يشتمل نطاق العمل الأكاديمي على التخطيط الحسن لمشروعات البحوث وإجرائها بما يتماشى مع أربعة مبادئ رئيسية لأخلاقيات البحث العلمي وهي عدم الإضرار بالغير وتحقيق المنفعة والعدالة والتحلي بالاستقلالية. وبالفعل، لا يمكن لباحثي الجامعات المضي قدماً في مشروعاتهم البحثية قبل الحصول على موافقة من مجلس مستقل مختص بمراجعة الأخلاقيات المؤسسية. إلاَّ أنَّ مثل تلك الرقابة ليست شائعة في قطاع التوطين بل قد يشوب حدود النطاق الأخلاقي الغموض عندما تسعى منظمة تقديم الخدمات إلى إشراك الفئات المستفيدة منها في بحوث البرامج والتقييم أو المناصرة.
وقد أوضح عملنا في قطاع التوطين في أستراليا استمرار التحدِّيات التي تحول دون استمرارية استحصال الموافقة المدروسة والتأكد من وقوف المستفيدين على فهم كامل لتبعات العقد الرسمي الذي يبرمونه مع المنظمة التي تقدم لهم الخدمات. وعندنا أنَّ مقدمي الخدمات قد يحققون فائدة لأنفسهم إذا ما طبَّقوا مبادئ أخلاقيات البحث العلمي في تطوير ممارسات أفضل بغية التأكد من امتناع مزاولي التوطين من الإضرار عن غير قصد بحق الشخص في اتخاذ قرار مستقل حول مشاركته أو الإجحاف بذلك الحق أو منعه.
إدارة الموافقة والتوقعات
في المنظمات الخَدَمِيَّة، لا تختلف استمارات خصوصية المستفيدين وموافقتهم عن استمارات البيانات والموافقة التي درجت البحوث على استخدامها، فهي في نهاية المطاف تنصب في حماية الفرد والمنظمة على حد سواء. وتغطي النماذج الشروط التشريعية المهمة وتضمن امتثال مقدمي الخدمات للشروط التنظيمية. ولذلك الغرض، يستخدم مركز مصادر طالبي اللجوء في فوتسكراي وهي ضاحية من ضواحي ميلبورن في أستراليا ميثاق الحقوق والمسؤوليات. والميثاق هو استمارة أعدتها المنظمة لغايات الاستخدام الداخلي بحيث يوقع عليها الأعضاء الجدد ويمنحون بموجبها موافقتهم على جمع بياناتهم الشخصية وتخويل المنظمة في مشاركة تلك البيانات بطرق محددة لضمان تقيم خدمات مناسبة وشاملة. وتوضح الاستمارة أيضاً التوقعات المرجوة من المشاركة بين المستفيد ومقدم الخدمات (وعلى الأخص منها الحقوق والمسؤوليات).
وهكذا، عندما يحصل الفرد على دعم مركز مصادر طالبي اللجوء أو خدماته، يُطلَب إليه توقيع ميثاق الحقوق والمسؤوليات المتاح باللغة الإنجليزية وبعضٍ من اللغات الأخرى للجاليات (الفارسية والدارية والملاوية والأوردية). وينبغي شرح ميثاق الحقوق والمسؤوليات بلغة يفهمها المستفيدون كما لا بد من الاستعانة بمترجم شفوي عند الضرورة لكي يؤكد المستفيد على فهمه لحقوقه ومسؤولياته. لكنَّنا نرى أنَّ كثيراً من المستفيدين لن يخاطروا بالاعتراض على شروط العقد أو الامتناع عن توقيعه تخوفاً من جانبهم من فقدان القدرة على الوصول إلى الخدمات.
