نشأت المنظمات الأهلية التي يقودها اللاجئون في جميع بلدان اللجوء للتصدي لمختلف القضايا التي تؤثر في فئات اللاجئين من السكان. وفي نيروبي، هناك منظمات يقودها لاجئون من الـ (إل جي بي تي* آي كيو)[1] وتعمل من أجلهم. وقد أثبتت هذه المنظمات أنها مصادر جيدة وَجِهَةٌ واعدة في تقديم خدمات الحماية القائمة على المجتمعات المحلية. وتُكمِّل مساهماتهم العمل الأوسع نطاقاً للهيئات الإنسانية. وعندما يخيم الغموض المالي على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تمثل هذه المنظمات قنوات بديلة لتقديم المساعدات لمجتمعات اللاجئين بتمويل من القطاع الخاص. وهذه المنظمات الأهلية إذ تضع تركيزها على التنمية العامة للمجتمعات المحلية، فإنّها تجمع بين النشاطات الاقتصادية والقضايا المتصلة بها القانونية والنفسية-الاجتماعية والطبية، فهي بذلك تروج للرفاه العام لمجتمعات اللاجئين وتضمن توفير استجابة شمولية لمسألة الاعتماد على الذات.
ويمكن للهيئات الإنسانية أن تشجع تنمية المنظمات الأهلية وتدعمها من خلال المناصرة الخارجية وبناء قدراتها عن طريق تطوير استراتيجياتها التنظيمية وإرشاداتها وتعزيز آليات المساءلة المالية والاستفادة من الشبكات والارتباطات مع المنظمات الشريكة المحتملة (بما فيها المنظمات الأهلية الأخرى التي يقودها اللاجئون). وفي الوقت نفسه، ينبغي للهيئات أن تبقى واعية ومدركة لضرورة تشجيع إقامة شبكة واسعة تضمن المنظمات الأهلية تضع في حسبانها تنوع مجتمعات اللاجئين لأنَّ صرف الانتباه عن الفواصل القائمة بين مختلف المجتمعات المحلية قد يجعل الهيئات في النهاية تدعم هيكليات القوى السلبية وتبعد الأصوات المهمشة أصلاً عن دائرة الاهتمام. ولا بد من تقديم تعريف واضح لطبيعة ودرجة مشاركة الهيئة مع منظَّمة المجتمع المحلي التي يقودها اللاجئون. فعلى سبيل المثال، هل ستعني تلك المشاركة أن تصبح المنظمة الأهلية شريكاً منفِّذاً أم هل تعني أن تعمل الجهتان معاً لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة؟ ولا بد في هذا الصدد من مراعاة ثلاثة عناصر رئيسية هي الأولوية والشفافية والاستدامة نظراً لأهميتها في إقامة العلاقات المثمرة والمحافظة عليها.
وتنفذ المنظمات الأهلية التي يقودها لاجئون من الـ (إل جي بي تي آي كيو) برامج متنوعة متعددة للتعامل مع الحاجات الخاصة للـ (إل جي بي تي آي كيو). وتشتمل تلك البرامج على ما يلي:
صحة المجتمع المحلي: سخَّرت إحدى المنظمات الأهلية المهارات الطبية الموجودة أصلاً وتدريب أفراد المجتمع المحلي في سبيل توفير التدريب الصحة بقيادة اللاجئين لمجموعات من عملاء الـ (إل جي بي تي آي كيو) الذين قد يعانون من محدودية القدرة على الوصول إلى الخدمات الصحية بسبب التمييز. ومن ثمَّ، قاد عمال الصحة المجتمعية حملات للتواصل مع مجتمع اللاجئين الأوسع نطاقاً للتوعية بشأن مختلف القضايا مثل الصحة الجنسية (للأشخاص المعرضين للخطر أو المنخرطين في عمل الجنس كوسيلة للعيش) ولنشر المعلومات اللازمة حول الأمراض السارية (لمن يعيش في أماكن السكن المجتمعية) والرعاية الصحية ما قبل الولادة وبعدها (لنساء الـ إل بي كيو). ويحدد قادة هذه البرامج أيضاً شركاء الرعاية الصحية المناسبين ويؤسسون منظومات الإحالة ويعززونها.
