مع أن الطاقة الاستيعابية للاستقبال وفقاً لنظام اللجوء الإيطالي كانت ومازالت محدودة للغاية، فقد زاد الوضع سوءاً وتدهوراً منذ الاضطرابات والثورات التي عصفت بشمال أفريقيا، فالحماية التي يقدمها هذا النظام ما زالت معتمدة على المبدأ الاصلي الذي يقدم المساعدة على المدى القصير جداً، أما سياسات التوطين فهي مفقودة تماماً وكل من يُمنَح صفة اللاجئ يترك أمر حمايته إلى نفسه.
وقد أدى ذلك إلى مفارقة عجيبة حيث إنَّ الأشخاص الذين هربوا إلى إيطاليا يجدون أنفسهم بحاجة إلى الهروب من إيطاليا من جديد. فبعضهم يعمد ببساطة إلى التوجه إلى بلاد أوروبية أخرى دون خوض عملية التعريف الشخصي بعد وصولهم لذلك البلد، وهناك من يقدم طلباً للجوء ثم ينتقل مباشرة إلى مكان آخر عندما يجد أنَّ المؤسسات المحلية تخلت عن اللاجئين في حين ما زال هناك آخرون ينتقلون حتى لو كان لديهم أي دليل رسمي او قصاصة ورقة رسمية تمنحهم الحماية الدولية. وفي إيطاليا فإن هذا الاعتراف بالنسبة لمعظم الحالات أو غالبيتها لا يقدم لهم شيئاً بخصوص التسهيلات المعيشية أو الحصول على حياة كريمة.
وفي 12 شباط/ فبراير 2011 ونتيجة لتدفق الأعداد الكبيرة من الأشخاص إلى الشواطئ الإيطالية أعلنت إيطاليا حالة الطوارئ الإنسانية، وخلال ذلك العام بلغ عدد طلبات اللجوء من الأفارقة 28542 طلباً معظمهم كانوا هاربين من القرن الافريقي ومن الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى ممن هاجروا من بلادهم عبر ليبيا وعبر البحر المتوسط. ويتضمن هذا الرقم 24854 تونسياً ممن منحوا الحماية لمدة ستة أشهر لاعتبارات إنسانية. وعلى ما يبدو فإنَّ 11800 من هؤلاء الأشخاص انتقلوا من إيطاليا إلى بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي مستخدمين وثائق صادرة عن السلطات الإيطالية حيث إنَّ تلك الوثائق أتاحت لهم التنقل في المنطقة التي يحكمها نظام (الشنغن). لكنَّ مصيرهم ما زال غير معروف. وقد قررت الحكومة الإيطالية تجديد إذن الحماية المؤقت الممنوح للأشخاص الذين بقوا في إيطاليا ولم يحصل أكثر من 700 من هؤلاء الأشخاص على المساعدة و السكن. ولا يوجد أي معلومات متاحة حول الأوضاع القانونية أو الاجتماعية والاقتصادية التي يرزح تحتها غيرهم من الأشخاص، ويفترض أنهم الآن جميعاً يعيشون في بلدان الاتحاد الأوروبي دون اعتراف قانوني بهم وبذلك فإنهم يفتقرون إلى الحماية القانونية. والمصير المجهول نفسه قد ينتظر ما يقارب 15000 ممن هربوا فيما بعد من ليبيا أو عن طريقها حيث إنَّه لم يُتَح لهم أي نوع من الحماية.
بالنسبة للبعض، فإنَّ أكثر ما يتوقون لأن تقدمه لهم الحماية السكن لا غير، وحتى ذلك المطلب لم يكن متاحاً في حالة الحصول عليه لأكثر من ستة شهور، فإيطاليا لا تتوافر على مرافق كبيرة للإسكان لإيواء هؤلاء الأشخاص مقارنة مع حاجاتهم. أما الاعتراف بصفة اللاجئ فلا تعدو أن تكون قصاصة من الورق لا تقدم أي نوع من الحماية الاجتماعية الحقيقية فالحاجات الأساسية غالباً ما تبقى غير ملباة بما في ذلك الحاجة إلى السكن والوجبات الغذائية والخدمات الصحية .
ينبغي لإيطاليا إعادة النظر في سياستها الخاصة باستقبال اللاجئين أو عدم استقبالهم، كما يجب أن تعيد النظر في سياستها الخاصة بخفر الحدود البحرية في البحر الابيض المتوسط. فسياسات الخفر والإنقاذ والإرجاع كلها كانت تُطبَّق بهدف منع و/ أو تخفيف ما أمكن من التدفقات غير المرغوب بها من المهاجرين. وقد سمحت اتفاقية الصداقة لعام 2008 المبرمة مع ليبيا بنقل كامل مسؤولية الحماية إلى ليبيا التي كانت معروفة بسياساتها المهينة والعنيفة والتي لم تعطِ أي اهتمام يذكر لمصير الاشخاص الذين يهربون من البلدان الأفريقية الأخرى عبر ليبيا. وقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مؤخراً حكماً تنتقد فيه إيطاليا على تصرفاتها السابقة التي كانت من خلالها تجبر اللاجئين على العودة إلى طرابلس بعد أن اعترضتهم أثناء هجرتهم في البحر الابيض المتوسط وذكرت المحكمة أنَّه لا يجوز لإيطاليا أن تنقل التزاماتها الدولية إلى بلدان يعرف عنها بسوابقها السيئة في مجال حقوق الإنسان.
ومع أنَّ هذه الاتفاقية أُوقِفَت حالياً فما زالت الحكومة الإيطالية تسعى إلى إعادة تنشيط "التعاون" الثنائي بين البلدين الذي كان فعالاً من حيث الحد من مشكلتها في الهجرة حتى لو كانت بكلفة كبيرة جداً.
رفائيلا بوغيوني (Raffaela.PUGGIONI@nottingham.edu.cn) زميلة في هيئة التدريس في جامعة نوتنغهام، نينغبو، الصين