Skip to content
النفوذ والسياسة والامتيازات: الصحة العامة على الحدود التايلندية البورمية
جاءت هذه المقالة نِتاجَ رحلة تعلم تجريبية ميدانية أُجريت كجزء من دورة الصحة العامة المتعلقة بصحة اللاجئين من خلال مبادرة هارفارد الإنسانية. قضى ستة طلاب يدرسون الصحة العامة في كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة و13 طالباً كارينياً في السنة الثانية من منهج الصحة العامة الذي يمتد لعامين ثلاثة أسابيع يُعدُّون مشروعاً بحثياً قد يُساعِد واحدة من كثير من المنظمات غير الحكومية القائمة في المخيمات والمعنية بتقديم الخدمات في المخيم على الحدود التايلندية البورمية. وقد مثَّل هذا المقال عند طلاب كلية هارفارد، الذين استقى هذا المقال من أفكارهم، تجربة حياتية قصيرة، في حين كان عند الطلاب الكارينيين، الذين ترعرع معظمهم في أحد مخيمات اللاجئين تلك الموجودة على طول الحدود، واقعاً يومياً مُعاشاً.

 

قبل وصولنا للمخيم، كنا نتخيل أننا سنمر بطرق تُرابية عصيَّة تمتد بين أراضي جبلية خطرة، ولكنّنا في الواقع وجدنا المخيم يقع قبالة طريق سريع ممهد. وقد يُهيَّأ للناظر على منازل المخيم من الوهلة الأولى بأنَّ قاطنيه قد وصلوا لتوهم إليه لكنّ هؤلاء اللاجئين من بورما البالغ عددهم 120 ألفاً يعيشون على الحدود التايلاندية منذ عقود. ويُطالع الناظر أمام الحاجز العسكري التايلاندي لافتة على مدخل المخيم كُتِبَ عليها ‘مأوى مؤقت’ – وهو المخيم القائم منذ 17 عاماً مضت.

 يبلغ أحد زملائنا الكارينيين27 عاماً وقد عاش في هذا المخيم لأعوام طوال. فقد جاء إلى هنا من قربته في بورما سعياً للتَّعليم لأنّ القتال تسبب بفرار كثير من الناس من منطقته عبر الحدود إلى تايلاندا ولم يترك كثيراً من الفرص التعليمية في شرقي بورما. وما زالت أسرته في ولاية كارين ولم يرهم منذ قدومه إلى هذا المخيم. وقد تزوج لكنّ زوجته سرعان ما هربت من بورما وأعيد توطينها في بلد آخر حيث تعيش وتعمل الآن هناك. وهي تبعث له حوالات مالية صغيرة وتتحدث إليه هاتفياً كثيراً، ولكنه لا يعتقد أبداً أنَّه سيأتي اليوم الذي سيلتئم فيه شملهما مجدداً.

يعيش اللاجئون في أوضاع رهيبة. ولا يُمثل أيٌّ من ‘الحلول الدائمة’ الثلاثة المتمثلة في العودة الطوعية إلى أرض الوطن أو الاندماج المحلي أو إعادة التوطين خياراً قابلاً للتطبيق في ظل المناخ الجغرافي السياسي الحالي. وقد بيَّنت الحكومة التايلاندية، بالاتفاق مع المسؤولين البورميين، رغبتها الصريحة في غلق المخيم على طول الحدود. وذاعت الشائعات بنوايا غلق المخيم ولكنّ قاطني المخيمات لا ينفكون يؤكدون عزوفهم عن العودة إلى الديار.

وخلال الوقت الذي قضيناه في المخيم، طالعنا مقالاً مكتوباً منذ بضعة أسابيع قبل وصولنا للمخيم.[i]وأفضت ملاحظات الكاتب إلى اعتقاده بأنَّه هذا هو الوقت المناسب لغلق المخيم، إذ قال فيه "القوت متاح والعمل محظور. وثبَّط ذلك الرغبة في الاستقلال وإقامة المشروعات وخوض مجال ريادة الأعمال". ومع ذلك، فقد أورد بيانات تشير لمعاناة نصف قاطني المخيمات من مشكلات الصِّحة العقليَّة، وأنَّ ذلك نتيجة "غياب الاكتفاء الذاتي وتنامي التفكير قصير الأمد".

