لم تدفع أعمال القمع والنهب والعنف المدني التي شهدتها فنزويلا مواطنيها إلا لمزيدٍ من القلق والخوف، لتتفاقم الأمور وتتجه نحو الأسوأ بتآكل الاستقرار الاجتماعي السياسي والنقص الحاد في قطاعَي الغداء والدواء وشلل التضخم المالي والانخفاض الكبير في قيمة العملة الفنزويليّة. ومع كل يومٍ يمر، تزداد الأوضاع تدهوراً وفساداً لِيُصبِح شَمل الفنزويليين وقابلية ضمّهم للتعريف الدولي لصفة لاجئ أمراً مسوغاً له.
فبالإضافة إلى اتفاقية اللاجئين عام 1951 وبروتوكولها عام 1967 اللذين وقّعت عليهما الغالبية العظمى من بلدان أميركا اللاتينية، أظهرت القارة جهوداً تعاونية لتعزيز أطُر العمل الإقليمية بين بلدانها من أجل المُهَجّرين قسرياً، إذ يُعَدُّ إعلان قرطاجنة لعام 1984 وإعلان سان خوسيه لعام 1994 وإعلان المكسيك لعام 2004 وإعلان البرازيل لعام 2014 بمنزلة شواهد تثبت التزام تلك الدول بحماية أولئك الذين لديهم خوف مسوغ له من الاضطهاد. غير إنّ استجابة الدول لأولئك الفارّين من فنزويلا تثبت أنّه ما زال هنالك الكثير للقيام به لا سيما فيما يتعلق بتنفيذ صكوك تلك الاتفاقيات. فمثلاً، بلغ مجموع طلبات اللجوء التي قيّمتها وزارة العدل البرازيلية 89 طلباً من أصل 4,670 طلب لجوء من فنزويلا في الفترة الممتدة بين عامَي 2012 و2016.[1]أمّا الذين يريدون الفرار إلى كولومبيا فيواجهون تحدياتٍ مختلفة كتسَبُب إغلاق الحدود المنتظم والعنف الناشب في المنطقة الشرقية بإعاقة الفنزويليين من تقديم طلبات اللجوء.
خيارات الحماية
من بين كل بلدان أميركا اللاتينية التي تستضيف الفنزويليين الفارّين من بلادهم، تستحق البيرو التقدير والاعتراف وذلك لنظام التصريحات المؤقتة الجديد الذي يوفر إقامة مؤقتة للعمل والدراسة. فنظام التصريحات المؤقّتة يوفر للمواطنين الفنزويليين حصراً [2] تصريحات للعمل والدراسة لمدة عام واحد مع إمكانية التجديد. وقد أشاد المجتمع الدولي بهذا النظام الجديد بما فيها لجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان التي عّدت النظام: "مثالاً يبين لدول المنطقة كيفية حماية المهاجرين الذين يعانون من أوضاع صعبة عن طريق ضبط الهجرة وتقنينها."[3]ووفقاً لمدير الهجرة إدواردو سيفيلا ايشفاريا، بلغ عدد الفنزويليين الذين قُبِلَت طلباتهم لنظام التصريحات المؤقتة ما يزيد عن عشرة آلاف فنزويلي في أواخر يوليو/ تموز 2017.[4]
ومع ذلك، يبدو أنّ مسئولي الهجرة يروّجون لنظام التصريحات المؤقتة بدلاً من توفير المعلومات الكافية عن مسارات حماية أخرى أكثر ديمومة وأوسع نطاقاً. فقد مرّ صاحب الأعمال الفنزويلي السابق خوسيه بحالة كهذه. ففي أثناء مروره بمراقبة الحدود في المطار في ليما أبلغ خوسيه ضابط الهجرة عن رغبته في تقديم طلب لجوء ولكنه قال: "أخبروني أنني مؤهل لنظام التصريحات المؤقتة فقط." ومع الأخذ بعين الاعتبار أن البيرو تمتلك قانوناً وطنياً للجوء يعود تاريخه لعام 2003،[5] فإنّه لأمر مفاجئ أن مكتب الهجرة في ليما امتنع عن توفير المعلومات الكافية المتعلقة بإجراءات تقديم طلب اللجوء.
