يتزايد في العالم سريعاً الإقرار بالعلاقة بين الصحة البدنية والصحة العقلية وحُسْن الحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة. وإذ قد كانت الصحة العقلية، مثل الصحة البدنية تماماً، مسألةً شاملة كان لعددٍ كثير من القطاعات والهيئات والجهات الفاعلة لها شأنٌ في تحقيق النتائج المثلى في هذا الميدان للمُهجَّرين. وتتزايد في البيئات ذات الموارد العالية والمنخفضة وجوه إدماج مزاولين متخصصِّين بالنَّشاط البدني مع تدريبٍ على الصحة العقلية في فِرَق مُتعدِّدة التخصُّصات تُعزِّز حُسْن حال الصحة العقلية والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة. ويجب النظر في فرص مماثلة للمُهجَّرين من أجل تعظيم الأثر المحتمل للنشاط البدني من حيث هو إستراتيجيَّة لدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة.
وكثيراً ما يُنظَر إلى النشاط البدني[i] على أنه ركنٌ في الوقاية من الأمراض غير السارية وعلاجها، ومع ذلك فأكثر السكَّان استضعافاً في جميع العالم، ومنهم المُهجَّرون والنِّساء والمعوَّقين من ذوي الاحتياج، كثيراً ما يكونون أبعد ما يكون من الوصول إلى النشاط البدني في البرامج أو إلى البنية التحتية أو الفرص. على أنَّ هناك قيمة واضحة في جَعْل تدخُّل النشاط البدني مُكوِّناً دَيدَنيّاً من مكوِّنات رعاية الصحة العقليَّة –مثل إيصال دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة– عند المُهجَّرين.
هذا، والنَّشاط البدني إستراتيجية مُجرَّبة للوقاية من وجوه الاضطراب العقليّ وعلاجها، ولتعزيز حُسْن الحال والتَّواصل الاجتماعي، ولتعزيز الشعور بالجَّماعة. وهذا يشمل تخفيف عبء الاضطراب العقليّ بتخفيف أعراض الاكتِئاب والقَلَق والفُصَام واضْطِرابِ الكَرْبِ التَّالي للرَّضْح ووجوه اضطراب في استعمال الموادّ.[ii] وتشير الأدلّة إلى أنه في فوائد الصحة العقليَّة نوع النشاط البدني أو شِدَّته أقلّ أهميةً من جملة الوقت الذي يُقضَى فيه. ومن العوامل الرَّئيسة أيضاً وضع التمتُّع في الأولوية، وتعزيز الكفاءة الذاتية (إيمان الفرد بقدرته على تحقيق أهداف أداءٍ معيّنة)، والتفضيل الشخصي، وهذه مُشِيرات إلى مشاركة طويلة الأمد في النشاط البدني.
هذا، وللمنظَّمة الدوليَّة للهجرة دليلٌ في دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة المجتمعيِّ في الطوارئ يحتوي على فصلٍ مخصوص بالرِّياضة واللَّعب.[iii] ويُقَرُّ فيه أن النشاط البدني والرياضة يمكن أن يُعدَّا جزءاً من دعم المجتمع والأسرة (وهما الطبقة الثانية من الهرم الذي ذكرته اللجنة الدائمة المشتركة بين الهيئات في دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة)، ومن الدَّعم المركَّز غير المُتخصّص (وهو في الطبقة الثالثة)، ومن الرعاية المتخصصة بدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة أيضاً (وهي في الطبقة الرابعة من هرم اللجنة الدائمة المشتركة بين الهيئات).[iv] ويمكن أن تكون ألعاب المهاجرين وأنشطتهم البدنية جزءاً مهماً من ماضيهم وأن تُسهِم في حِفْظ الثقافة والاتّصال بسرديّات المُستقبَل في الألم والشِّفاء. وأيضاً يمكن أن يكون للرياضة والنشاط البدني شأن مهمّ في اندماج المُهجَّرين في المجتمعات.