وبوصفنا حديثو التخصص في مجال الصحة العامة ومُلاحظون، لا نرى ادعاءات هذا الكاتب أنصفت اللاجئين بل نرى أنَّها انتقصت حقهم. فقد كان الطلاب الذين عملنا معهم مفكرين مستقلين ومغامرين ورائدي أعمال على الرَّغْمُ من كل القيود المحيطة بهم في المخيم. ويتمتعون أيضاً باللدونة. ولا يُمكن إنكار أنَّ مشكلات الصِّحة العقليَّة كبيرة ومهملة في المخيم لكنّ الاضطرابات العقلية الشائعة مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة هي مجرد نتائج للتاريخ المريع من الصدمات النفسية التي شهدها اللاجئون.

الصِّحة العقليَّة

صُمِّم أحد مشروعات مجموعتنا وبُنيَ لتقييم مواقف المجتمع المحلي في المخيم إزاء رعاية الصِّحة العقليَّة إذ شهد اللاجئون ضغوط العنف والتَّهجير وهذا ما عرَّضهم على وجه الخصوص لزيادة خطر الإصابة باضطرابات الصِّحة العقليَّة المزمنة. ومن بين العوامل المرتبطة بمشكلات الصحة العقلية الأكبر عدم استقرار الترتيبات المعيشية، وغياب الفرص الاقتصادية، والخوف من العودة القسرية، واستمرار النِّزاع في المناطق التي فرَّوا منها.[ii]

في دراسة لتقييم الصحة العقلية لدى اللاجئين الكارينيين، وُجد أن 11% من العينة قد سبق تشخيص إصابتهم بأمراض عقلية.3 أما الأعراض الجسدية المرتبطة بالثقافات فكانت منتشرة بوضوح ومن بينها، "الخدران"، و"التفكير كثيراً"، و"الشعور بسخونة تحت الجلد". وكما ذكر أحد اللاجئين بإيجاز "، … ليس مسموحاً لي بالخروج من المخيم. وليس عندي وظيفة أو عمل. ويُحيطني كثير من الضغوط والاكتئاب. وأشعر أني سأُجن قريباً هنا". 4

ثمة حاجة مُلحَّة لفهم طبيعة مشكلات الصِّحة العقليَّة هنا فهماً أعمقاً. ولسوء الطالع، سرعان ما صدرت تعليمات للطلاب الكارينيين العاملين معنا بضرورة عودتهم إلى مخيمهم الأصلي ليجتازوا اختبار التحقق، ما أنهى دراساتنا الجماعية المقترحة الخاصة بمشكلات الصحة العقلية. وهذه مفارقة صارخة، فهذا النوع من التقلّب الحياتي وعدم القدرة على إدارة الحياة اليومية هو ما يتسبب في إحداث الضغوط النفسية. وتنطوي الصِّحة العقليَّة على مضمونات هائلة من ناحية العيش في حياة لا تسمح فيها للمرء بممارسة حرياته الأساسية في الانتقال وكسب العيش والتعبير عن قدرته السياسة. وتلك قضايا حقوق الإنسان التي ترتبط بدورها ارتباطاً مباشراً بصحة الفرد والصحة العامة.

وتحدد العدسات التي ننظر من خلالها للوضع كيفية فهمنا لأسباب تلك القضايا والتزاماتنا إزاءها. وقد حالفنا الحظ بقضاء ثلاثة أسابيع بصحبة زملائنا الكارينيين في المخيم  وأدركنا خلال هذه المدة تماماً كيف يؤدي اختلال الديناميات السياسية وغياب الحكم الذاتي السياسي والغياب الأصيل للامتيازات إلى تفاوتات في الصحة وحقوق الإنسان.

