في سياق العنف واسع النطاق المرتبط بالجريمة المنظمة في المكسيك، غالباً ما يصبح المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون أهدافاً محددة للعنف. فمنذ عام 2000، قُتِلَ على الأقل 125 صحفياً في المكسيك وفُقِدَ 21 آخرون. وفي أثناء ذلك، في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2012 حتى يوليو/تموز 2017، قُتِلَ 106 فرداً من المدافعين عن حقوق الإنسان واختفى 81 آخرون.[1]ورغم صعوبة الحصول على البيانات، تفيد التقارير إلى تعرض الصحافة إلى 276 حالة اعتداء في عام 2017، أي بزيادة نسبتها 23% عما كان عليه الحال في عالم 2016.[2]
وإذا نشط الفرد في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان أو نشر بيانات حول فساد السلطات المحلية أو قدَّم معلومات عما يحدث في بعض المناطق في البلاد، فذلك أساس كاف لتعريضه لخطر التهديد أو الاعتداء أو الاغتيال أو الإخفاء القسري. ويزداد أثر ذلك كله بغياب إرادة السلطات أو عجزها عن محاربة العصابات الإجرامية بل تعمد في بعض الأحيان إلى غض الطرف عن الاعتداءات التي يرتكبها المسؤولون الحكوميون، ومن هنا يقع العبء على الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان لفضح جرائم القتل أو الإخفاء القسري أو غيرها من الأفعال الإجرامية. ولكي تمنع العصابات الإجرامية الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من فعل ما يفعلونه تجبرهم على التعاون معهم تحت تهديد استهدافهم. وبلغتهم الدارجة المعروفة في عالم العصابات يعرضون عليهم عرضاً ’فضة أو رصاص’ بمعنى ’إما أن تقبل المال أو نطلق عليك الرصاص‘.
وما يزيد الطين بلَّة في هذا السياق زيادة العداء والأفعال القتالية المكشوفة لمختلف السلطات إزاء الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ما أدى إلى انخفاض احتمالية طلب هؤلاء للمساعدة أو الدعم بل إحجامهم عنها بالمرة. وبالإضافة إلى ذلك، الإفلات من العقاب يكاد يكون حقيقة مطلقة. وفي الفترة ما بين عامي 2010 و2016، لم تصدر سوى ثلاثة أحكام بالإدانة بشأن الاعتداءات على الصحفيين أي ما يمثل نسبة 0.15% من جميع الحالات التي حقق فيها مكتب المدعي العام الخاص بالجرائم ضد حرية التعبير.
تهجير المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين
لاذ كثيرٌ من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بالصمت تاركين العمل في حقوق الإنسان في حين اُضْطُّرَ آخرون عندما أصبح تعرضهم للخطر أمراً لا يمكن احتماله إلى الانتقال إلى أماكن أخرى داخل البلاد أو الفرار إلى بلدانٍ أخرى. ومع ذلك، فبالنسبة للصحفيين الذين طلبوا اللجوء في بلدان أخرى، توجد عوائق لحصولهم على الحماية لم تكن في الحسبان. فعلى سبيل المثال، سافر الصحفي مارتين مينديز بينيدا إلى إلباسو وهي مدينة تقع غرب ولاية تكساس ليتقدم بطلب لجوء في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن قضى أربعة أشهر في مركز الاحتجاز الذي وصفه "بالجحيم" وبعد أن رُفِضَ إطلاق سراحه المشروط ثم قرر مارتين العودة إلى المكسيك على الرغم من إدراكه للخطر الذي سوف يعود إليه.
