من مبادئ نانسن إلى مبادرة نانسن

تهدف مبادرة نانسن التي أُطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2012 إلى بناء إجماع للرأي بين الدول حول أفضل السبل للتعامل مع النزوح عبر الحدود في سياق الكوارث المفاجئة وبطيئة الوقوع.

من بين الفاعلين الإنسانيين وأساتذة القانون الدولي، يُذكر فريدتجوف نانسن بشكل أساسي كأول مفوض سامٍ للاجئين الذي قدم برنامجاً باسم "جواز سفر نانسن" الذي منح درجة من الحماية الدولية لأعداد كبيرة من اللاجئين غير الحاملين لأي وثائق. وهو معروف على المستوى العام بأنه المستكشف القطبي الناجح. وخلال إحدى رحلاته الاستكشافية الجريئة التي استمرت بين سبتمبر/أيلول 1893 إلى أغسطس/آب 1896، أبحر نانسن بسفينته "فرام" عبر الجليد الطافي بعيداً عن سيبريا وهو على ثقة بأن التيار القوي الحامل للثلج القطبي إلى الاتجاه الغربي سيساعده في عبور المنطقة القطبية، ولم تخب فراسته. وزودت رحلته الاستكشافية العلم بالمعرفة الجديدة المهمة حول علم البحار وعلم الأرصاد الجوية، كما ساهمت بشكل كبير في فهم الحركة المناخية في واحدة من أكثر البيئات صعوبة حول العالم. وأصبح نانسن أيضاً دبلوماسياً ضليعاً وناجحاً وقادراً على ترجمة المبادئ الإنسانية إلى أفعال على أرض الواقع وإقناع الأخرين بالانضمام إليه.

هذا التراث الفريد للإنسانية والدراسات البيئية والدبلوماسية ألهمت الاسم ليس لمبادئ نانسن فحسب وإنما أيضاً مبادرة نانسن التي أطلقتها النرويج وسويسرا في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2012.

مبادئ نانسن

تعكس مبادئ نانسن العشرة، مع أنها لم ـُتبنَّى رسمياً، نتائج "مؤتمر نانسن حول التغيرات المناخية والنزوح في القرن الحادي والعشرين" الذي استضافته حكومة النرويج في أوسلو في يونيو/حزيران 2011[1]. وتتضمن المبادئ مجموعة شاملة من التوصيات "لتوجيه الاستجابات لبعض التحديات العاجلة والمعقّدة التي يثيرها النزوح في سياق التغيرات المناخية والأخطار البيئية الأخرى" (الديباجة). ويلقي المبدأ الأول الضوء على الحاجة لقاعدة معرفية سليمة للتجاوب مع النزوح المناخي والمتعلق بالبيئة في حين تحدد المبادئ من 1 إلى 5 الأدوار والمسؤوليات الملقاة على عاتق أصحاب المصلحة المعنيين، ووفقاً للقانون الدولي بشكل عام، فإن تلك المبادئ تستذكر أن على الدول تحمل المسؤولية الأساسية عن حماية السكان المتأثرين بالتغيرات المناخية وغيرها من الأخطار البيئية، بما فيها المجتمعات النازحة والمضيفة ومن يواجهون خطر النزوح. لكنها تؤكد في الوقت نفسه على أنَّ التحديات الناتجة عن التغيرات المناخية، بما فيها التحديات المرتبطة بالانتقال البشري، لا يمكن تناولها بصورة فاعلة دون قيادة وتضمين الحكومات والمجتمعات المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص. وحيثما تكون الإمكانيات الوطنية محدودة ستظهر الحاجة لأطر العمل الإقليمية والتعاون الدولي للمساعدة في منع النزوح ومساعدة وحماية المجتمعات المتضررة جراء هذا النزوح وإيجاد الحلول المستدامة. وفي هذا السياق، من المهم بصورة خاصة دعم المنع وبناء القدرةعلى مواجهة الظروف وفقاً للمبادئ الواردة في إطار عمل هيوغو[2] (المبدأ الخامس) وبناء القدرات المحلية والوطنية للاستعداد للكوارث والاستجابة لها (المبدأ السادس).

