Skip to content
التنبؤ بالهجرة: التوقعات والقيود والوظائف السياسية
  • ستيفن أنجينيندت (Steffen Angenendt) وآن كوش (Anne Koch)
  • May 2024
لاجئون من أوكرانيا يتوجهون إلى مركز نقل بعد وصولهم إلى مولدوفا. حقوق الصورة: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)/أندرو ماك كونيل (Andrew McConnell)

تحظى التحليلات التنبئية الرامية إلى تطوير التوقعات حول الهجرة والنزوح في المستقبل باهتمامٍ متزايدٍ رغم من الفائدة المحدودة التي تطرحها من الناحية العملية حتى الآن. ويعود ذلك إلى واقع أنها تخدم عددًا من الوظائف السياسية تشمل تعزيز تماسُك السياسات وتوليد انطباعٍ من السيطرة.

إنّ الرغبة في توقّع التطورات المستقبلية والاستعداد لها شائعةٌ للغاية في مجال السياسة. وينطبق ذلك بشكلٍ خاص على سياسة اللاجئين والهجرة ألمانيا وأوروبا ككل. فقد عززت الزيادات الأخيرة في تدفّق اللاجئين عبر طريق البلقان والبحر الأبيض المتوسط، والأهم منهما نتيجة الحرب في أوكرانيا، الرغبةَ في الحدّ من المفاجآت في حركات الهجرة المستقبلية. وينعكس الاهتمام الواسع بالنُهُج التنبئية – مع التركيز القوي على المعابر الحدودية غير النظامية والنزوح القسري – في المشهد البحثي الديناميكي وانتشار النُهُج المتنافسة في هذا السياق.

تَعِد أدوات التنبؤ الكمّي بتوجيهٍ أفضل وأمنٍ أكبر في التخطيط، وذلك بفضل اعتمادها على التعلم الآلي والنمذجة القائمة على الوكيل لتوليد توقعاتٍ عالية الجودة بشكلٍ خاص من حيث الدقة والموثوقية. إلا أنه وحتى الآن، لا ترقى فائدتها العملية إلى مستوى الآمال المعلّقة عليها. وبالنظر إلى الفجوة الواضحة بين ما هو متوقّع من التحليلات التنبئية وما قدّمته هذه التحليلات حتى الآن في مجال التنبؤ بالهجرة، لماذا لا تزال الجهود المبذولة لتطوير الأدوات ذات الصلة تجذب الاهتمام السياسي والموارد المالية؟

الوكالات المشارِكة في جهود التنبؤ بالهجرة والأدوات المستخدمة فيها

تبرز بشكلٍ عام ثلاث مجالات لتطبيق التنبؤات بالنزوح القسري والهجرة غير النظامية، وهي:

  1. تعزيز القدرة الوطنية على الاستقبال عند توقُّع ارتفاع أعداد اللاجئين؛
  2. تكييف أمن الحدود وإدارتها لمواجهة التحديات المتوقعة؛
  3. التخطيط الاستباقي للمساعدات الإنسانية (والتعاون الإنمائي بشكلٍ متزايد) في سياق الهجرة المدفوعة بالأزمات.

في المجالات الثلاثة، يشكّل الاستخدام الكفوء للموارد النادرة تحديًا رئيسيًا.

يشارك عددٌ متزايد من الجهات الفاعلة في النمذجة الكمية لأغراض التنبؤ بالهجرة. ففي أوروبا على سبيل المثال، تميل الجهود المبذولة للتنبؤ بالهجرة إلى الاهتمام باستقبال اللاجئين وأمن الحدود، وتركّز على الأشخاص المتّجهين نحو الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه. وإنّ الجهتين الفاعلتين الرئيسيتين في هذه المنطقة هما الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (Frontex)، ووكالة الاتحاد الأوروبي للجوء (EUAA)، وكلاهما بصدد تطوير نماذج للتعلم الآلي للتنبؤ بالوافدين الجدد إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بما يتماشى مع اختصاص كل منهما – حيث تركّز الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (Frontex) على المعابر الحدودية غير النظامية، في حين تركّز وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء (EUAA) على عدد طلبات اللجوء.

