مبادرة نانسن: التوصل لتوافق آراء بشأن النُّزوح في سياق الكوارث

على مدار ما يناهز الثلاث سنوات، حددت عملية مبادرة نانسن الاستشارية مجموعة أدوات خيارات السياسة المحتملة المعنية بالتصدي لتحديات التَّهجير العابر للحدود والاستعداد لها والاستجابة لها في أوقات الكوارث بما فيها آثار تغير المناخ.

على مدار ما يناهز الثلاث سنوات، حددت عملية مبادرة نانسن الاستشارية مجموعة أدوات خيارات السياسة المحتملة المعنية بالتصدي لتحديات التَّهجير العابر للحدود والاستعداد لها والاستجابة لها في أوقات الكوارث بما فيها آثار تغير المناخ.

أُطلقت مبادرة نانسن في البداية من قبل حكومتي سويسرا والنرويج في أكتوبر/تشرين الأول 2012 لإدراكهما بأنه لا ضمانات تؤكد الاعتراف بمن أجبرتهم الكوارث على الفرار عبر الحدود الدولية وتثبت حصولهم على المساعدات في ضوء القانون الدولي القائم إذا تجاوزنا عن إيجاد حلول دائمة لتهجيرهم. ويولد هذا التَّهجير مشاكل حماية قانونية وتحديات عملية ومؤسسية وتمويلية نظرًا لعدم وجود منظمة دولية ذات تفويض واضح بتولي مشاكل هؤلاء الأشخاص.

ومع ذلك، أثناء عملية مبادرة نانسن الاستشارية مع الدول والمجتمع المدني والأكاديميين والمنظمات الدولية والمجتمعات المحلية المتضررة، سرعان ما اتضح أنَّ لإتباع نهج شامل يعالج هذا الموضوع يجب تفحص آليات منع التَّهجير، مثل: الانتقال وفقًا لخطة مدروسة أو الهجرة الطوعية والمنتظمة لتجنب الوصول لمرحلة يصبح فيها التَّهجير بجميع آثاره السلبية أمر حتمي، بجانب السعي لتحقيق حماية أفضل ووضع حلول دائمة للنازحين داخليًا أيضاً. وقد أبرزت المشاورات كذلك طبيعة التَّهجير من حيث كونه متعدد الأسباب وخاصة في أعقاب المخاطر بطيئة الحدوث والآثار التدريجية الأخرى المرتبطة بتغير المناخ وركزت أيضاً على أنَّ تحركات السكان تلك قد تحدث في سياق الكوارث والتغيرات المناخية إلا أنَّها ليست الأسباب الحصرية لهذه التحركات.

التوصل لتوافق آراء

الغاية الأساسية وراء مبادرة نانسن التوصل لتوافق أراء بين الدول المتضررة بشأن كيفية تحقيق الاستجابة المناسبة لتحدي التَّهجير العابر للحدود في سياق الكوارث ومن ذلك الآثار السيئة الناتجة غن تغير المناخ. وسعيًا وراء هذه الغاية، عُقدت مشاورات حكومية دولية في ضيافة أعضاء الفريق التوجيهي لمبادرة نانسن[i] في خمس مناطق فرعية (منطقة المحيط الهادئ وأمريكا الوسطى والقرن الإفريقي العظيم وجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا) إضافة إلى الاجتماعات المنفصلة التي جرت مع المجتمع المدني في المناطق ذاتها. وقد أكدت هذه المشاورات على تنوع العوامل المؤدية للتَّهجير العابر للحدود ووضوحها وعلى طبيعة التنقل البشري بشكل عام ضمن سياقات التَّهجير. وعلاوة على ذلك، سلطت المشاورات الضوء على الطبيعة الإقليمية لهذه التحركات وعلى العمليات الكثيرة الجارية في إطار الاستجابة للتَّهجير في أوقات الكوارث.