الدعم النفسي-الاجتماعي: تدير إحدى المنظمات الأهلية جلسة إرشادية جماعية شهرية للاجئين الذين يعيشون مع فيروس عِوَز المناعة البشرية. كما أقامت تلك المنظمة شراكات مع المستشارين الوطنيين من ذوي الخبرة في العمل مع أفراد الـ (إل جي بي تي آي كيو) ويعمل هؤلاء المستشارون على تيسير الجلسات وتدريب أفراد المنظمة للترويج لاستدامة البرامج. وهناك أيضاً الاستشارة الفردية التي تُقدَّم من خلال منظومة إحالة أقيمت بين المنظمة والمستشارين. وهناك منظمة أخرى تسعى إلى خفض الآثار السلبية للعزلة الاجتماعية بين لاجئي الـ (إل جي بي تي آي كيو) وتشجع تنمية المجتمعات المحلية من خلال برنامج التدريب المبني على مهاراتهم الرياضية والفنية.
الحماية القانونية: بما أنَّ الأمن المادي من أهم المسائل التي تعني جميع لاجئي الـ (إل جي بي تي آي كيو)، أقامت منظمة أهلية علاقة شراكة مع منظمة أهلية أخرى محلية مختصة بالمساعدة القانونية تقدم المساعدة للاجئين بمصاحبتهم إلى مراكز الشرطة وتقديم التدريب في المساعدة القانونية وتقديم مأوى الطوارئ وخدمات إعادة النقل.
مبادرات سبل كسب الرزق: يمثل تمكين لاجئي الـ (إل جي بي تي آي كيو) وتجهيزهم بمهارات سبل كسب الرزق جزءاً جوهرياً من استراتيجية شاملة للحماية. وهناك عدة منظمات أهلية تنفذ دورات تدريبية على سبل كسب الرزق للاجئي الـ (إل جي بي تي آي كيو) في مجالات تضم الحلاقة والإلكترونيات وتصليح الهواتف والخياطة وصناعة الخبز والصناعة الحرفية وتربية الدواجن.
وأهم ما في الأمر أنَّ هذه المبادرات تعتمد على المهارات والمواهب المتاحة لدى لاجئي الـ (إل جي بي تي آي كيو) كما أنَّها ترسل رسالة قوية للاجئين مفادها أنَّهم قادرون على المشاركة مع الهيئات وفقاً لشروطهم وأنه بمقدوره تولي زمام أمور قضاياهم. وعن أثر هذه المبادرات، يقول أحد اللاجئين: “إذا بنيت قدرة المجتمع المحلي في المشاركة في هذه المشروعات، لن يكون عليها أن تقلق [كثيراً] لأنَّها ستتلقى الخدمات من أماكن أخرى غير الهيئات الإنسانية.”
الهيئات الإنسانية: دعم المنظمات الأهلية التي يقودها لاجئو الـ (إل جي بي تي آي كيو)
قدَّم أحد قادة منظمات الـ (إل جي بي تي آي كيو) التي يقودها اللاجئون اقتراحاً بما يراه مناسباً لتقديم الدعم الأفضل لهذه المنظمات قائلاً:
“الخطوة الأولى أن نعترف أننا هنا. ما المانع من أن تمثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دور الجسر الواصل بين جميع المنظمات الأهلية، وانا لا أتحدث على وجه الخصوص حول المجموعات ذات التوجه الجنسي والجندري فحسب بل أتحدث عن غيرها من مجموعات أيضاً. نحن نتوقع أن تقدم لنا المنظمات دعماً أكبر لمشروعاتنا. وفي الوقت الحالي، ليس المال ما نريد من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بل الإرشاد. نحن نحتاج إلى الشبكات.”
واقترح ذلك القائد قائلاً إنه على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ترسم استراتيجية دعم بعيدة الأمد لتسهيل قنوات التواصل بين مجتمعات اللاجئين والأطراف الأخرى مثل المنظمات المانحة التي تدعم مبادرات الـ (إل جي بي تي آي كيو). وفي نهاية المطاف، ينبغي لدور المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يتمثل في بناء القدرات وتقديم الإرشاد والتوجيه العام للمنظمات الأهلية الناشئة.
