- May 2024
تُساهم الفراغات التنظيمية في الإقصاء الهيكلي للأشخاص النازحين قسرًا الباحثين عن عمل على منصات العمل الرقمية. وحتى في الحالات التي يمكن فيها التغلب على هذه المشاكل، لا يزال هناك تساؤلات حول جدوى هذه المنصات باعتبارها مسارًا نحو التمكين الاقتصادي.
برزت منصات العمل الرقمية بصورةٍ متزايدة في سوق العمل العالمي على مدى العقد الماضي. ويوجد الآن أكثر من 700 منصة عمل رقمية فريدة، مما يوفر فرصًا لما يُقدّر بنحو 50 إلى 150 مليون عامل(ة) على مستوى العالم.
تتميز منصات العمل الرقمية بانخفاض الحواجز أمام الاشتراك فيها، حيث تربط العملاء الذين يحتاجون إلى هذه الخدمة مباشرةً بالعمال القادرين على توفيرها، وتنظّم العمل بشكل غير رسمي ومُجزأ ومؤقت. ويمكن أن توفر هذه الصيغة فرصًا للعمال غير القادرين على تأمين عمل مستقر وطويل الأجل.
تتبنى الحكومات من حول العالم العمالة الرقمية كجزء من استراتيجيتها للتنمية الاقتصادية، مع التركيز على قدرتها على تعزيز النمو وإبراز منصات العمل الرقمية في خططها التنموية وأطرها السياسية. وتشمل هذه الخطط على نحو متزايد الأشخاص النازحين قسرًا باعتبار أنه يمكنهم الاستفادة من التوسع في العمل القائم على المنصات. وقد أدى ذلك إلى التقاء البنى التحتية التنموية والإنسانية، مع عمل جهات فاعلة مثل الأمم المتحدة (UN) والبنك الدولي (World Bank) ومؤسسة روكفلر (Rockefeller Foundation) على تعزيز منصات العمل الرقمية للأشخاص النازحين لتخفيف الضغط الاقتصادي على الاقتصادات المضيفة وأنظمة الدعم الإنساني، والسماح للاجئين بكسب لقمة العيش والاندماج في اقتصادات البلدان المضيفة وتعزيز الاعتماد على الذات.
تُعدّ المبادرات الرامية إلى إدماج النازحين في الاقتصاد الرقمي استجابةً للقيود التي تواجهها هذه المجموعات في الوصول إلى فرص العمل والفرص المدرّة للدخل. وعلى الرغم الإقرار بحق اللاجئين في العمل في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR)، يتم تقييد هذا الحق في العديد من البلدان المضيفة من الناحية العملية. فيؤدي الإقصاء من بعض المجالات، والممارسات التمييزية، والمتطلبات المتعلقة بتصاريح العمل، والسياسات المُقيدّة للتنقل إلى منع اللاجئين من إيجاد عمل. ويتعرض اللاجئون في المخيمات لقيودٍ إضافية ذات صلة بالموقع الجغرافي والموارد المحدودة. وفي ظل التحديات المستمرة في سوق العمل، توفر منصات العمل الرقمية فرصًا للإدماج الاقتصادي للنازحين الذين يواجهون حواجز هيكلية وعملية أمام ممارسة حقهم في العمل.
إلا أن هذا النموذج قد يكون غير مستدام، حيث ترتبط منصات العمل الرقمية بأشكال العمل غير القياسية وغير الرسمية وغير المنظمة في ظل النقص المستمر في فرص العمل اللائق. وقد تؤدي منصات العمل الرقمية إلى تفاقم انعدام المساواة الاجتماعية والانقسامات الاقتصادية الحالية، مما يضاعف من احتكاكات السوق التي تؤدي إلى نتائج أدنى بالنسبة للفئات المحرومة أساسًا. يحذّر النقّاد من أنه وعلى الرغم من أن هذه المنصات يمكن أن توفر الفرص، تحقق ذلك من خلال الاستفادة من “عرض العمالة المهاجرة المتاح بسهولة لتلبية الطلب في السوق، […] منتزعةً القيمة الإضافية من خلال الحفاظ على انخفاض تكاليف العمالة وتوفير حماية محدودة للعمالة”.
تُشكل القضايا المتعلقة 1) بالوصول والبنية التحتية و2) بالوضع الوظيفي والحقوق من أكبر التحديات الهيكلية التي تؤثر على العمال في اقتصاد المنصات. ستتناول هذه المقالة كيف تولّد هذه التحديات مخاطر للنازحين قسرًا المنخرطين في العمل عبر المنصات، كما تسلط الضوء على المبادرات الحالية التي تعالج هذه الحواجز وتقترح الممارسات الجيدة للأشخاص العاملين مع السكان النازحين في مجال اقتصاد المنصات.
