المُقرَّرة كدعم توقيع اتفاقيات السلام وإقامة الانتخابات وتمكينهما. وبناءً عليه، يوجد غالبية موظفي بعثات حفظ السلام المدنيين التابعين للأمم المتحدة في العواصم والمراكز الإقليمية. وفي حين يكتسب دعم هذه العمليات أهمية في إيجاد بيئة خصبة لحماية المدنيين، تجري أعمال الحماية الفعلية التي تؤديها قوَّات حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة على المستوى المحلي. وتُنشَر الوحدات العسكرية التابعة للأمم المتحدة والمعروفة باسم ‘ذوي الخوذات الزرقاء، في كثير من المواقع النائية وغالباً لا يتحدثون اللغة المحلية. ولا تتيح لهم تناوباتهم السريعة الوقت الكافي للتعرف على تاريخ النزاعات المحلية وأبعادها الاجتماعية والسياسية.

وقد تسبب هذا الانفصال إلى بانخفاض كبير في فعالية جهود الحماية. وتميل المجتمعات المحلية التي تتجاهلها بعثات حفظ السلام – وإن كان عن غير قصد – إلى رؤية هذا الانفصال كضرب من الغطرسة والإهانة وعادة يأتي رد فعلها في شتى أشكال المقاومة. وبالإضافة إلى ذلك، قد يبلغ ببعثة حفظ السلام الانفصال عن البيئة المحلية درجة ألا يفهم السكان المحليون طبيعة مهمتها المعقَّدة والقيود العملية الكبيرة المحيطة بها. إذ لا يرى السكان المحليون من تلك البعثات سوى سيارات لاندكروزر البيضاء ومركبات مدرعة وطائرات هليكوبتر تدفعهم لافتراض توقعات غير واقعية قد تُغيِّر من تصوراتهم عن الأمن ما يُعرِّضَهم لمزيد من الخطر.

وبالمقابل، لا تدرك قوَّات حفظ السلام – التي لا تفهم جميع أبعاد النزاع المحلي – الإشارات التحذيرية وتواجه بذلك صعوبات عند التدخل في الوقت المناسب. وفي غالبية الأحداث الكبيرة، يؤدي ذلك إلى إخفاق قوَّات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في منع تعرض المجتمعات المحلية للعنف الشديد. وتُعدُّ مذبحة كيوانجا التي وقعت في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2008 مثلاً على ذلك، حيث قُتِل 150 مدنياً على بُعْد أقل من ميل واحد من قاعدة الأمم المتحدة. وأثار إخفاق قوَّات حفظ السلام في اتخاذ الإجراءات المناسبة حيال ذلك نقداً لاذعاً لكنه حفَّز أيضاً من ابتداع الابتكارات الرئيسية.

نحو تواصل أفضل مع المجتمعات المحلية

عقب التحليل الدقيق لملابسات هذه المذبحة، أقنع قِسمُ الشؤون المدنية في مونوسكو قِيَادَةَ البعثة بضرورة التعرف أكثر على البيئة المحلية وفهم أبعادها لمنع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل. واتخذ قرارٌ بأنَّه بدلاً عن توظيف مزيد من المترجمين الفوريين، يجب تزويد قوَّات حفظ السلام بمصدرٍ يعينهم على تولي أدور أكثر شمولية من خلال الانخراط في المجتمعات المحلية. ومن هنا ابتُكِرت مهمة جديدة تعرف باسم مساعد الاتصال المحلي.

ويمثل مساعدو الاتصال المحلي طاقماً وطنياً يعمل كهمزة الوصل بين بعثة حفظ السلام والسلطات المحلية والسكان المحليين. وينتشرون مباشرة مع قوَّات حفظ السلام النظامية على الأرض ويساعدون القادة على فهم حاجات السكان المحليين والتخطيط لاستجابات تناسب التصدي للتهديدات التي تواجهها تلك المجتمعات المحلية. ويديرون نظام الإنذار المُبكِّر الذي وضعته مونوسكو من خلال إقامة شبكات إذاعية وتوزيع أرقام الهواتف المُخصَّصة لحالات الطوارئ على نطاق واسع وتوفير هواتف مزودة برصيد لجهات الاتصال الرئيسية. ويُمكِّن هذا النظام المجتمعات المحلية في المواقع النائية من تحذير مونوسكو والاستجابة للتهديدات الوشيكة من خلال نشر قوات الأمن الوطنية. وبالإضافة إلى ذلك، يُرسِل مساعدو الاتصال المحلي إلى جميع أقسام البعثة التحذيرات ويوفرون المعلومات الأساسية ويقدمون التحليلات الميدانية لها عبر رفع التقارير اليومية والأسبوعية واللحظية.