واستجابة لاستبيان استقصاء الحاجات الحالية، لاحظت ثلاث منظمات أهلية للـ (إل جي بي تي آي كيو) في نيروبي ضرورة رسم استراتيجيات بعيدة الأمد بما فيها الخطط اللازمة لضمان استمرارية القيادة. وقالت أيضاً إنَّ هناك ضرورة لتطوير أطر مالية عامة لتوجيه البرامج ومبادرات الأعمال والمشروعات وإنَّه لا بد من تطوير إجراءات الإدارة المالية. ومن بين الحاجات المحددة الأخرى تطوير إجراءات للرصد والتقييم للمشروعات (إجراءات تتفق مع المعايير المرعية لدى المنظمات المهنية الأخرى) والتشارك مع المنظمات الأهلية الأخرى والهيئات الإنسانية بالممارسات المثلى والتوجيه حول رفع التقارير وكتابة طلبات المنح.
ولا بد من إشراك المنظمات الأهلية التي يقودها اللاجئون في الشبكات المهنية لتطوير هذه القدرات الداخلية. وبالاستفادة والتعلم من خبرات المنظمات الأكثر ترسخاً، يمكن للمنظمات الأهلية التي يقودها اللاجئون أن تحقق النمو وأن تحصل على الدعم وقد تتطور لتصبح شركاء في توفير الخدمات لمجتمعات اللاجئين. وينبغي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن توازن بين النتائج الإيجابية لهذا التطور مع ضرورة المحافظة على استقلالية للاجئين وسيطرتهم على زمام أمور مبادراتهم. وينبغي لها أيضاً أن تدرس بعناية مسألة الدعم المالي وخاصة ما قد ينتج عنه من خلافات إزاء تفضيل تقديم الدعم لمنظمات أهلية معينة دون غيرها. فلذلك، لا بد من أن تكون عملية اختيار الدعم المالي متاحة للجميع وشفافة ويجب أن تراعي مواطن الاستضعاف الخاصة لمجتمعات اللاجئين. وكذلك يطلب قادة المنظمات الأهلية الحصول على دعم غير مالي مثل التدريب والتوجيه لتطوير قدراتهم.
وهناك من لاجئي الـ (إل جي بي تي آي كيو) ممن يعتقد أنه على المنظمات الأهلية أن تعمل كجسر بين مجتمعاتهم المهمَّشة ومجتمع اللاجئين الأوسع نطاقاً. “لماذا لا نتفاعل مع المجموعات الأخرى؟ لا أرغب في البقاء [استمرار العمل مع منظمتي الأهلية] فكلها تتعلق بالتوجه الجنسي والهُوِيَّة الجندرية. نريد أنَّ نكون لاجئين ضمن المجتمع الكلي.” وعند تطوير الشبكات المهنية، يرتبط قادة المنظمات الأهلية بمجموعة واسعة النطاق من اللاجئين من غير الـ (إل جي بي تي آي كيو) بمن فيهم قادة المنظمات الأهلية الأخرى. وبالإضافة إلى إمكانية توفير قنوات لتوظيف لاجئي الـ (إل جي بي تي آي كيو)، هناك مجال لأن تصبح فيه هذه الشبكات المهنية منبار تُستَخدَم للحوار الاجتماعي وأدوات فعالة لتفعيل حقوق الـ (إل جي بي تي آي كيو).
الشبكات والتنوع
في نيروبي، يسطر على كثير من الهيكليات القيادية للـ (إل جي بي تي آي كيو) رجال مثليون. وهذا ا ما دفع اللاجئات الـ (إل بي كيو) إلى التعبير عن مخاوفهن من عدم تمثيلهن في هذه المنظمات أو في المنابر التي تُتَّخَذ فيها القرارات المؤثرة في مجتمعاتهن. “إن لم تكن ذكراً لا يمكنك التحدث. حتى في الاجتماعات، الفتيان يسيطرون. نريد تمكين المثليات”.