إنّ التحديات المتعلقة بالعمل على منصات العمل الرقمية متعددة الجوانب. ومن الضروري معالجة آثارها على مسائل جودة العمل والاندماج الاقتصادي وسبل العيش لكي يستفيد النازحون منها. يمكن أن يساعد فهم طبيعة هذه التحديات المدافعين والمنظمات على خدمة هذه المجموعات بشكلٍ أفضل وتسهيل وصولهم إلى الفرص المتاحة من خلال الوسائط الرقمية.
إمكانية الوصول والبنية التحتية
ترتبط الحواجز الأكثر انتشارًا في الاقتصاد الرقمي والتي تؤثر على النازحين قسرًا بالمتطلبات الإقصائية المتعلقة بالاعتراف الرسمي بالهوية، مما يولّد تحدياتٍ مرتبطة بالوصول إلى الخدمات المالية والاتصال الرقمي وأدوات العمل.
من أجل الوصول إلى فرص العمل على منصات العمل الرقمية، تطلب المنصات عادةً التحقق من هوية العمال من خلال تقديم وثائق صادرة عن الحكومة. إلا أنه وفي الكثير من الحالات، قد لا يتمكن النازحون قسرًا من الوصول إلى وثائق الاعتماد مثل بطاقات الهوية الوطنية وجوازات السفر. ومن الشائع أن يفتقر النازحون قسرًا إلى مثل هذه الوثائق إما لأنهم لم يحصلوا عليها أبدًا أو لأنهم فقدوها أو تمت مصادرتها أو إتلافها أثناء النزوح. بالإضافة إلى ذلك، قد يُمنع العمال القادمون من البلدان الخاضعة للعقوبات من الوصول إلى منصات العمل الرقمية. وفي حالاتٍ مثل سوريا، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقصاء الملايين من اقتصاد المنصات.
غالبًا ما لا تتيح بطاقات هوية اللاجئين المقدمة عند التسجيل في الدول المضيفة مستوى الوصول نفسه إلى فرص العمل والخدمات التي توفرها بطاقات الهوية القياسية، وعادةً ما تكون مؤقتة. فقد تم تجميد حسابات بعض العمال عبر المنصات بعد انتهاء صلاحية هوياتهم.
تشكّل وثائق الهوية أيضًا شرطًا مسبقًا للوصول إلى البنى التحتية المالية، وهي ضرورية للمشاركة في العمل عبر المنصات. تتطلب كل من البنوك الرسمية وبرامج الدفع عبر الهاتف المحمول وجود وثائق هوية من أجل فتح الحسابات. وهذا أمر مهم لأن العاملين عبر المنصات سيحتاجون إلى حساب مالي مصادَق عليه للتمكّن من تلقي الدفعات من المنصات. يعيش نصف اللاجئين في العالم في بلدانٍ مضيفة تقيّد قدرتهم على فتح الحسابات المصرفية، مما يفرض الحواجز أمام فرص كسب العيش.
تطرح المشاكل في التوثيق عوائق أمام قدرات العمال على الوصول إلى البنى التحتية الرقمية. ويؤدي تسجيل بطاقة SIM إلى تحديات فريدة في القدرة الوصول أمام السكان النازحين. وتفرض الحكومات لوائح متزايدة تطلب من المستخدمين تقديم بطاقات هوية قانونية لشراء بطاقات SIM. ففي عام 2021، سنّت 157 دولة لوائح إلزامية تنطبق على تسجيل بطاقات SIM، وذكر اللاجئون أن متطلبات تعريف الهوية تشكّل عائقًا كبيرًا أمام الاتصال الرقمي.
المبادرات الرامية إلى تحسين الوصول إلى منصات العمل الرقمية
عند نقطة الترابط بين العمل الإنساني والعمل التنموي والمنصات، نجد أمثلةً عن الممارسات والبرامج التي تحاول التخفيف من التحديات المتعلقة بالوصول إلى منصات العمل الرقمية من خلال مساعدة العمال على تجاوُز الحواجز التي تحول دون الدخول وتوفير البنية التحتية اللازمة. وقامت بعض المنصات ببناء طرق منخفضة التقنية للسماح للعمال بالوصول إلى المنصات، بما في ذلك أماكن الصرافة النقدية والتسجيل الحضوري على المنصات. وفي حين توفر هذه التدابير طرقًا للتغلب على العوائق التي تحول دون الإدماج، ليست حلولًا دائمةً وقد تحدّ من النمو على المدى الطويل والقدرة على العمل على نطاقٍ واسع.