تشير الشهادات التي أدلى بها المتقدمون والمنتفعون في عاصمة البيرو ليما أنّ خوسيه ليس الشخص الوحيد الذي تعرّض للتضليل فيما يتعلق بحقه في تقديم طلب اللجوء. فعندما قدّمت ماريا طلباً لنظام التصريحات المؤقتة لاحظت أنّ النظام لا يقدم بصريح العبارة أي ضمان على إمكانية الوصول إلى بعض الحقوق التي عادة ما تُمْنَح للاجئين. "هربت من منطقة يعصف بها العنف الشديد في فنزويلا وكُنْتُ على علم بالتعريف الواسع لصفة اللاجئ المذكور في إعلان قرطاجنة، وظننت أنني ربما أكون مؤهلة للحصول على صفة لاجئ استناداً إليه" ووضّحَت ماريا مضيفة لما سبق أنها لا تريد بالضرورة أن تحصل رسمياً على صفة لاجئ ولكن ما يهمها هو الحصول على ضمان قانوني يُمَكِّنُها وأطفالها من الوصول إلى المرافق الصحية والمساعدات الأساسية. غير إنّها اضطرت، شأنها في ذلك شأن خوسيه، أن ترضخ للواقع وتقبل بما يقدمه نظام التصريحات المؤقتة من امتيازات محدودة خصوصاً بعدما فشل كل ما فعلته من زيارات لمكتب الهجرة ومكالمات هاتفية مع موظفي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذين لم يدركوا التداخل بين نظام التصريحات وقانون البيرو الوطني للجوء.
تنفيذ لا يرقى للمعايير الدولية
من المعروف أنّ أميركا اللاتينية طوّرت بعضاً من أكثر آليات الحماية ابتكاراً للاجئين. وجاء إعلان قرطاجنة لعام 1984 في الصدارة، مُمَهّداً السبيل لكثيرٍ من الحوارات الإقليمية التي تركز على الحماية الدولية. بَيد أنه من المهم أيضاً الاعتراف بأنّ هذه الإعلانات وخطط الأعمال والتوصيات والاستنتاجات غير ملزمة إلى حد كبير، وأنّه في أميركا اللاتينية "معظم هيئات تحديد وضع اللاجئين تعاني من ضعف في التدريب والكفاءة والاستقلال والخبرة اللازمة لتكون موجودة في أجزاء أخرى من العالم." [6]وعلاوة على ذلك، منذ نهاية التسعينيات وضعت حكومات أمريكا اللاتينية تشريعات لجوء على المستوى الدولي ولكن هذه الصكوك تميل لأن تكون "متأخّرة عن المعايير الدولية من ناحية مدّة الحماية ونطاقها [و] تفتقر لبعض حقوق اللاجئين المهمة كالحق في الوصول العادل والفعّال إلى إجراءات تحديد وضع اللاجئين." [7]
كما أنّ البيرو ليست مستثناة من هذه الحقائق، ورغم أنّ نظام التصريحات المؤقتة الذي توفّره يمنح الكثير من الفنزويليين السلامة، ثمّة حاجة مُلحّة لخوض النقاشات حول ما إذ كانت البيرو تفي بالتزاماتها أم لا تجاه الفنزويليين الذين ينبغي البَت في قضاياهم من خلال عمليات ملائمة لتحديد أوضاع اللاجئين. ولو وضعنا في الاعتبار أنّ إعلان قرطاجنة لعام 1984 يوسّع تعريف صفة اللجوء لتضُم الهاربين من بلدانهم بسبب "اللاجئين الذين فروا من بلادهم بسبب تعرض حياتهم أو سلامتهم أو حريتهم للتهديد بسبب العنف المعمم أو العدوان الأجنبي أو النِّزاعات الداخلية أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو أي ظروف أخرى تحدث اضطرابًا في النظام العام"،[8] سيكون من حق الفارين من فنزويلا أن يكونوا مؤهلين لتقديم طلبات الحماية الدولية خصوصاً مع وجود أدلة وفيرة على النِّزاعات التي تشهدها تلك المنطقة. وتتحمل البيرو المسؤولية رسمياً لتسهيل عملية تقديم طلب الحماية خصوصاً بعدما دمجت التعريف المُوَسّع لصفة اللجوء في تشريعاتها الوطنية. لكنَّ الواقع العملي يشير إلى قدرة نظام التصريحات المؤقتة على تمكين البيرو من إبطال تلك المسؤولية والتحايل عليها لا سيما وأنّ المهاجرين الفنزويليين عادة ما يُقَيّمون شكلاً لِيُترَكوا جاهلين بأنظمة الحماية الأخرى المتاحة بموجب القانون البيروفي.