وتؤكد مبادئ نانسن على التوصية باستخدام المعايير الحالية للقانون الدولي والتصدي للفجوات المعيارية (المبدأ السابع). وعلى الرغم من أنَّ المعايير التوجيهية حول النزوح الداخلي تخص النازحين داخل بلادهم، فإنها تقدم "إطار عمل قانوني سليماً"، ولن يكون تنفيذه ممكناً دون وجود القوانين الوطنية والسياسات والمؤسسات الكافية (المبدأ الثامن). وفي الوقت نفسه، تقرّ المبادئ بوجود الفجوة المعيارية الخاصة بحماية الأشخاص النازحين عبر الحدود الدولية نتيجة للكوارث المفاجئة، وتقترح كذلك أن تُنشئ الدول العاملة مع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إطار عمل أو صك إرشادي  (المبدأ التاسع). أما المبدأ الأخير فيعيد التأكيد على أن ضرورة تنفيذ جميع "السياسات والاستجابات، بما فيها إعادة النقل المنظّم على أساس المساواة والتراضي والتمكين والمشاركة والشراكات مع من تضرروا بصورة مباشرة، مع المراعاة اللازمة للجوانب المتعلقة بالعمر والجنس والتنوع "، مع وضع أصوات النازحين أو المهددين بالنزوح في الاعتبار (المبدأ العاشر).

على جدول الأعمال الدولي

لا تعد مبادئ نانسن صكاً قانونياً ناعماً، بل إنها تبرز إطار عمل السياسات في العديد من المواضع من أجل التعامل مع النزوح الناجم عن الكوارث من خلال تحديد الفاعلين الأساسيين ومجالات النشاط ذات الصلة. وبذلك، فإنها تمثل خطوة مهمة في عملية وضع هذا النزوح على جدول الأعمال الدولي.

وبعد الحشد من قِبل رؤساء منظمات اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات التابعة للأمم المتحدة، تبنت الدول الأطراف الحاضرة في مؤتمر كانكون للتغيرات المناخية في ديسمبر/كانون الأول 2010 الفقرة 14(و) من الاتفاقية الناتجة عن المؤتمر حول العمل التعاوني طويل المدى، داعية الدول إلى تعزيز العمل حول التكيُّف مع التغيرات المناخية عن طريق إقرار الإجراءات اللازمة لرفع مستوى الفهم والتنسيق والتعاون  حول النزوح والهجرة وإعادة النقل المخطط لها الناجمة جميعاً عن التغيرات المناخية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.

ولتلك الفقرة المذكورة أهمية من عدة نواحي: فلأول مرة، يعترف المجتمع الدولي صراحةً بالتوابع الإنسانية للتنقلات السكانية المدفوعة بالتغيرات المناخية على أنها من تحديات التكيف. وثانياً، يتوقع أن يصبح النزوح جزءاً من خطط التكيُّف الوطنية التي تستشرفها الاتفاقية الناتجة عن مؤتمر كانكون، وبذلك تقدم نقطة انطلاق لقضايا الحماية والمساعدة. وهذا يتيح الاحتمال بأن يدعم صندوق المناخ الأخضر، المقام لتمويل إجراءات التكيُّف، الأنشطة في مجال النزوح التي تُنفَّذ في سياق التغيرات المناخية. وختاماً، تعترف الاتفاقية بضرورة أن لا يقتصر بذل الجهود على المستوى الوطني فحسب بل يجب أن تُبذل أيضاً على الصعيدين الإقليمي والدولي لأنَّ ذلك يضع على جدول الأعمال الدولي كلاً من مسألتي النزوح عبر الحدود بسبب المناخ والنزوح الداخلي.