تشكّل تكلفة الأدوات الرقمية مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية عائقًا كبيرًا آخر أمام اللاجئين في الاقتصاد الرقمي. وتحاول بعض البرامج المتمحورة حول اللاجئين التخفيف من هذه الحواجز من خلال تسهيل الوصول إلى فرص العمل عبر المنصات وتوفير البنية التحتية اللازمة. فعلى سبيل المثال، تم إنشاء مبادرة توظيف اللاجئين ومهاراتهم (RESI)، وهي عبارة عن برنامج موّله المجلس النرويجي للاجئين (Norwegian Refugee Council) ومركز التجارة الدولية (International Trade Centre) في عام 1997 وبدأت بتقديم الخدمات في عام 1998 وتعمل من مخيمَي داداب وكاكوما في كينيا. توفر مبادرة توظيف اللاجئين ومهاراتهم (RESI) للمشاركين في البرنامج أجهزة كمبيوتر محمولة وخدمة إنترنت عالية السرعة ومساحات عمل مشتركة، بالإضافة إلى التدريب على المهارات الرقمية المتعلقة بالعمل عبر الإنترنت. وتفاوضت مبادرة توظيف اللاجئين ومهاراتهم (RESI) أيضًا على اتفاقياتٍ مباشرة مع منصات العمل الرقمية، مما أدى إلى قبولها لبطاقات هوية الأجانب التي يُشاع استخدامها من قبل اللاجئين للتسجيل على المنصة. مكنّت هذه المفاوضات 250 مشاركًا في البرنامج من المخيّمَين من بدء العمل على المنصات، ولكنها لم تغطي انتهاء صلاحية هذه الوثائق في نهاية المطاف. ولاحظ الموظفون وجود حواجز أكبر تتعلق باستمرار تمويل البرنامج، واستعداد المشاركين لتحمّل المخاطر المرتبطة بالعمل على المنصة وقدرتهم على مواصلة العمل بشكلٍ مستقل عن دعم البرنامج.
تسلّط هذه المسائل الضوء على الحاجة إلى التنسيق والحوار بين المنصات والحكومات والجهات الفاعلة في مجال التنمية لوضع سياسات تعكس تجارب النازحين والقيود المفروضة على البنى التحتية لمساعدة اللاجئين. فستسمح السياسات التي تسهّل وصول النازحين قسرًا إلى الخدمات من دون انقطاع بالمشاركة الفعّالة في فرص كسب الدخل في اقتصاد المنصات.
الوضع الوظيفي والحقوق
لا يندمج العمل الرقمي عبر المنصات بشكلٍ جيد ضمن المؤسسات الاجتماعية والأطر التنظيمية القائمة في الوقت الحالي، مما يترك العمال من دون التغطية الكافية من حيث معايير التوظيف والمنافع الاجتماعية والتشريعات ذات الصلة بحقوق العمال. ويعود ذلك إلى حدٍّ كبير إلى تصنيف العمال على أنهم “يعملون لحسابهم الخاص” أو “مقاولون” أو “رواد أعمال”، ما يحمل تداعياتٍ على إحقاق الحقوق الأساسية. تُعدّ مسألة ما إذا كان العمال عبر المنصات يعملون لحسابهم الخاص حقًا مسألة نقاش مستفيض.
فلا تمنح معظم الولايات القضائية حقوق العمل والحقوق المتعلقة بالتوظيف إلا للموظفين الرسميين. ونتيجة اعتبار أن العمال عبر المنصة يعملون لحسابهم الخاص، يعاني هؤلاء من قصور في العمل اللائق وغياب العديد من الحقوق الأساسية في العمل، مثل الاستقرار والأمن الوظيفي، وتكافؤ الفرص والمعاملة، وبيئات العمل الآمنة، والضمان الاجتماعي والحقفي التنظيم والمفاوضة الجماعية.
يتفاقم تعقيد هذه القضايا بالنسبة للنازحين الذين قد يواجهون الإقصاء القانوني والتمييز في البلدان المضيفة، مما يشكل تحدياتٍ إضافية أمام إحقاق حقوقهم في اقتصاد المنصات. وتفيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بأن 70% من اللاجئين يعيشون في بلدان تُقيد حقهم في العمل.