ومع تنامي تأثير هيكليات المنظمات الأهلية، قد ينخفض معه الفضاء المتاح لأفراد المجتمعات المهمشة من التأكيد على أنفسهم في صناعة القرارات. وإضافة إلى ذلك، يزداد حضور المنظمات الأهلية بصفتها جهات للتحاور بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبقية اللاجئين، وهذا ما يؤدي إلى ظهور أخطار مثل احتكار هيكليات القيادة وإغفال تحديد حالات الاستضعاف وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع المحلي والتشكيك بحضور الهيئات ومدى الدعم الذي تقدمه. وقد تصبح مجتمعات اللاجئين مستقطبة ومسيسة بفعل عوامل التغيير في القوى المتأصلة في العلاقات القائمة بين الهيئات الإنسانية وشركاء القطاع الخاص والمنظمات الأهلية خاصة عندما يتعلق الأمر بالدعم المالي. ولمواجهة ذلك، لا بد للهيئات (بما فيها الجهات الفاعلة في القطاع الخاص) أن تبقى على وعي بالآثار الخلافية المحتملة لمشاركتها مع المنظمات الأهلية وأن تسعى للترويج للهيكليات القيادية المتنوعة للاجئين كما عليها أن تبقى على درجة من الحساسية في مراعاتها للعوامل الحركية الاجتماعية التي تحكم مجتمعات اللاجئين. ولابد من إدراك أنَّ الرجال المثليين أكبر عدداً نسبياً من بقية الأشخاص الـ (إل جي بي تي كيو) وأنَّهم يحصلون على التمكين من شبكة قوية من المنظمات العاملة معهم وأنَّهم أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم من البقية.
وتثير هذه القضايا مزيداً من التساؤلات حول مدى رغبة الهيئات الإنسانية في توسيع نطاق الشراكات مع المنظمات الأهلية التي يقودها اللاجئون. فلتمويل الهيئات الإنسانية للمبادرات القائمة على المجتمع آثار اجتماعية لم تكشف عنها الأبحاث بالكامل. تلك الآثار التي قد تحدث في العلاقات وعوامل التغيير في القوى وقد تحدد مخاطر العنف القائم على الجندر والتوجه الجنسي نتيجة عدم المسواة في توزيع رأس المال بين مجتمعات اللاجئين. وينبغي للهيئات أن تدرس بعناية آثار توفير الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم للمنظمات الأهلية، وعلى الأخص عليها أن تنظر في الآثار المحتملة الواقعة على المهمَّشين من أفراد ومجموعات. وكيف سيؤثر ذلك الدعم في العلاقات القائم بين اللاجئين وبين اللاجئين ومقدمي الخدمات؟ ما مدى احتمالية أن يزيد هذا الدعم من قدرة المجتمع المحلي على الاعتماد على الذات، أم هل سيؤدي إلى الترويج إلى هيكليات القيادة الضعيفة في تمثيلها للقاعدة وهل سيعني ذلك إعاقة تمكين المجموعات المهمَّشة؟
إنَّ نمو المنظمات الأهلية وأدوارها المتزايدة التي تمثلها في حماية اللاجئين لتجعل من زيادة التفاعل بين كبار الفاعلين بمن فيهم المنظمات الأهلية واجباً وضرورة. وعلى الهيئات أن تُقَيِّمَ الطرق الأمثل للاستفادة من الآثار الإيجابية للمنظمات الأهلية مع تجنب الآثار السلبية المحتملة للشراكة. وعلى الشركاء من القطاع الخاص والمانحين أن يعوا تأثيرهم ويبذلوا جهدهم في فهم القضايا التي تواجههم وتسهيل وصول المجموعات المهمَّشة للتمويل. فالفرصة المتاحة للعمل من كثب مع اللاجئين تحمل في طياتها واجب بذل العناية للنأي بالدعم عن أي استقطاب للمجتمعات المستضعفة والابتعاد عن الترويج لبعض القضايا على حساب البعض الآخر إذا كانت بالقدر ذاته من الأهمية.
هيستر ك ڨ مور moore@refugepoint.org
مستشارة في منظمة ريفيوج بوينت[2] www.refugepoint.org
ومسؤولة مساعدة لشؤون إعادة التوطين في إنجمينا www.unhcr.org
[1] أصبح اختصار Trans* (تي*) مصطلحاً يشير إلى الهويات التي تضم مغيري الجندر وغير ثنائيي الجنس وغير المطابقين لأدوار الجندر.
[2] بنيت هذه المقالة على دراسة أعدتها المؤلفة لريفيوج بيونت بعنوان
(‘Disaggregating LGBTIQ protection concerns: experiences of displaced communities in Nairobi’)
(’معلومات بالتفصيل حول حماية الـ (إل جي بي تي آي كيو): خبرات مجتمعات المهجَّرين نيروبي‘)