وفي الوقت نفسه، ينشر مساعدو الاتصال المحلي رسائل البعثة إلى السكان المحليين ويساعدونهم في إدارة توقعاتهم. وقد ساعدت أنشطتهم التوعوية والاتصال المتبادل على بناء الثقة في العمليات السياسية وإشراك الجهات الفاعلة الدولية. وأخيراً، يمتاز مساعدو الاتصال المحلي بالخبرة المحلية وبشبكات مستوى القاعدة الشعبية ما يجعلهم مُيسِّرين مثاليين للزيارات الميدانية التي ينفذها موظفو قوَّات حفظ السلام وتُتيح لهم تنفيذ مجموعة متنوعة من أنشطة الحماية ذات الصلة.

وفي ضوء الاعتراف المتزايد بأنَّ تركيز مزيد من الاهتمام على استراتيجيات الحماية الخاصة بالمجتمعات المحلية أكثر فعَّالية وترشيداً عن التدخلات القائمة كلية على تصورات الغُرباء وأولوياتهم، ازداد إيكال المهمات لمسؤولي الاتصال المحلي للعمل مع المجتمعات المحلية لرفع مستوى تأهبهم واستجابتهم للتهديدات المحيقة بهم. ويدعم مساعدو الاتصال المحلي المجتمعات المحلية في تشكيل لجان حماية مجتمعية تجمع بين السكان المحليين والمجتمع المدني والسلطات التقليدية لمناقشة التهديدات وتخفيف حدة النزاعات ووضع الحلول. وبالإضافة إلى بناء قدرات تلك المجتمعات المحلية من خلال توفير الدورات التدريبية والعمل عن كثب معها، يساعد مساعدو الاتصال المحلي تلك المجتمعات أيضاً على وضع استراتيجيات الحماية المناسبة لها في خطط الحماية المجتمعية. وتستطيع المجتمعات المحلية، من خلال العمل على هذه الخطط، دراسة التهديدات المُحْدِقة بالحماية ووضع استراتيجيات للتخفيف من وطأتها ثم مُشاركتها مع قوَّات حفظ السلام لتوجيه تدخلاتهم في المسار الصحيح.[2] إلاَّ أنَّ بعض المشاكل البسيطة ظهرت لدى هذه المجتمعات المحلية وظلت التساؤلات قائمة بشأن ما إذا كانت بعثات حفظ السلام هي أفضل البعثات المؤهلة للتعامل مع المجتمعات المحلية أو ما إذا كان من الأفضل التنسيق مع المنظمات الأخرى التي تعمل في هذا المجال. ومع ذلك، بدت هذه المبادرة في جميع الأحوال مثمرة. 

تعميم هذه المبادرة

بالنظر إلى مدى فعالية مساعدي الاتصال المحلي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حصدت هذه المبادرة اعترافاً واسع النطاق بفعاليتها وتبنتها ثلاث بعثات رئيسية أخرى لحفظ السلام كوسيلة لتحسين تواصلهم مع المجتمعات المحلية والاشتراك معهم في حمايتهم. وفي ضوء توجيهات أصحاب المبادرة الأصليين من قسم الشؤون المدنية لدى مونسكو، توجهت كل من بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب السودان (يونميس) وبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي(مينوسما) وبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى (مينوسكا) إلى تعيين مساعدي اتصال محلي بلغ عددهم 280 مساعداً وهم منتشرون في الميدان.