وبتنقلنا لمسافات تصل 12 ألف ميل، حصلنا على منظور قيِّم عن مدى تأثير قضايا السلطة والسياسة والامتيازات على حياة اللاجئين في المخيمات وعرّفتنا أيضاً على امتيازنا الأصيل إذ يحق لنا التحرك بحرية والتعبير عن أنفسنا واغتنام الفرص اللانهائية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما هو دورنا بوصفنا ملاحظين عابرين في مثل هذا السياق؟ نعتقد أنَّنا حين نشهد الظلم بأعيننا، فإن علينا مسؤولية مناصرة أصوات من يُحرمون هذه الامتيازات ومخاوفهم من أجل إيصال قضيتهم إلى جميع المستويات. وما زالت كلمات مارتن لوثر كينغ جونيور التي خطّها في رسالة من سجن برمنغهام في عام 1963 تلمس الواقع الحالي: "الظلم في أي مكان تهديد للعدل في كل مكان. ونحن عالقون في شبكة مُحكَمة من العلاقات المتبادلة ومصائرنا مشتركة. فما يؤثر على أحدنا مباشرة يؤثر علينا جميعاً تأثيراً غير مباشر".

 

نيخيل أ. باتيل sunny.patel@mail.harvard.edu @sunnyapatel_

طَبيبٌ مُقيم في تحالف كامبردج للصحة، وزميل سريري في كلية الطب بجامعة هارفارد www.challiance.org

 

إموس ب. ليختمن amoslichtman@mail.harvard.edu

طَبيبٌ مُقيم، كلية ديفيد جيفن للطب، جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس http://medschool.ucla.edu

 

موهيت م. ناير mmn452@mail.harvard.edu

باحث في مجال الصحة العامة، كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة www.hsph.harvard.edu

 

بارفين ك. بارمار   pparmar@usc.edu

أستاذ مشارك، كلية كيك للطب، جامعة جنوب كاليفورنيا  http://keck.usc.edu

 

نخص بالشكر كلاً من شوشانا فاين، وبليك جونسون، وكايلا إنريك، وبول جريج جرينوف وكيلسي غليسون لإجراء محادثات مُحفِزة للتفكير حول تجربتنا المشتركة. وأخيراً، نتقدم بجزيل الشكر لزملائنا من شَعبِ كارين على حُسنِ ضيافتهم وكرم أخلاقهم.



[i]باندو د. (2014) ’هل حان الوقت لغلق مخيم اللاجئين البورميين في تايلندا؟‘

 www.cato.org/blog/time-close-thailands-camps-burmese-refugees

(Time to Close Down Thailand’s Refugee Camps for Burmese Refugees?)

[ii]رينجولد س.، وبركي أ.، وجلاس ر. (2005)، ’صحة اللاجئين العقلية‘، مجلة الجمعية الطبية الأمريكية 294 (5)، 

http://jama.jamanetwork.com/article.aspx?articleid=201333

(Refugee mental health)

3  كاردوزو ب.، وتالي ل.، وبُرتون أ.، وكروفورد س. (2004) ’اللاجئون الكارينيون في المخيمات على الحدود التايلندية البورمية: خبرات صادمة وما ينتج عنها من مشكلات الصِّحة العقليَّة، والوظائف الاجتماعية‘. مجلة العلوم الاجتماعية والطب 58(12).   

www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0277953603005070

(Karenni refugees living in Thai–Burmese border camps: traumatic experiences, mental health outcomes, and social functioning)

4 منظمة مراقبة حقوق الإنسان  (هيومان رايتس ووتش) (2012): مؤقتة وغير كافية: تعامل تايلندا مع مشكلات اللاجئين وطالبي اللجوء.

www.hrw.org/sites/default/files/reports/thailand0912.pdf

(Ad Hoc and Inadequate: Thailand’s Treatment of Refugees and Asylum Seekers)

 

 

DONATESUBSCRIBE