وأحياناً تستخدم السلطات أنفسها إعادة النقل كوسيلة لحماية الأشخاص المستخطرين، فهناك آلية حماية المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين التي وضعتها الحكومة المكسيكية في عام 2012 إذ تحمي في الوقت الحالي 538 فرداً (342 من مدافعي حقوق الإنسان و196 صحفياً) على الانتقال المؤقت كتدبير من تدابير حماية الأشخاص المهددين أو المُعتدَى عليهم.[3]ورغم أنَّ الانتقال يعد في بعض الحالات تدبيراً عاجلاً لتوفير الحماية والأمن، لا ينبغي أن نَنْسَ أنَّه حل مؤقت لأنَّ الحكومة لم تقدمه إلا لأنها عاجزة عن توفير حق الإقامة حيث يريد الأشخاص أو ضمان حرية التعبير بالإضافة إلى ضمان حق (أو حاجة) المجتمع إلى أن يبقى على علمٍ بما بحدث فضلاً عن الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان.
تبعات التَّهجير
تتعدد آثار التَّهجير الواقعة على الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، يواجه الصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان واقع الاستئصال من جذورهم وفقدانهم للعلاقات الاجتماعية، ذلك الواقع الذي أصبح ظاهرة عامة يتسم بها التَّهجير القسري، لكنَّها تؤثر على هذه الفئة من الناشطين على وجه الخصوص لأنَّهم يفرون وحيدين بمفردهم تاركين عائلاتهم خلفهم. ثم يحيق المجهول باحتمالية عودتهم ما يُصعِّبُ عليهم الاندماج في موقعهم الجديد. وغالباً ما يشعرون بالذنب من أنهم تسببوا في تعريض أسرهم للخطر أو إيقاعها في صعوبات اقتصادية.
وهناك أيضاً آثار اجتماعية واسعة النطاق لتكميم أفواه الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان أو تهجيرهم إذ تواجه عدة ولايات في المكسيك حيث وقعت الانتهاكات والاعتداءات مشكلات خطيرة جراء العنف ووجود الجماعات الإجرامية المنظمة (بما في ذلك حالات التواطؤ بين الجماعات الإجرامية والسلطات) والإخفاءات القسرية والنَّزوح الداخلي وانتزاع ملكية الأراضي وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان. وقد تحدث كثيرٌ من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين تعرضوا للاعتداءات في الأشهر الأخيرة عن الكثير من هذه القضايا وأبلغوا عنها. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك تلك الولايات سجلاً حافلاً بأحداث العنف ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان (لم يُحقَق فيها بعد ولم تُقرُّ بشأنها لأي عقوبات). وحتى في هذه السياقات العدائية والخطيرة، يبذل الصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان جهوداً لا يُستهَان بها لتوثيق الأخبار ذات الصلة بحماية الفئات السكانية المكسيكية وإدانتها، وتسليط الضوء عليها، ومنع حدوث انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان بما في ذلك التَّهجير وحماية الحقوق.[4]
زيمينا سواريز xsuarez@wola.org
زميلة للمكسيك، مكتب واشنطن لأمريكا اللاتينية (WOLA) www.wola.org
دانيال زابيكو dzapico@ohchr.org
محامي متخصص في حقوق الإنسان، يعمل حالياً لدى مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في المكسيك www.hchr.org.mx
[1] Red Nacional de Organismos Civiles de Derechos Humanos “Todos los Derechos para Todas y Todos” (Red TDT) (2017) La Esperanza no se agota
(الشبكة الوطنية للمنظمات المدنية لحقوق الإنسان "جميع الحقوق للجميع" في ريد تي دي تي (2017) لا نهاية للأمل)
[2] Article 19 (2017) Primer semestre de 2017:1.5 agresiones diarias contra periodistas en México.
(المادة 19 (2017) النصف الأول من عام 2017: 1.5 اعتداءات يومية على الصحفيين في المكسيك)
[3] Espacio OSC (2015) Segundo diagnóstico sobre la implementación del Mecanismo de Protección para Personas Defensoras de Derechos Humanos y Periodistas
(غسباشيو أو إس سي (2015) التشخيص الثاني لتنفيذ آلية الحماية للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين)
[4] See WOLA ‘Statement on Violence against Journalists and Human Rights Defenders in Mexico’, 7th September 2017
(انظر مكتب واشنطن لأمريكا اللاتينية ’بيان حول العنف الممارس ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في المكسيك)
www.wola.org/2017/09/wolas-statement-violence-journalists-human-rights-defenders-mexico/