لكنَّ الغالبية العظمى من أولئك المساعدين عيَّنتهم مونوسكو. وأحد الاسباب في ذلك أنَّ البعثات الأكثر حداثة ما زالت في مرحلة التوسّع إذ تُعيّن اثنين من مساعدي الاتصال المحلي على الأقل لكل قاعدة من قواعد حفظ السلام وهو الأمر الذي ينطوي على مفاوضات مُعقَّدة وأحياناً غير ناجحة بشأن مخصصات الموازنة. وهناك سبب آخر مردُّه اختلاف السياقات العملية، إذ تبنَّت البعثات هذه المبادرة وطبقت رؤى متنوعة لمساعدي الاتصال المحلي. فقد قررت بعثة الأمم المتحدة في جمهورية جنوب السودان في جنوب السودان (يونميس)، على سبيل المثال، عدم نشر مساعدي الاتصال المحلي مع ذوي الخوذات الزرقاء في قواعد قوات حفظ السلام بل أوكلت إليهم مهاماً بصفتهم موظفين مدنيين مع رؤساء المكاتب الإقليمية. وخلص تقييم أُجري مؤخراً إلى انتقاص ذلك من السمة المميزة لمساعدي الاتصال المحليوبالتالي اختزال قدرتهم على العمل كمنسقين عسكريين مدنيين في هذا المجال.[3] بيد أنَّه مع اندلاع موجة الأعمال العدائية الجامحة في عام 2013 واستئنافها في يوليو/تموز 2016، وَقَعَت يونميس في أزمة أفقدتها القدرة على تحقيق الاستفادة المثلى من مساعدي الاتصال المحلي. وبالمثل، حجَّمت الظروف اللّوجيستية والأمنية في مالي من متطلبات مساعدي الاتصال المحلي. 

وعلى الرَّغْمُ من تلك الاختلافات، تشير المقارنات بين مختلف السياقات إلى تلازم بعض التحديات مع الأداة. فمساعدو الاتصال المحلي، بحكم طبيعة انتشارهم، يعيشون تحت ظروف صعبة وقاسية وقد تكون خطرة ولا يتلقون إلا دعماً محدوداً من المكتب الإقليمي وتقيد حركتهم ويواجهون مشكلة التقطُّع في إمكانية الوصول إلى شبكة الهاتف والإنترنت. وتُصعِّب تلك التحديات من إرسال التقارير والإدارة والتناوب. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على مساعدي الاتصال المحلي الموازنة بين عدد من المعضلات المتصلة بدورهم المزدوج كعناصر داخليين وخارجيين في آن واحد. فعلى سبيل المثال، هم جزء لا يتجزأ من قوَّات حفظ السلام، وعليهم في الوقت نفسه التفاوض على أمنهم مع الجهات المُسلّحة الأخرى بما في ذلك في أثناء انسحاب البعثة. وعلى مساعدي الاتصال المحلي أيضاً بناء علاقات وثيقة مع المجتمع المحلي بالإضافة إلى تجنب التحيز والامتناع عن انتهاك مبادئ عدم الإفصاح. وعلى الرَّغم من أنَّ هذه الجوانب تُمثِّل تحدياً، يُشير البحث إلى أنَّ أكثر المسائل إلحاحاً ليست متأصلة في مساعدي الاتصال المحلي أنفسهم بل في كيفية استخدام مساعدي الاتصال المحلي وآلية تمكينهم.

المضي قدماً

ثبت عبر مختلف البعثات أنَّ مساعدي الاتصال المحلي ليسوا استراتيجية في حد ذاتهم وأنَّه على قدر جودة الهياكل الإدارية والموارد المُخصصة لدعمهم تأتي ثمار جهودهم إذ ليست إدارة عدد كبير من الموظفين الوطنيين في المواقع النائية بالمهمة السهلة. وتُصعِّب الصرامة النسبية للوائح الأمم المتحدة الإدارية من نشر مساعدي الاتصال المحلي على نحو يتسم بالمرونة وفقاً للاحتياجات في الميدان فضلاً عن ضرورة تحليل مختلف أنواع المعلومات التي يوّفرها مساعدو الاتصال المحلي وإحالتها والتعامل معها.