لكن الفقرة 14(و) لا تنوّه عن الكيفية التي يجب بها التعامل مع النزوح المدفوع بالتغيرات المناخية. وهذا هو السبب في إطلاق المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مبادرة لدعوة مجموعة من الخبراء للاجتماع في فبراير/شباط 2011 لمناقشة خيارات التعامل مع النزوح المرتبط بالمناخ، سواء أكان هذا النزوح داخلياً أم عابراً للحدود[3]. وكان مؤتمر نانسن في يونيو/حزيران 2011 الخطوة التالية التي كان يجب أن تؤدي بالدول إلى الالتزام بالتعامل مع القضية في الاجتماع الوزاري للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ديسمبر/كانون الأول 2011 للاحتفال بالذكرى الستين لاتفاقية اللاجئين والذكرى الخمسين لاتفاقية معدومي الجنسية. إلا أن البيان الوزاري المتبنى في تلك المناسبة لم يتضمن أي إشارة مباشرة للتنقلات عبر الحدود التي تنتج عن الكوارث المرتبطة بالمناخ والكوارث الطبيعية الأخرى. ولم يكن ذلك مصادفة، لكنه تعبير عن غياب رغبة أغلب الحكومات، سواء لأسباب سيادية أم بسبب وجود أولويات أخرى لدى كل حكومة أو بسبب تولي المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدور قيادي في العملية.

مبادرة نانسن

للخروج من هذا الطرق المسدود، تعهدت النرويج وسويسرا "أن تتعاونا مع الدول المهتمة والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرهم من الفاعلين المعنيين بهدف تحسين فهم مثل هذه التنقلات العابرة للحدود...... مع تحديد الممارسات المثلى وإيجاد إجماع للرأي حول أفضل السبل لمساعدة وحماية الأشخاص المتأثرين." وقد قطعت المكسيك على نفسها العهد ذاته.

وبعد ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2012، أطلقت النرويج وسويسرا في جنيف ونيويورك ما أسمتاه "مبادرة نانسن" وهي عملية استشارية تملكها الدولة، بعيداً عن الأمم المتحدة، لبناء الإجماع بصورة تصاعدية بين الدول المهتمة حول أفضل السبل للتعامل مع النزوح عبر الحدود في سياق الكوارث المفاجئة وبطيئة الوقوع. وستتعدى هذه المبادرة نطاق الاتفاقية الناتجة عن مؤتمر كانكون حيث إنَّها لن تقتصر على بحث الكوارث المرتبطة بالمناخ فحسب بل الكوارث الجيوفيزيائية أيضاً.

وستبدأ المبادرة بسلسلة من الاجتماعات الاستشارية الإقليمية أو دون الإقليمية في المناطق التي تضررت بشكل خاص جراء النزوحات عبر الحدود نتيجة وقوع الكوارث الفعلية أو التوقع بوقوعها، بما في ذلك مناطق جنوب المحيط الهادئ وأمريكا الوسطى والقرن الأفريقي. وستجمع المبادرة الحكومات من تلك المناطق ومن الدول التي يتوجه إليها النازحون. كما ستُناقش وجهات نظر الأكاديميين والمؤسسات المعنية بالقضايا الإنسانية والتنمية والتغيرات المناخية، إلى جانب ممثلي السكان المتأثرين. وستبني هذه المشاورات قاعدة معرفية سليمة مع إجراء الأبحاث لردم الفجوات في المعرفة والفهم علاوة على تحديد مجالات الاتفاق أو الاختلاف وإثراء المشاورات على المستوى الإقليمي.

وفي حين تركز المبادرة على حماية الأشخاص، سيكون لها نطاق أشمل لمعالجة قضايا خاصة بالتعاون والتضامن، ومعايير معاملة الأشخاص المتأثرين، من حيث قبول دخولهم وبقائهم في بلد النزوح وحصولهم على الحقوق الأساسية، والاستجابات العملية بما فيها آليات التمويل ومسؤوليات الفاعلين الإنسانيين والتنمويين الدوليين. كما ستركز أيضاً على الحماية والمساعدة خلال النزوح إلى جانب المرحلة الانتقالية إلى الحلول طويلة المدى فيما بعد الكارثة، لكنها ستراعي أيضاً التحديات التي تواجه الاستعدادية قبل وقوع النزوح. وفي حين تركز المبادرة على احتياجات الأشخاص النازحين عبر الحدود، فإنها أيضاً تلقي الضوء على الروابط مزدوجة الاتجاه مع القضايا ذات الصلة مثل الحد من مخاطر الكوارث أو النزوح الداخلي أو إدارة الهجرة كمعيار للتكيُّف.