ومن ناحية إدارة التوقعات، عُقِدَت جلسة لمجموعات التركيز حضرتها إحدى عشرة مشاركة في البرامج في فبراير/شباط 2019 لتحديد توقعات المشاركات في برنامج تمكين المرأة الذي ينفذه مركز مصادر طالبي اللجوء، وأثير في الجلسة تحدٍّ أخلاقي بشأن كيفية الإقرار بمساهمتهن. وكانت أغلبية النساء إما من ذوات الدخل المنخفض جداً أو من المتعطلات عن العمل. وبعد دراسة متأنية، تقرر منح قسيمة تسوق من أحد الأسواق بقيمة 25 دولاراً أسترالياً نظير الوقت الذي منحته النساء في الحضور وتعويضاً عن أجور النقل ولقاء المعلومات التي يساهمن بها. وتمثل محور المشكلة الأخلاقية فيما إذا كان ذلك الإجراء سوف يمثل سابقة وتوقعاً بأنَّ المساهمات في تطوير عمل تقديم الخدمات وتحسينه يجب أن يرافقها على الدوام نوع من التعويض. فموارد مركز مصادر طالبي اللجوء محدودة، ما يعني أنَّ مثل ذلك التعويض يفتقر للاستدامة والواقعية.
وكما الحال في بيئات البحوث، تلقى المسؤولية على عاتق المنظمات الخَدَمِيَّة مثل مركز مصادر طالبي اللجوء في الامتناع عن الإضرار بالغير وذلك عن طريق إدارة التوقعات. فهناك التزام أخلاقي يقع على عاتقها لتحسين حياة الناس (تحقيق المنفعة) وعليها أن تنتهج العدالة والشفافية في عملها كما عليها أن توفر الظروف المناسبة لإضفاء الاحترام المتبادل على المشاركة بين المنظمة والمستفيدين. إضافة إلى ذلك، يتحمل مقدمو الخدمة مسؤولية إدراك اختلال التوازن في القوة الذي يشوب آلية جمع المعلومات من المستضعفين من المجتمعات المستضعفة أو طالبي اللجوء الذين لا يجدون فرصاً كبيرة نظراً لمحدودية وصولهم للموارد.
وهنا، تظهر أهمية التفكير الانعكاسي. والتفكير الانعكاسي بالتعريف “عملية التأمل الناقد لنوعية المعلومات الناتجة عن البحوث وكيفية توليد تلك المعلومات“[1] ولا بد من انتهاجه عند دراسة الكيفية التي تسوء فيها التحديات الأخلاقية للحصول على الموافقة المدروسة نظراً لأنَّ استخدام الناس للخدمات معزُوٌّ لتعاظم الخطر المالي الذي يواجهونه. وفي هذه الحالات، على مقدمي الخدمات أن يستفهموا عما إذا كان المستفيدون يتصورون أنَّهم ملزمون أو شبه مجبرين على المشاركة في النشاطات بناء على ‘طلب’ مقدمي الخدمات، ولا بد أيضاً من التفكير في كيفية خفض تلك التصورات بوجود التزام إزاء المنظمة.
ثم إنَّ على مقدمي الخدمات أن يتنبهوا للحالات والأوقات التي يعبر فيها المشاركون عن تلك التصورات والآراء في أماكن أخرى. فقد لا يكون المشاركون، المستفيدون من الخدمات، على علم بأنَّ مشاركتهم في برنامج ما قد تؤدي إلى إعادة ذكر كلماتهم في بيئة أخرى، ولذلك غالباً ما تُستَخدَم القصص المركبة والمخفيُّ مؤلفوها ضمن دراسات الحالات لغايات تقييم البرامج وتقديمها للجهات الممولة أو لغايات المناصرة.