وعلى الرَّغْمُ من هذه الاحتياجات (وفي سياق الاضطرار لتعيين عدد كبير من الموظفين تعييناً استثنائياً وسريعاً)، لا تحظى البعثات في المقابل بزيادة في قدرتها الإدارية. لكنَّ مونوسكو تكيَّفت تكيفاً سريعاً نسبياً من خلال تعيين اثنين من مساعدي الاتصال المحلي وبعض متطوعي الأمم المتحدة الدوليين في المكاتب الإقليمية لإدارة مساعدي الاتصال المحلي المنتشرين في الميدان – وقد حاكت البعثات الأخرى هذه المنهجية لكنَّها لم تكن الحل الأمثل على المدى البعيد. ويتعين على الموظفين الدوليين قضاء مزيد من الوقت في الميدان برفقة مساعدي الاتصال المحلي من خلال التناوب على سبيل المثال داخل المكاتب الميدانية وخارجها. وقد طُلب إلى مقر الأمم المتحدة أيضاً وضع تصنيف جديد للموظفين الجُدد من مساعدي الاتصال المحلي لتجري عملية نشرهم بصورة أكثر مرونة.

وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد مدى فعَّالية مساعدي الاتصال المحلي على رغبة الوحدات العسكرية التابعة للأمم المتحدة في التصدي للتهديدات الموجهة ضد المدنيين. وإذا شعر السكان المحليون بأنَّ قوَّات حفظ السلام لا تتخذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم، فستضمحل كذلك ثقتهم بمساعدي الاتصال المحلي إذ يُفضي عدم اتخاذ بعض البلدان المساهمة بقَّوات الإجراءات الحاسمة لحماية المجتمعات المحلية بجهود مساعدي الاتصال المحلي هباءً منثوراً وقد يُعرضهم في أسوأ الحالات للخطر حيث تتعامل معهم الجماعات المسلحة كمخبرين لا سَنَد لهم.

واستجابة لذلك، تعمل بعثات حفظ السلام على إدماج تقارير مساعدي الاتصال المحلي وتحذيراتهم في نظام متكامل لتغطية الأحداث وقاعدة بيانات لتنفيذ عملية تحليل المعلومات والتشارك بها بطريقة أكثر منهجية ويصبح التعامل مع التحذيرات ليست مجرد تفسيرات شخصية للوحدات الوطنية. وبدلاً من إجراء نقاش بين أحد مساعدي الاتصال المحلي وقائده على المستوى المحلي أو بين المستويات المختلفة من الرُّتب العسكرية بالوحدة – حيث سينتهي النقاش في كلتا الحالتين بتأخر الاستجابة – ستغذي تقارير هذا المساعد مباشرة التقرير الرئيسي الذي تُعدُّه البعثة وجهة الاستجابة. وبهذه الطريقة، ستُعامَل تحذيرات مساعدي الاتصال المحلي معاملة ممنهجة وشفافة ما سيزيد الضغط على البلدان المساهمة بالقَّوات لتتخذ إجراءات حاسمة فضلاً عن تلافي النزاعات الشخصية بين مساعدي الاتصال المحلي وقادتهم.

 

يانوش كالنبيرغ janosch.kullenberg@oxon.org

زميل الدكتوراة، كلية الدراسات العليا في كلية بريمن الدولية للعلوم الاجتماعية www.bigsss-bremen.de، وباحث زائر، معهد سالتسمان لدراسات الحرب والسلام في جامعة كولومبيا www.siwps.org، وموظف معاون للشؤون المدنية (سابقاً)، بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)، جمهورية الكونغو الديمقراطية.

 



[2] انظر أيضاً استعراض الممارسات المثلى لمساعدي الاتصال المحلي التابعين لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية، 2014

 https://janoschkullenberg.files.wordpress.com/2014/09/cla-review-final_270814.pdf

(MONUSCO CLA Best Practice Review 2014)

[3] لمزيد من التفاصيل بشأن تعميم مبادرة مساعدي الاتصال المحلي، انظر التقييم المتوقع نشره قريباً والذي أعده قسم سياسات إدارة عمليات حفظ السلام/إدارة الدعم الميداني والممارسات المُثلى بعنوان دراسة مسحية أو ممارسة: مساعدو الاتصال المحلي في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام.

(Survey or Practice: Community Liaison Assistants in United Nations Peacekeeping Operations)

 

DONATESUBSCRIBE