والتَّهجير في سياق الكوارث، بما فيه التهجير العابر للحدود الدولية، إما حقيقة فعلية في أجزاء كثيرة من العالم أو من المرجح زيادته أو حدوثه نظرًا لاحتمالية أن يزيد تغير المناخ حجم الكوارث ومعدل وقوعها. وقد أكدت المشاورات على المسؤولية الأساسية على عاتق الدول تجاه منع التَّهجير إن استطاعت ومسؤوليتها تجاه حماية المُهجَّرين وإيجاد حلولًا دائمة لتهجيرهم إن لم تستطع منعه. وشددت المشاورات أيضاً على أنَّ الآليات والقوانين والسياسات الدولية والإقليمية القائمة لا تعالج كما ينبغي تحدي التَّهجير العابر للحدود في سياق الكوارث فضلًا عن اعترافها بالحاجة لتحسين الاستجابات.

وعمومًا، ولّدت المبادرة اهتمامًا قويًا لأنها توفر مكانًا لمناقشة ما يجب فعله للاستعداد استعدادًا مناسبًا لهذا النوع من التَّهجير والاستجابة له عن طريق جمع أصحاب المصلحة المعنيين بالعمل الإنساني وحماية حقوق الإنسان وإدارة الهجرة والحد من مخاطر الكوارث والتكيف مع تغير المناخ وحماية اللاجئين والتنمية. وعلى وجه الخصوص، أكدت العملية الاستشارية على أهمية دور المنظمات الإقليمية ودون الإقليمية في إكمال الجهود الوطنية لإيجاد حلول لهذا التحدي بالبناء على القوانين والآليات القائمة وتعزيزها.

الأدوات وما وراءها

حددت المبادرة مجموعة واسعة من إجراءات الحماية والهجرة للمتضررين من الكوارث. ومن أمثلة ذلك إصدار تأشيرات إنسانية وتوفير أماكن إقامة للمرّحلين ومنح صفة لاجئ في الحالات الاستثنائية وتخصيص إجراءات ثنائية أو إقليمية فيما يخص حرية تحرك الأشخاص وسرعة تفعيل قنوات الهجرة أو إصدار تصاريح العمل. وحددت المشاورات أيضًا الحاجة لمراجعة إمكانية تطبيق الاتفاقيات الإقليمية القائمة لمعالجة التَّهجير العابر للحدود في سياقات الكوارث أو مراعاة وضع إجراءات حماية مؤقتة وتصريحات دخول للبلاد وإذون إقامة كجزء من الحلول الدائمة إذا ما غابت الاتفاقيات المناسبة.

و شددت المشاورات أيضاً على الحاجة لوجود "مجموعة أدوات" خيارات السياسة تتجاوز حماية المهجَّرين وتعالج أشكال التنقل البشري الأخرى من خلال - على سبيل المثال - مساعدة الناس على تجنب أن يصبحوا مهجَّرين عن طريق الانتقال داخليًا أو عبر الحدود مثلًا متى أمكن بأساليب منتظمة أو مدروسة قبل حدوث عملية التهجير.

وعلى سبيل المثال، نشاطات الحد من مخاطر الكوارث والتكيف مع تغير المناخ وتمارين التخطيط للطوارئ وتحسينات البنية التحتية ونقل المعرضين لمخاطر التهجير إلى مناطق أكثر أمانًا واستصلاح الأراضي وغيرها من إجراءات تحسين القدرة على مقاومة الظروف جميعها ممارسات محتملة لمساعدة الناس على البقاء في ديارهم لأطول وقت ممكن. وتناولت المشاورات أيضاً ضمان تنفيذ الأطر القانونية والسياسية القائمة المعنية بالأشخاص النازحين داخليًا تنفيذًا كاملًا بوصفها وسيلة لتحسين الاستجابة الشاملة للتَّهجير المرتبط بالكوارث. وأخيراً، في سياق الكوارث الطبيعية بطيئة الحدوث والآثار الناتجة عن تغير المناخ خاصة، قد تُمثل الهجرة الطوعية إلى جزء آخر في البلاد أو إلى دولة أخرى - إن أمكن - فرصة لإيجاد عمل وتقليص مخاطر التهجير في أوقات الأزمات الإنسانية.