وسينتج هذه العملية الممتدة لثلاث سنوات جدول أعمال للحماية يُتوقع منه ما يلي:

  • تقديم فهم مشترك بين الحكومات المشاركة للقضية وأبعادها والتحديات التي يواجهها أصحاب العلاقة المعنيون.
  • تحديد الممارسات والأدوات الجيدة لحماية النازحين عبر الحدود في سياق الكوارث الطبيعية.
  • التوصل إلى اتفاق على المبادئ الأساسية التي يجب أن توجّه الدول وغيرها من أصحاب المصلحة المعنيين في المجالات الثلاثة للتعاون بين الدول/التعاون الدولي ومعايير حماية الأشخاص النازحين والاستجابات التنفيذية.
  • تقديم التوصيات حول الأدوار والمسؤوليات التي يجب أن يتولاها الفاعلون وأصحاب المصلحة المعنيون.
  • اقتراح خطة عمل للمتابعة بغرض تحديد المزيد من التطورات المعيارية والمؤسسية والتنفيذية اللازمة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.

ومن النواحي المؤسسية، سيدير مبادرة نانسن مجموعة توجيه صغيرة تترأسها النرويج وسويسرا وستتألف من مجموعة صغيرة من دول الشمال والجنوب. وحتى الآن، انضم إلى اللجنة التوجيهية كل من أستراليا وكوستاريكا وكينيا والمكسيك والفلبين وستمثل المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة ومجلس اللاجئين النرويجي أدواراً فاعلة فيها. أما بالنسبة للإطار العام الفكري للمبادرة فسوف تقدمه لجنة استشارية مكونة من ممثلين عن مؤسسات ووكالات دولية إلى جانب الباحثين ومراكز البحوث والمؤسسات الأكاديمية التي يمكنها توفير المعلومات ورفد العملية بخبراتها. وختاماً، ستتلقى المبادرة الدعم من أمانة سر صغيرة ومبعوث للرئيس الذي سيمثل المبادرة في المحافل المرتبطة بها. وستبدأ الأنشطة في أوائل عام 2013.

ويؤمل أن يساعد هذا التوجُّه الناعم الذي تقوده الدول من المستويات الأدنى إلى الأعلى في تنمية "توجُّه أكثر ترابطاً وثباتاً على المستوى الدولي [...] لتلبية احتياجات الحماية للأشخاص النازحين" عبر الحدود في سياق الكوارث الطبيعية، ومساعدة المجتمع الدولي في بناء إطار عمل فاعل ومعياري ومؤسسي في هذا الشأن وفقاً لما ينادي به معيار نانسن التاسع.

والتر كايلين walter.kaelin@oefre.unibe.ch مبعوث رئاسة مبادرة نانسن.



[1] مبادئ نانسن على www.regjeringen.no/upload/UD/Vedlegg/Hum/nansen_prinsipper.pdf. (الإنجليزية) انظر أيضاً www.nansenconference.no.

[2] إطار عمل هيوغو 2005 – 2015: بناء مرونة الدول والمجتمعات تجاه الكوارث. (Building Resilience of Nations and Communities to Disaster)

www.unisdr.org/2005/wcdr/intergover/official-doc/L-docs/Hyogo-framework-for-action-english.pdf

www.unisdr.org/files/1037_finalreportwcdrfrench1.pdf

www.unisdr.org/files/1037_finalreportwcdrspanish1.pdf

www.unisdr.org/files/1037_finalreportwcdrarabic1.pdf

[3] التقرير على www.unhcr.org/4da2b5e19.pdf

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.