تبحث مفوضية الاتحاد الأوروبي (EU Commission) في السنوات الأخيرة أيضًا في إمكانية إنشاء أداة للتنبؤ بالهجرة على مستوى الاتحاد الأوروبي. وإلى جانب تمويل مختلف اتحادات البحوث ذات الصلة، قامت أيضًا بتكليف إجراء دراسة جدوى حول أداةٍ قائمة على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باتجاه وكثافة الهجرة غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي وداخله مع أفق زمني يتراوح بين شهر وثلاثة أشهر. وعلى الرغم أن نتائج هذه الدراسة لم تُترجم بعد إلى خطواتٍ عملية، سيتم اختبار أداة تقتصر على التنبؤ بالهجرة غير النظامية على طريقٍ واحد في إطار مشروعٍ تجريبي.

في هذا السياق، تدلّ عدم القدرة تطبيق أي أداة من هذه الأدوات المتنوعة قيد التطوير على وجود تحديات تقاوم حتى أساليب التعلم الآلي. فيواجه الطموح بتطوير نظام شامل للتنبؤ والإنذار المبكر بالهجرة غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي حدودًا فنيةً من ناحيتين. أولًا، إنّ حتى الأدوات الأكثر تقدمًا القائمة على الذكاء الاصطناعي المتاحة حاليًا لا يمكنها بعد أن ترصد بشكلٍ كافٍ التفاعل المعقّد بين العوامل العديدة التي تؤثر على قرارات الهجرة (وبالأخص عندما يُطلب أن تكون الأداة المعنية قابلةً للتطبيق عالميًا على جميع البلدان وجميع طرق الهجرة إلى أوروبا). وثانيًا، إنّ موثوقية أي توقعات في هذا السياق محدودة نتيجة انعدام اليقين المتأصل في عمليات الهجرة. فقد جاء العديد من حركات الهجرة الأخيرة الأهمّ نحو أوروبا نتيجة أحداثٍ تخريبيةٍ أثّرت على النزوح القسري والهجرة بطرق لا يمكن التنبؤ بها.

بموازاة هذه الجهود على المستوى الأوروبي، يقوم العديد من المنظمات الدولية بتطوير أدوات التنبؤ لتحسين التخطيط الإنساني والإنمائي، وهو مجال التطبيق الثالث. يُعتبر مشروع جيتسون (Project Jetson) التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) الذي تم إطلاقه في عام 2017 للتنبؤ بالنزوح في الصومال أول تطبيق قائم على التعلم الآلي للتنبؤ بالنزوح الداخلي والعابر للحدود. وتم إطلاق مبادرة ثانية بعد أن أدى إغلاق الحدود نتيجة انتشار جائحة كورونا في عام 2020 إلى وقف الهجرة بين فنزويلا والبرازيل. ومن أجل توليد تنبؤات قابلة مجدية حول عدد الوافدين الفنزويليين إلى البرازيل بعد إعادة فتح الحدود وحول حجم الاحتياجات الإنسانية التي ينطوي عليها هذا النزوح، تعاونت المفوضية (UNHCR) مع مبادرة النبض العالمي (Global Pulse) التابعة للأمم المتحدة لإنشاء أداة للتنبؤ قائمة على التعلّم الآلي وأداة محاكاة تفاعلية حول الإسكان والاحتياجات الأخرى في ظل سيناريوهات مختلفة.

ضمن قطاع المنظمات غير الحكومية، يتولى المجلس الدنماركي للاجئين (DRC) ومنظمة إنقاذ الطفل (Save the Children) طليعة الجهود المبذولة لتسخير إمكانات التحليلات التنبئية لتحسين تقديم المساعدات. وفي هذا السياق، إنّ نموذج التبصّر (Foresight Model) الخاص بالمجلس الدنماركي للاجئين (DRC) هو أداة قائمة على الذكاء الاصطناعي مصمّمة للتنبؤ بالنزوح الداخلي والعابر للحدود المرتبط بالنزاعات، ويغطّي حاليًا ستّة وعشرين دولة مع أفق زمني يتراوح بين سنة وثلاث سنوات. ويتنبأ نموذج العمل الإنساني الاستباقي للنزوح (AHEAD) الخاص بالمجلس الدنماركي للاجئين (DRC) بالنزوح الداخلي في بوركينا فاسو ومالي والنيجر وجنوب السودان والصومال، وينتج تقارير منتظمة لدعم عمليات الجهات الفاعلة الإنسانية. هذا وطوّرت منظمة إنقاذ الطفل (Save the Children) أداةً قائمةً على التعلّم الآلي للتنبؤ بنطاق ومدة النزوح، وقد تم تحسينها باستمرار منذ إدخالها في عام 2018. وتشمل الدروس الأساسية المستفادة من هذه العملية إدراك أن النماذج المحلية الخاصة بالسياق تعود بفائدةٍ أكبر من نموذج عالمي معمّم، وأنه يمكن استكمال بعض البيانات المفقودة باستخدام النمذجة القائمة على الوكيل.