يُعدّ غياب الوضوح حول الوضع الوظيفي وحقوق العمل الخاصة بالعمال عبر المنصات مسألةً تفيد النازحين قسرًا وتقيّدهم في الوقت نفسه. فقد يؤدي الفراغ التنظيمي في الواقع إلى توسيع الفرص للنازحين لأنهم إذا لم يتمكنوا من الحصول على تصاريح عمل في البلدان المضيفة، قد يدخلون إلى اقتصاد المنصات غير الرسمي وغير المنظم. ومارست بعض المنصات الضغط بنشاط ضد التنظيم وإضفاء الطابع الرسمي على أساس أن “إعادة تصنيف العمالة عبر المنصات على أنها توظيف من شأنه أن يجعل من الصعب، وفي بعض الحالات من المستحيل، على اللاجئين الوصول إلى هذا النوع من العمل”.
من جهةٍ أخرى، يحذّر المدافعون من مخاطر هذا النهج وآثاره على العمال المعرضين للخطر. فعندما يكون الوصول إلى ترتيبات العمل الرسمية اللائقة محدودًا، من المرجح أن يقبل النازحون قسرًا بالترتيبات غير الرسمية وغير المستقرة والخطرة لأجل إعالة أنفسهم وأسرهم، علمًا أن العمال غير الرسميين أكثر عرضةً للصدمات مثل حالات الطوارئ الطبية والانكماش الاقتصادي وتقلبات السوق.
وفي غياب التنظيم المنهجي، تستخدم منصات العمل الرقمية اتفاقيات شروط الخدمة مع العمال لتنظيم ظروف العمل. وتحتفظ المنصات بالحق بإيقاف حسابات العمال وفرض العقوبات عليهموفق رغبتها الخاصة مع توفير آليات محدودة للطعن في هذه القرارات. وتؤدي التهديدات بإيقاف الحسابات والطبيعة المبهمة المحيطة بإدارة المنصة إلى إنشاء اختلال في توازن القوى. ويترك ذلكالعمال في حيرةٍ حول الطريقة الفضلى للتعامل في المنصات ويجبرهم في الكثير من الأحيان على القبول بظروف عمل غير عادلة أو غير آمنة. وبالتالي، يسود النقص في العمل اللائق في اقتصاد المنصات وتتفاقم المخاطر التي يتعرض لها العمال عبر المنصات بسبب غياب الحماية القانونية التي تضمن حقوقهم الأساسية.
المبادرات الرامية إلى تعزيز العمل اللائق في اقتصاد المنصات الرقمية
تُعدّ مسألة كيفية تعزيز العمل اللائق في اقتصاد المنصات موضوع نقاش مستمر بين أصحاب المصلحة. ويوجد في الغالب نهجان، وهما: إضفاء الطابع الرسمي على العمل عبر المنصات، والتنظيم الطوعي ومؤسسات التأثير الاجتماعي.
تستخدم بعض الولايات القضائية هياكل تصنيف جديدة لتنظيم العمل الذي لا يمكن تصنيفه بسهولةعلى أنه وظيفة أو ريادة أعمال. ونجحت في المملكة المتحدة نقابة السائقين المحترفين (GMB) في متابعة مطالبات إعادة التصنيف نيابةً عن 30 ألف سائق يعمل عبر المنصات بحجة أن المجموعة تنتمي بالفعل إلى فئة “العمال” ضمن قانون العمل في المملكة المتحدة. وقد سمح تمتُّع هؤلاء السائقين بهذا التصنيف بمنحهم إمكانية الوصول إلى شروط التوظيف الأساسية (مثل الحد الأدنى للأجور وفترات الراحة المضمونة والإجازات المدفوعة).
إلا أن هذه الفئة لا تمنح الحماية ضد الفصل الجائر ولا تضمن الحق في العمل، مما يشكّل مخاطر إضافية على العمال. وردت تقارير عن حصول ما يزيد عن 66 عملية اعتقال وعشر عمليات ترحيل في المملكة المتحدة لسائقين يعملون عبر المنصات“عُثر على أنهم يعملون بشكلٍ غير قانوني”. وفي حين ادّعت المنصات أنها تتحقق من كل سائق من حيث حقه في العمل، كان هؤلاء العمال لا يزالون في وضع محفوف بالمخاطر بسبب الغموض القانوني الذي يحيط بعمل عبر المنصات.
وعندما يتعلق الأمر بإضفاء الطابع الرسمي، بدلًا من الاعتماد على الثغرات القانونية لتضمين العمال النازحين، يجب أن تركّز التدخلات على دمج منصات العمل الرقمية في لوائح توفر الحقوق الأساسية لجميع العمال بمن فيهم اللاجئين. ولدى هذا النهج إمكانية إضفاء الطابع الرسميعلى الأعمال التي تتم عبر المنصات، وإمكانية تسهيل الإدماج القانوني والاجتماعي والاقتصادي للنازحين قسرًا إذا تم إنفاذ اللوائح.