ما الأشياء الأخرى التي يجب فعلها؟
يستخدم مركز مصادر طالبي اللجوء، شأنه في ذلك شأن غيره من مقدمي الخدمات، ميثاق الحقوق والمسؤوليات للتأكد من وضوح التوقعات لكل من المستفيد والمركز منذ اللحظة الأولى للشراكة فيما بينهما. إلا أنَّ الاستمارة وحدها لا يمكن أن تشتمل على كل التعقيدات الأخلاقية التي قد تظهر في أثناء العمل مع الفئات المستضعفة ولأجلهم. ولذلك، نسعى في مركز مصادر طالبي اللجوء للترويج للتوصيات التالية للتأكد من حصول مقدم الخدمة على الموافقة المدروسة من المستفيد:
- كن على وعي ثقافي: ميثاق الحقوق والمسؤوليات قائمة طويلة ويصعب قراءتها وقد لا تكون مألوفة لدى قارئها بل قد تكون ظلال معانيها عصية على الفهم بحسب اختلاف الثقافات.
- إدراك عوائق اللغة الإنجليزية التي تحول دون فهم القارئ: اشرح النقاط الأساسية بلغة إنجليزية مبسطة ووضح المعلومات للمستفيد وتحقق من فهمه لها واستعن بمترجم شفوي إذا كانت قدرة استيعاب المستفيد للغة الإنجليزية ليست بالقدر الكافي لإعطائه موافقة مدروسة.
- كن على اطلاع بالصدمات وكن أهلاً للثقة: عندما يرزح الناس تحت ضغط التوتر، تتعطل ذاكرتهم وقد لا يقدرون على تذكر توقيعهم لميثاق الحقوق والمسؤوليات أو قد لا يتذكرون فقراته، ولذلك احرص على إعطائهم نسخة من الميثاق ليقرؤوه مجدداً.
- تأكد من استمرار عملية الحصول على الموافقة وكن على وعي بأنَّ علاقة المستفيد بمقدم الخدمة ستتغير مع مرور الوقت.
- أتح الخيارات: ينبغي أن يفهم الأفراد الحاصلون على الخدمة نطاق الخيارات المتاحة سوف يشاركون بها وينبغي أن تكون لهم القدرة باختيار قبول طريقة والتخلي عن طريقة أخرى وذلك عن طريق التذكير بالخيارات وأهليتهم للاختيار، فمقدم الخدمة بذلك التذكير يتشارك بسلطته مع المستفيدين أو الأعضاء.
وأخيراً وليس أخراً، نرى أنَّه بمقدور مقدمي خدمات التوطين الاستفادة من تأسيس لجان رقابية كمثل ما درجت عليه العادة في مجالس المراجعة الأخلاقية في الجامعات مع ضرورة التَّخَفُّفِ من المعايير في تلك اللجان وجعل تلك اللجان أقل رسمية من الجامعات، إذ يمكن لتلك اللجان أن تجتمع وتناقش الإرشادات التوجيهية وتقدمها حول مختلف التحديات الأخلاقية التي وصفناها في مقالتنا هذه. والأمثلة كثيرة حول الممارسات الجيدة للتوطين المدروس أخلاقياً، إلاَّ أنَّه ما لم يكن هناك عمل جماعي وما لم تُعقَد الحوارات حول الممارسة المعيارية للأخلاقيات، فسيكون الخطر عظيماً في أن يتسبب مقدمو خدمات التوطين في إلحاق الضرر بالآخرين عن غير قصد.
كارلا نايتُن carla.n@asrc.org.au
مُديرةُ برنامج إمباورمنت باثويز في مركز مصادر طالبي اللجوء
سالي بيكَر sally.baker@unsw.edu.au
مُحاضِرةٌ في العلوم الاجتماعية في جامعة إنيو ساوث ويلز بسِدْنيwww.unsw.edu.au
[1] Guillemin M and Gillam L (2004) ‘Ethics, Reflexivity, and “Ethically Important Moments” in Research’, Quality Inquiry, 10 (2), 261–280
(الأخلاقيَّاتُ والتفكيرُ الانعكاسيُّ “واللحظات المهمة أخلاقياً” في البحث) www.researchgate.net/publication/235930722_Ethics_Reflexivity_and_Ethically_Important_Moments_in_Research