يبدو بشكلٍ عام أن الاستخدام العملي للتنبؤ بالهجرة في السياقات الإنسانية أكثر تقدمًا من الجهود المبذولة للتنبؤ بالوافدين غير الشرعيين إلى الاتحاد الأوروبي. وقد يكون أحد الأسباب أن أهداف التنبؤ محدودة من الناحية المكانية والزمنية بسبب الاحتياجات التشغيلية الملموسة، ولأن منحنى التعلم أكثر وضوحًا مما هو عليه في النُهُج الأكثر تمحورًا حول أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، تميل حركات اللاجئين الناجمة عن الأحداث المفاجئة، مثل الكوارث الطبيعية أو اندلاع النزاع المسلّح، إلى أن تكون أسهل من حيث النمذجة باستخدام التعلم الآلي مقارنةً بحركات الهجرة التي تتأثر بعدد أكبر بكثير من العوامل. إلا أنّ تطوير أدوات التنبؤ الخاصة بالسياق يستغرق وقتًا طويلاً ويتطلب حوالي السنة، بحسب وحدة الابتكار التابعة للمفوضية (UNHCR). لذلك، قد تكون الأدوات التي تتنبأ بالنزوح مناسبةً بشكلٍ خاص للمراقبة طويلة الأجل للسياقات الهشّة، على سبيل المثال في سياق التعاون الإنمائي.

حتى ولو كانت الفائدة العملية للتنبؤات الكمية للهجرة تختلف اختلافًا كبيرًا من مجال سياسة إلى الآخر، تبرز عقبات مماثلة أمام إدخالها في عمليات صنع القرار السياسي في جميع المجالات وعلى الرغم من الحاجة الماسة إلى المزيد من التخطيط التطلعي على جميع المستويات، تفتقر الإدارات الوطنية إلى الموارد والهياكل اللازمة للاستفادة الكاملة من نتائج أدوات التنبؤ الكمي. ومن بين الأسباب على ذلك النقص في الموظفين والوقت في الوزارات المعنية. ويتمثل سبب آخر في واقع أن انعدام اليقين الحتمي للتنبؤات يقلل من قيمتها بالنسبة للعملية السياسية التي يفضَّل أن تستند إلى حقائق واضحة وبسيطة. وأخيرًا، هناك نقص في العمليات المثبتة لإدخال التنبؤات في عملية اتخاذ القرارات السياسية.

الوظائف السياسية للتنبؤ بالهجرة

إذًا، كيف يمكن استخدام التنبؤات الكمية بالهجرة في العملية السياسية؟ بصرف النظر عن الآمال بتحسين التعاون بين الإدارات، يمكن استخدامها لمنح الوزارات الفردية ميزةً تنافسيةً من خلال المعارف الإضافية المكتسبة من التنبؤات، وإضفاء الشرعية على القرارات المتخذة بالفعل، واستخدام التنبؤات لتعزيز المصالح السياسية والحصول على التمويل.

تحسين التماسك والتعاون الحكوميين 

أفاد صنّاع القرار في ألمانيا وعلى المستوى الأوروبي بأن تبادُل البيانات حول النزوح القسري والهجرة بين الجهات الفاعلة المختلفة لا يزال غير منظّم وغير منهجي نسبيًا. ويؤدي عدم انتظام المعلومات المتعلقة بالنزوح القسري والهجرة إلى إعاقة اتخاذ القرارات المشتركة، لا سيما في حالات الأزمات التي لا يتوفر فيها إلا وقت قليل للتنسيق.

يمكن أن يساهم التنبؤ بالهجرة القائم على الذكاء الاصطناعي في بناء نظامٍ لإعداد صورة ظرفية مشتركة تحدّد بوضوح المسؤوليات ويتم القبول بها بصفتها أساسًا لاتخاذ القرارات من قِبل جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، ويمكن أن يُخفف من ضغط الوقت المتأصل في الأزمات من خلال تمكين النقاش وبناء التوافق في وقتٍ مبكر. وينطبق الأمر نفسه على المستوى الأوروبي، حيث يوجد نقصٌ ملحوظ في الهياكل اللازمة لضمّ بيانات الهجرة المتنوعة من البلدان المختلفة. ويمكن أن يؤدي التنبؤ الموثوق بالهجرة إلى تسريع التنسيق بين بلدان الوصول الأول والمفوضية ووكالات الاتحاد الأوروبي في حال حدوث زيادة سريعة في الأعداد على طول طرق الهجرة الفردية.