النتائج الرئيسية للمشاورات الإقليمية

في ختام كل مشورة إقليمية، برزت مجموعة من المواضيع العالمية الرئيسية. لكن كل إقليم حدد أولوياته للاستجابة إلى التحديات الخاصة به. وتقارير المشاورات متاحة على الموقع الإلكتروني www2.nanseninitiative.org/#consultations وقد استوحت كثير من مقالات هذا العدد من نشرة الهجرة القسرية إما من التقارير المعدة في المرحلة التمهيدية أو من التقارير الناتجة عن المشاورات الإقليمية.

 

تأطير الرسائل وصياغتها

ستتاح فرص كثيرة أثناء عام 2015 وعام 2016 لتفعيل توصيات مبادرة نانسن ونتائجها ضمن العمليات العالمية والإقليمية التي تعالج القضايا اللازمة للاستجابة الشاملة للتَّهجير العابر للحدود في سياق الكوارث. وعلى الصعيد العالمي، دعّمت نتائج المبادرة الإدراج البارز لقضية التَّهجير بسبب الكوارث سواء داخليًا أم عبر الحدود في إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث: 2015-2030. وكان للمبادرة أيضاً نصيب في المحادثات المتعلقة بمفاوضات اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ وشاركت بفاعلية في العملية الاستشارية الخاصة بالقمة العالمية للعمل الإنساني لعام 2016. أما على الصعيد الإقليمي، استخدمت الدول نتائج المشاورات في الذكرى الثلاثين لإعلان برازيليا الذي عقد في قرطاجنة في ديسمبر/كانون الأول 2014 وخطة العمل، وفي إستراتيجية التنمية للتكيف مع المنـاخ ومواجهة الكوارث في منطقة المحيط الهادئ، وفي ورشة عمل المؤتمر الإقليمي المعني بالهجرة (عملية بويبلا) الذي عقد في فبراير/شباط 2015، حيث ناقشت الدول الأعضاء من أمريكا الوسطى والشمالية الممارسات الفعَّالة للاستفادة من آليات الحماية الإنسانية في سياقات الكوارث.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، ستجتمع الدول في جنيف لوضع "جدول الأعمال بشأن الحماية" المعني بالتَّهجير العابر للحدود في سياق الكوارث وتغير المناخ لتحديد الممارسات الفعَّالة وتعيين مناطق العمل المستقبلية على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. [i] ولن يقترح جدول الأعمال بشأن الحماية وضع قانون دولي جديد ولكنّه سيدرج مجموعة من التفاهمات الشائعة للقضية وأبعادها والتَّحديات التي يواجهها أصحاب المصلحة المعنيين. وسيجدد جدول الأعمال أيضاً المبادئ الرئيسية وسيكررها في مناطق الحماية والتعاون الدولي والإقليمي وسيقدم أمثلة للممارسات والأدوات القائمة للحول دون النزوح الداخلي عمومًا والتَّهجير العابر للحدود خصوصًا في سياقات الكوارث والاستعداد لهما والاستجابة لهما. وأخيراً، سيتضمن جدول الأعمال توصيات ترشد إلى طريق المتابعة المستقبلي عند انتهاء مبادرة نانسن في ديسمبر/كانون الأول 2015.

وحتى الآن، تجري أعمال مبادرة نانسن خارج نظام الأمم المتحدة. بيد أن الوقت حان لإرجاع قضايا التَّهجير العابر للحدود في سياق الكوارث وتغير المناخ لجدول أعمال الأمم المتحدة. ويستلزم ذلك التوصل إلى ترتيب مؤسسي يحتضن الموضوع وأن تبادر الدول بتبني خطة عملها الخاصة بجدول أعمال الحماية.

والتر كالين kaelin@nanseninitiative.org مبعوث رئاسة مبادرة نانسن. www.nanseninitiative.org

 


[i]  مسودة جدول أعمال الحماية متاح على الرابط التالي www2.nanseninitiative.org/global-consultations/


[i] يضم الفريق التوجيهي ممثلين من أستراليا وبنغلاديش وكوستاريكا وألمانيا وكينيا والمكسيك والنرويج والفلبين وسويسرا ومفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين والمنظمة الدولية للهجرة بوصفهم المدعون الدائمون.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.