هذا وإضافةً إلى تخفيف أعراض وجوه الاضطراب العقليّ، تُظهِر أدلّة ناشئة أن النَّشاط البدني يقي من النوائب المستقبلية من سوء الصحَّة العقليَّة. وأما الأطفال المُعرَّضون لأحداثٍ ضائرة بالطفولة، فتعد مشاركتهم في الرياضة الجماعية واقيةً لهم من وجوه الاضطراب العقليّ في المستقبل. ويماثل ذلك أنَّ المشاركة في الرياضة مُقَرٌّ بأنها بالغة في الأهمية في العُمُد الستّة لتنشئة طفولية حَسَنة: الكفاءة والثقة بالنفس والشخصية والصلات، والرحمة والتعلُّم. ويضاف إلى ذلك الإسهام في التنمية الاجتماعية والانفعالية للأطفال في جميع الأعمار فيما له تعلُّق بحل النِّزاع ومبادئ الإنصاف وتنمية مَلَكة المبادرة والقيادة والتواصل غير العنيف.
النشاط البدني ودَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة وسياقات المعونة الإنسانية
الروهنغيا في بنغلاديش: وَجَدَ تقدير سريع أُجرِي في كُكْس بازار سنة 2019 أنَّ لاجئي الروهنغيا حدَّدوا النشاط البدني بأنه إستراتيجية نفسانيَّة اجتماعيَّة أعانتهم على تخفيف «التوتر»، وهو تعبير محلي عن الضائقة.[v] وكان نقص الموارد (ومنها الأمكنة والمُعدِّات) أكبر عائق أمام المُشاركَة على الرغم من الدعم القوي للنشاط البدني من قادة المجتمع المحليّ. وأيضاً فقد كان الوصول مُقيَّداً لجماعات محدّدة، ومنها المعوَّقين من ذوي الاحتياج وكبار السن النساء (وذكرت النساء بسبب المخاوف الأمنية والمواقف الثقافية). ويقدِّم تقرير التقدير توصيات لموصلي خدمات دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة، ومنها إبراز الألعاب والأنشطة اللائقة بالثقافة، وضمان تدريب موظفي دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة على فوائد النشاط البدني وعلى إدراكهم إياها، واستعمال الأمكنة الصالحة للنساء والأطفال تُقدّم فيها برامج نشاط بدني مُخصصَّة لهاتَين الفئتين.[vi]
كلايمب أَيْد: (ClimbAid) منظمةٌ غير ربحية للرياضة لأجل التنمية، تستعمل محاكاةَ تسلُّق الصُّخور تدخُّلاً في حال الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة. ويشتمل برنامجهم في لبنان على ما يسمَّى «الصخرة المتدحرجة»، وهو هي جدار تسلُّق مُتحرِّك يتيح التسلُّق المُعِين على دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة وغيره من الأنشطة البدنية للأطفال والشباب من السكَّان المحلييِّن ومجتمع اللاجئين. وتُلقِي النتائج الأولية لتقويم برنامج كلايمب أَيْد الضوءَ على إسهامه في تعزيز علاقات أحسنَ بين اللاجئين والمجتمعات المُضِيفة، إذ يتحدَّى وجوه التحيُّز الجنسانيّ ويزيد الكفاءة الذاتية.
العلاج بالركمجة: تستعمل الركمجة (أي ركوب الموج) للفئات السكانية المستضعفة في العالم لتعزيز الصحَّة والتَّمكين والإرشاد والإدماج المجتمعي وإقامة المشاركة. فمع مبادئ برامج العلاج بالركمجة والتعلُّم منها وإنشاء المنظمة الدولية للعلاج بالركمجة[vii] نشأ أساسٌ لوضع برامج النشاط البدني التي لها أهداف في الصحَّة العقليَّة، وأساس لقويم هذه البرامج وتوسيع نطاقها.
نادي أرسِنَل لكرة القدم ومنظمة إنقاذ الطفل: أُنشِئ برنامج كوتشنغ فور لَيْف (Coaching for Life)، وهو نتائج مشاركة بين فريق كرة قدم محترف ومنظَّمة غير حكومية، استجابةً لبحثٍ أجرته منظمة إنقاذ الطفل، فكان البرنامج إستراتيجية في دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة لمعالجة العواقب السيَّئة بعد تعرُّض الأطفال للتوتُّر تعرُّضاً مُتَمادياً. وقد جُرِّب المشروع أوّل مرة في الأردن وإندونيسيا، وهو يستعمل كرة القدم لإعانة الأطفال على تنمية مهاراتهم في إدارة الانفعالات والتواصل واتِّخاذ القرار وتقدير الذات حق قدرها وتدبير الحال في النِّزاع.