المعرفة كميزة تنافسية

إلى جانب الهدف المشترك المتمثل في تحسين التوقعات، هناك أيضًا منافسة على التأثير على قرارات اللجوء والهجرة. ويمكن أن يؤدي واقع أن المعرفة الإضافية يمكن أن يمثل ميزةً تنافسيةً كبيرةً إلى عدم التعاون بين الجهات الفاعلة المختلفة التي تسعى إلى التنبؤ بالهجرة. فعلى سبيل المثال، تسعى الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (Frontex) ووكالة الاتحاد الأوروبي للجوء (EUAA) إلى الاستفادة من قدراتهما التنبئية لمصلحتهما الخاصة: وفي حين تجمع الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (Frontex) في المقام الأول المعلومات حول اتجاهات الهجرة غير النظامية وتركز وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء (EUAA) على بناء قدرات الاستقبال لطالبي اللجوء، يستخدم كلاهما توقعاته الخاصة لحشد الدعم للتوسع المؤسسي. وفي نهاية المطاف، غالبًا ما يخدم العمل على تطوير التنبؤات الكمية بالهجرة لأهداف السياسية الخاصة بالمنظمة. ويضع هذا النوع من «العقلية الانعزالية» أيضًا العقبات أمام تطوير أداة للتنبؤ الكمي من قِبل مفوضية الاتحاد الأوروبي.

التواصل السياسي وإضفاء الشرعية على الخيارات السياسية

في مجال الهجرة واللجوء، تنتشر الدعوات إلى الممارسات السياسية الأكثر استنادًا إلى الأدلة والاستثمارات الأكبر في جمع البيانات وتحليلها. وتتمثل الحجة الداعية إلى ذلك في أن طرح الخيارات القائمة على الأدلة لصنّاع القرار من شأنه أن يساعد في إضفاء نظرة موضوعية إلى النقاشات المشحونة عاطفيًا والمستقطبة للغاية في الكثير من الأحيان، وبالتالي يساعد في مواجهة الخطاب الجماهيري. وفي الوقت نفسه، تؤدي الأرقام والإحصاءات وظائف مهمة تواصلية ومُعزِّزة للشرعية في مجال السياسة. فبدلاً من استكشاف خيارات السياسة المختلفة بصورةٍ حيادية، غالبًا ما يكون الغرض الأساسي منها إضفاء الشرعية على القرارات التي تم اتخاذها بالفعل أو تثبيتها. وتؤدي التنبؤات الكمية وظيفةً أخرى، حيث يمكن أن تولّد الاستثمارات في التنبؤ بالهجرة انطباعًا بالقدرة على التحكّم بمجالٍ سياسي يتّسم بعدم اليقين والصدمات الدورية، وبالتالي تُشير إلى الجهود المبذولة لتحقيق التخطيط الاستباقي. وإذا كانت جهود التنبؤ مدفوعةً في المقام الأول بهذه الاعتبارات، فمن المرجح أن تصل إلى حد جمع البيانات وتحليلها بشكلٍ انتقائي وذاتي إلى حدٍ كبير.

الضغط السياسي والحصول على التمويل

في القطاع الإنساني، تؤدي التنبؤات الكمية للنزوح القسري وظيفةً إضافيةً مهمةً تتمثل في جذب الاهتمام السياسي نحو الأزمات الناشئة وفي حشد التمويل المطلوب. ويذكر كل المجلس الدنماركي للاجئين (DRC) ومنظمة إنقاذ الطفل (Save the Children) التمويل صراحةً باعتباره أحد الدوافع وراء تطوير أدوات التنبؤ، بينما يحاولان في الوقت نفسه تجنّب إدامة سردية التهديدات المتزايدة للدول الغنية الناتجة عن تحركات اللاجئين واسعة النطاق مما يسمّى بالجنوب العالمي. ويمكن أيضًا للتنبؤ بالهجرة أن يساعد الجهات الفاعلة الحكومية في تخصيص التمويل والموارد. فإنّ استثمار التمويل قبل اندلاع الأزمة أكثر كفاءةً بكثير من الإغاثة الطارئة بعد وقوع الحدث. وهو أمر تم الاعتراف به منذ فترةٍ طويلة في مجال المساعدات الإنسانية، وسيضمن استخدامًا أكبر لأدوات التمويل القائمة على التنبؤات. ويشكّل تحقيق فعاليةٍ أكبر في توظيف الأموال حجةً مهمةً في ظل التنافس على الموارد العامة.