وبينما يُثنى على جهود البيرو في استضافة الفنزويليين، من المهم توضيح أنّ نظام التصريحات المؤقتة لا يُعَدّ أداة حماية تضمن توسيع نطاق الحقوق. فعلى الورق، لا يعدو هذا النظام أن يكون تصريح إقامة يسمح للفنزويليين بالعمل والدراسة لمدة عام واحد، ورغم أن هذه الامتيازات قد تكون مناسبة لبعض المتقدمين فهي غير ملائمة للذين هربوا من بلادهم للحفاظ على حياتهم وسلامتهم وحريتهم من التهديد. ومن هذا المنطلق، ينبغي أن لا يُنظَر لنظام التصريحات المؤقتة في البيرو كمعيار جديد لحماية الفارّين من الأزمات والنِّزاعات والعنف داخل أميركا اللاتينية لما لذلك من خطر في ترويج الخطاب والممارسات على أساس الكرم وحسن النية بدلاً من أن تكون قائمة على أساس الحقوق.
نيكولاوس بارينت nik.parent@gmail.com
باحث في مرصد حقوق الإنسان والمُهجَّرين قسراً في تركيا https://ohrfmt.org يعمل حالياً في تدريس الجغرافيا في ليما، البيرو.
[1] Human Rights Watch (2017) ‘Venezuela: Humanitarian crisis spilling into Brazil’
منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش) (2017) ’فنزويلا: الأزمة الإنسانية وآثارها على البرازيل‘)
www.hrw.org/news/2017/04/18/venezuela-humanitarian-crisis-spilling-brazil
[2] Decreto Supremo Nº 002-2017-IN
(المرسوم الأعلى رقم 002-2017-IN)
[4] ‘Gobierno evalúa ampliar plazo para entrega de PTP a venezolanos’, El Comercio, 25th July 2017
(الحكومة تدرس تجديد أمد تصريح الإقامة للفنزويليين، التجارة)
[5] Ley del Refugiado Nº 27891
(قانون اللاجئين رقم 27891)
[6] Fischel De Andrade J (2014) ‘Forced migration in South America’ in Fiddian-Qasmiyeh E, Loescher G, Long K and Sigona N (Eds) The Oxford Handbook of Refugee & Forced Migration Studies, Oxford University Press, pp651-663
(فيشيل دي أندرادي ج (2014) ’الهجرة القسرية في أمريكا الجنوبية‘ في فيديان-قاسمية إي ولوشر ج ولونغ ك وسيونا ن (محررون) دليل أكسفورد لدراسات اللاجئين والهجرة القسرية)
[7] Gottwald M (2003) ‘Protecting Colombian refugees in the Andean region: the fight against invisibility’ UNHCR Working Paper No 81
(غوتوالد م (2003) ’حماية اللاجئين الكولومبيين في منطقة الأنديز: صراع لمقاومة إخفاء الظهور‘)
[8] إعلان قرطاجنة حول اللاجئين
www.refworld.org/cgi-bin/texis/vtx/rwmain/opendocpdf.pdf?reldoc=y&docid=50cee5b22