اتخذت شركات فردية تدابير طوعية لمعالجة المسائل المتعلقة بالوضع الوظيفي والقصور في العمل اللائق في اقتصاد المنصات. وعلى وجه التحديد، طورّت بعض المنصات نماذج أعمال تحسّن الأجور، والتوازن بين العمل والحياة الشخصية، وتطوير المهارات، وانعدام التوازن في القوى بين مشغلي المنصات والعمال. وتسعى “منصات التأثير الاجتماعي” هذه إلى توفير ظروف أفضل بصرف النظر عن الوضع الوظيفي، حيث يستهدف العديد منها العمال النازحين والمهمشين تحديدًا.
ومن الأمثلة على ذلك منصة «الأسود الرقمية» (Digital Lions)، وهي “وكالة رقمية للتجارة العادلة” معتمدة لدى المنظمة العالمية للتجارة العادلة (World Fair Trade Organization) التي تقدم خدمات تطوير الويب والتصميم الجرافيكي والفيديو والرسوم المتحركة. وتعزز هذه المنصة “الوظائف المستدامة” من خلال تنفيذ معايير العمل اللائق مثل الأجر العادل، وعدم التمييز، والمساواة بين الجنسين، وظروف العمل الجيدة، وتهدف صراحةً إلى توظيف العمال من المجتمعات المحرومة.
تشمل المنصات الأخرى المراعيةللمجتمع منصة «البشر المطلّعون» (Humans In The Loop) التي تعمل مع مجتمعات النازحين في تركيا والعراق وسوريا لأعمال مثل التعليقات التوضيحية وبيانات تدريب الذكاء الاصطناعي. تعاقدت في عام 2019 مع 167 عاملًا، وتتميز بهدفها الصريح المتمثل في توفير ظروف عمل عادلة. استخدمت منصة «البشر المطّلعون» (Humans in the Loop) خبرتها في دعم العمال ذوي الخلفيات اللاجئة لوضع سياسة عمل عادلة يمكن تكييفها من قبل منصات أخرى. وتشمل بعض التزاماتها تجاه العمال تقديم التدريب مدفوع الأجر، وتوفير أجور بمستويات تستوفي المعايير الوطنية أو تتجاوزها، وتوفير التأمين الصحي والتأمين ضد الحوادث.
الخاتمة
تُظهر الأبحاث أن منصات العمل الرقمية تمثّل فرصًا ومخاطر على السواء للعمال، ويمكن أن تتفاقم المخاطر الحالية بالنسبة للنازحين قسرًا. ويتطلب تسخير إمكانات تكنولوجيات المنصات حلولًا سياسيةً قويةً لمعالجة التحديات المرتبطة بالوصول إلى فرص العمل وبالوضع الوظيفي، وتطوير البرامج والموارد التي تهدف إلى بناء قدرة العمال على التعامل بفعالية مع أسواق العمل عبر الإنترنت.
وتركّز المنظمات الإنسانية والتنموية العاملة في مجال المنصات عادةً على مسائل الإدماج وتخفيف الحواجز أمام دخول العمال النازحين. وإنه لمن الصعب معالجة الحواجز الهيكلية وظروف العمل غير المستقرة ونقص الحماية لأن هذه المنظمات تفتقر إلى القدرة على تشكيل السياسات والتأثير على أصحاب المصلحة.
وإذا كانت صيغة العمل هذه ستصبح جزءًا من الحل الرامي إلى تحقيق الإدماج الاقتصادي للنازحين، فمن الضروري تعزيز بيئة مواتية لدعم الإحقاق الفعال لحقوق العمال. ويتطلب ضمان أن توفّر المنصات فرص عمل لائقة تمتُّع جميع العمال، بمن فيهم النازحين قسرًا، بحقوقهم الأساسية وأن يتمكنوا من ممارسة هذه الحقوق بصرف النظر عن وضع اللجوء أو التصنيف الوظيفي.
ويُعدّ تحقيق التنظيم وإضفاء الطابع الرسمي والحوار الاجتماعي من العوامل الجوهرية والممكنة في هذا الصدد، إلا أنها لن تكون فعّالةً إلا إذا شارك النازحون قسرًا بنشاط فيها، وإذا تم تصميم السياسات لتعكس الحواجز التي يواجهونها، وسدّ الفجوات الهيكلية التي تزيد من عرضتهم للخطر في اقتصاد العربة.
كاثرين ماكدونالد (Kathryn MacDonald)
استشارية مستقلة
kthryn.mcdnld@gmail.com