المنافسة في مقابلة المُشاركَة في أوغندا:
ليس كلّ برامج الرياضة التي غرضها التنمية تأثيرٌ حَسَن على الصحَّة العقليَّة والمخرجات النفسانيَّة الاجتماعيَّة. إذ تبيَّن أنَّ دوري كرة القدم التنافسي في شمالي أوغندا كان له أَثرُ سوءٍ في الصحَّة العقليَّة للأولاد المشاركين. وتلقي التوصيات الناتجة عن ذلك الضوءَ على الحاجة إلى تحسين القدرات المحلية وتوفير الموارد للنشاط البدني الترفيهي غير التنافسي، وعلى أهمية أن يُدمَجَ في البرنامج تَدريبُ المُدرِّبين الرياضيِّن والمحترفين الرياضيِّين على دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة.[viii]
المُؤسَّسة الأولمبيَّة للاجئين: (The Olympic Refuge Foundation) أسَّسَتها سنة 2017 اللجنة الأولمبية الدولية حتّى تدعمَ بالرياضة الحماية والتنمية والتمكين عند الأطفال والشباب المستضعفين. فكان من ذلك أن نشأت (عُدَّة الرياضة لأجل الحماية: إعداد البرامج مع الشباب في مواضع التَّهجير[ix]) وكانت نتاج تعاونٍ متعدِّد الهيئات بين مفوضيَّة اللاجئين واللجنة الأولمبية الدولية ومنظمة أرض النَّاس (Terre des Hommes) أُقِيمَ لتطوير موردٍ عمليّ للمزاولين العاملين في الرياضة حتَّى تتحسَّن المُخرَجات للشباب الذين يعيشون حال التَّهجير. وتتضمّن العُدَّة كلاً إرشاداً نظرياً وإرشاداً عملّاً خطوة خطوة. وبعد نجاح تطوير العُدَّة، أُطلِقَ بيت الأفكار (Think Tank) التابع المُؤسَّسة الأولمبيَّة للاجئين في تموز/يوليو 2020. وقُصِد به إلى توضيح شأن الرياضة من حيث هي إستراتيجية قائمة على الأدلة لدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة للصحة، مع دعمها توليد الأدلة والموارد. ويشتمل بيت الأفكار التابع المُؤسَّسة الأولمبيَّة للاجئين ممثِّلين عن ميادين متنوّعة، ومنها التنمية الدولية وسياقات الطوارئ، والتخصُّصات السريرية (مثل الطب النفسي، وعلم النفس، والعلاج الطبيعي، ووظائف التمرين في الأعضاء)، وحماية الطفل، والتعليم، وبرامج ما بعد النّزاع. وفي هذا التنوع فرصةٌ لإسقاط كثير من المُنعَزَلات القطاعية المعروفة في السياقات الإنسانية، وسيُعِين على تحقيق نتائج ملموسة ذات قوّة كامنة شديدة التَّأثير.
إدماج النشاط البدني في قلب دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة
ممكنٌ للمزاولين في ميدان دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة والمزاولين الرياضيِّين الذين يعملون في المُجتمعات المحليَّة المُهجَّرة أن يجعلوا القوّة الكامنة للنشاط البدني على حماية وتعزيز الصحَّة العقليَّة وحُسْن الحال النفسانيَّة الاجتماعية– أعظمَ ما تكون بعدَّة من الطُّرُق. أولها، أنه كما ينبغي تدريب مزاولي دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة على المبادئ الأساسية لتعزيز النَّشاط البدني، ينبغي تدريب المهنيين الذين يوصلون النَّشاط البدني والبرامج الرياضية على المبادئ والمهارات الأساسية في الأقلّ لدعم الحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة الأساسية، ومن ذلك الإسعاف الأولي النفسانيّ. وثانيها، أنه يُحتَاج إلى قدرٍ أساسي من البنية التحتية لتقديم لإيصال الأنشطة البدنية والبرامج الرياضية وضمان أن لا يُهمَل أكثر الناس استضعافاً. وثالثها، أنّ من الضرورة أن يُفكَّر فيما بعدَ الشبَّان الأصحاء وأن تُوسَّع خدمات النشاط البدني لتشملَ النساء والمعوَّقين من ذوي الاحتياج، وذلك بأمان وبوجه مناسب. وآخرها، أنه يمكن أن يتيح النشاط البدني –والرياضات الجماعية خصِّيصى– فرصةً للإرشاد ومساراتٍ لسُبُل المعاش التي ينبغي النظر فيها عند وَضْع برامج النشاط البدني بغيةَ دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة.