أخيرًا، يؤكد العاملون في مجال المساعدات الإنسانية أيضًا على أن التنبؤات الموثوقة بتحركات اللاجئين يمكن أن تشجّع الجهات المانحة على تخصيص المزيد من التمويل للمساعدات غير المقيّد أو «المخصص لغرض معيّن»، مما يتيح حريةً أكبر لمنظمات الإغاثة في الاستجابة للاحتياجات على أرض الواقع.

الخاتمة

تؤكد الوظائف السياسية التي يؤديها التنبؤ الكمي بالهجرة والموضحة في هذه المقالة وجود دوافع متنوعة، ومتناقضة في بعض الأحيان، تحفّز الاهتمام بالتنبؤ بالهجرة والنزوح، وبالتالي تستكمل تطبيقاته العملية الرامية إلى تكييف قدرات الاستقبال وتعديل آليات حماية الحدود وتحسين التخطيط للمساعدات الإنسانية والمشاريع التي تستهدف التنمية وتنفيذها. وفي حين يوجّه التركيز على بناء المعرفة الجهات الفاعلة نحو التنسيق والاستفادة من أوجه التآزر، تتسبب الرغبة في اكتساب ميزةٍ تنافسيةٍ وإضفاء الشرعية على السياسات الحالية في الابتعاد عن هذه الأهداف والميل إلى العمل من أجل تحقيق الأهداف الفردية.

لا يكتمل النقاش حول إمكانات وهفوات أدوات التنبؤ الجديدة من دون تناوُل الآثار السلبية المحتملة لهذه التطورات التقنية الجديدة على المهاجرين واللاجئين. وفي حين أن أدوات التنبؤ المبنية على التعلّم الآلي تجمع عادةً البيانات القائمة على المجموعات بدلاً من البيانات الفردية، لا تزال هذه العملية تنطوي على مخاطر ملحوظة على حقوق الإنسان. ففي سياق النقاش المحموم والآراء المستقطبة حول النزوح القسري والهجرة، يتبين أن التنبؤات الكمية سياسية بطبيعتها وتنطوي على خطر استخدامها لتوليد سيناريوهات التهديد وتأجيج المخاوف. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى إغلاق المعابر الحدودية أمام طالبي اللجوء، أو إلى زيادة الهجمات العنصرية ضد جنسيات أو أعراق معينة. بالإضافة إلى ذلك، يغيب الوضوح حول حقوق النازحين واللاجئين ذات الصلة بمنع استخدام بياناتهم في مجموعات التدريب لنمذجة الهجرة أو بإمكانية حصولهم على تعويض في حال تعرضوا لضرر غير مقصود من جراء استخدام نماذج التنبؤ أو في حال إساءة استخدام بياناتهم لأغراضٍ أخرى.

يمكن أن يعود التنبؤ بالهجرة بآثارٍ إيجابية (مثل تحسين التخطيط للمساعدات الإنسانية) أو سلبية (مثل إعادة توجيه الأموال الإنسانية نحو أمن الحدود) على النازحين قسرًا. ويعني ذلك أنه حتى إذا تحسّنت الأدوات التنبئية تدريجيًا، سيبقى النزوح القسري والهجرة مجالين يستوجبان اتخاذ قرارات سياسية صعبة والدفاع عنها. وعند استخدام التنبؤات الكمية بالهجرة في الممارسة العملية، يجب مراعاة المخاطر التي يتعرض لها الأشخاص المعنيون بشكلٍ مباشر ومعالجتها. فمن ناحية، يجب الحرص على عدم استخدام التنبؤات كأداة سياسية أو لتصوير الهجرة على أنها خطر أمني في المقام الأول. ومن ناحيةٍ أخرى، يجب أن تغطي حماية البيانات كلًا من بيانات المجموعات والبيانات الشخصية. وفي مجال المساعدات الإنسانية والتعاون الإنمائي، يجب تطوير مبادئ مسؤولة لحركة البيانات وتكييفها لمواكبة التقدم التكنولوجي المحقق في مجال النماذج التنبئية.

ستيفن أنجينيندت (Steffen Angenendt)
شريك في مجموعة خبراء الهجرة (Migration Experts Group)
angenendt@migrationexperts.ch

آن كوش (Anne Koch)
زميلة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (Stiftung Wissenschaft und Politik)
anne.koch@swp-berlin.org

READ THE FULL ISSUE
DONATESUBSCRIBE
This site is registered on wpml.org as a development site. Switch to a production site key to remove this banner.