سيمون روزِنْبَوْم s.rosenbaum@unsw.edu.au @simon_rosenbaum
بروفيسورٌ مشاركٌ، في كلية طلب النَّفس، بجامعة إنيو ساوث ويلز بسِدْني
ألَسْتا أَيْجَا aager@qmu.ac.uk @AlastairAger
بروفيسورٌ، في معهد الصحّة والتنمية العالميَّيْن، في جامعة الملكة مارغريت
لِسْلي سنايدر les@redbarnet.dk @LeslieMSnider
مديرةٌ، في الجمعية التعاونية لدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة، التي تُضِيفُها منظَّمة إنقاذ الطفل في الدانمارك
أجوَنْغ وارِيَا ajwang.warria@wits.ac.za
محاضرةٌ رئيسةٌ، في جامعة وِتْوَاتِرسراند
هُوْلي كولِيسِن H.Collison@lboro.ac.uk
محاضرةٌ رئيسةٌ، في معهد الأعمال الرياضية، بجامعة لوبورو في لندن
صابرينا إرمُهسِيَا shermosi@umich.edu @HermosillaSabri
مُحقِّقةُ بحوث، في جامعة مِشِغَن
دَيْڤِي ڤانكَمبفُرت davy.vancampfort@kuleuven.be @DavyVancampfort
[i] يُقصَد بالنَّشاط البدنيّ كلَّ حركة جسمانيَّة ومنها الرياضة والتمرين.
[ii] Ashdown-Franks G et al (2020) ‘Exercise as Medicine for Mental and Substance Use Disorders: A Meta-review of the Benefits for Neuropsychiatric and Cognitive Outcomes’, Sports Medicine 50(1)
(التَّمرين من حيث هو دواء لوجوه الاضطراب العقليّ واضطراب استعمال الموادّ: مراجعة مُترفِّعة لفوائد المُخرَجات العصبيّ النفسانيَّة والعِرفانيَّة)
https://link.springer.com/journal/40279/volumes-and-issues/50-1
[iv] IASC (2007) Guidelines on Mental Health and Psychosocial Support in Emergency Settings pp11–13
(المبادئ التوجيهية في اللجنة الدائمة المشتركة بين الهيئات في شأن دَعْمُ الصحَّةِ العقليَّة والحالِ النفسانيَّة الاجتماعيَّة في الطوارئ)
اقرأه باللغة العربية:
https://interagencystandingcommittee.org/system/files/iasc_guidelines_mhpss_arabic.pdf
[v] Wells R et al (2019) ‘Physical activity as a psychosocial intervention among Rohingya refugees in Bangladesh: a rapid ecological community assessment’, Intervention 17(2)
(النشاط البدني من حيث هو تدخُّل في الحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة عند اللاجئين الروهنغيِّين في بنغلاديش: تقدير مجتمعيّ سريع بيئيّ)
bit.ly/Intervention-Wells-et-al-2019
[vi] Ahmed M S et al (2019) ‘Sports and physical activity in psychosocial interventions with adolescent groups of the Rohingya community in Bangladesh: potential, limitations and critical factors for success’, Intervention 17(2)
(الرياضة والنشاط البدني في التدخلات في الحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة لفئات المراهقين من مجتمع الروهنغيا في بنغلاديش: الإمكان والقُيُود والعوامل الحاسمة للنَّجاح)
http://bit.ly/Intervention-Ahmed-et-al-2019
[vii] https://intlsurftherapy.org
[viii] Richards J et al (2014) ‘Physical fitness and mental health impact of a sport-for-development intervention in a post-conflict setting: randomised controlled trial nested within an observational study of adolescents in Gulu, Uganda’, BMC Public Health 14(1)
(تأثير اللياقة البدنية والصحة العقلية لتدخُّل الرياضة بغيةَ التنمية في أحوال ما بعد النّزاع: تجرِبة عشوائية مُراقَبة تُداخِل دراسة قائمة على الملاحظة للمراهقين في جولو بأوغندا)
https://bmcpublichealth.biomedcentral.com/articles/10.1186/1471-2458-14-619
[ix] https://stillmed.olympic.org/media/Document%20Library/OlympicOrg/IOC/What-We-Do/Promote-Olympism/Olympic-Refuge-Foundation/Sport-for-Protection-Toolkit-LowRes.pdf