Skip to content
المقاومة الرقمية للّاجئين والسلطة والتمثيل والرقابة القائمة على الخوارزميات
  • أماندا ويلز (Amanda Wells)
  • May 2024
صورة من كاليه سي سي (Calais CC) بإذن من مالاتشي براون (malachybrowne) على flickr.com

يواجه اللاجئون الذين يحاولون استخدام وسائل الإعلام الرقمية لأغراض المقاومة حواجز تشمل الرقابة القائمة على الخوارزميات والمضايقات التي تُرسّخ بقائهم في الهوامش السياسية. ويبرهن ذلك الحاجة إلى مستوياتٍ أعلى من الشفافية والمساءلة والديمقراطية في مجال الحوكمة الرقمية.

غالبًا ما يتم إقحام قضايا اللاجئين والمهاجرين في العمل السياسي الرقمي بدرجاتٍ متفاوتة من النجاح. ويُنسب الفضل إلى صور الطفل السوري اللاجئ آلان كردي البالغ من العمر عامين والذي غرق أثناء عبور البحر الأبيض المتوسط في تعزيز التعاطف العام مع “أزمة اللاجئين” في أوروبا في عام 2015 بعد انتشارها السريع من خلال الأخبار الرقمية والمنصات الإعلامية. وعلى النقيض من ذلك، أدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لفضح الظروف القائمة في مركز احتجاز اللاجئين في ناورو عام 2015 في نهاية المطاف إلى طرد الهيئات المشرفة مثل منظمة «إنقاذ الطفولة» (Save the Children) خارج المركز.

أدرس في هذه المقالة كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل اللاجئين في سعيهم إلى جذب انتباه الجمهور العام من خلال المخرجات المرئية إلى المجال الرقمي مثل الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو. فهل تشكّل وسائل التواصل الاجتماعي أداةً فعّالةً لمقاومة اللاجئين؟ بالاستناد إلى دراسات الحالة حول المقاومة البصرية والمجسّدة من جانب اللاجئين في كاليه وأمستردام، أبرهن أن الاتجاهات الحالية في الحوكمة الرقمية تساهم في دفع اللاجئين إلى الهوامش العامة وتقلل من قدرتهم على تسخير وسائل الإعلام الرقمية كأداةٍ سياسية.

السلطة والتمثيل

تكمن قوة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة في توفيرها القدرة للفئات المهمشة على التعبير عن حركاتها السياسية بنفسها وليس من خلال عدسة طرف ثالث مثل مراسلي الأخبار ووسائل الإعلام.

تسمح إمكانية الوصول إلى الهواتف المحمولة والحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي حرفيًا بوضع قوة التمثيل في أيدي الفئات المهمشة، وتصبح هذه الفئات بالتالي حرةً في تنفيذ حركاتها السياسية بشروطها الخاصة. وهذا أمرٌ مفيد في حالة اللاجئين، إذ يوفر بديلًا للروايات التقليدية التي تصوّر اللاجئين على أنهم أشخاص غير سياسيين وسلبيين يعتمدون على الجهات الفاعلة المؤثرة. ومن وجهة نظرٍ بصريةٍ بحتة، يتناقض انتشار الصور التي تظهر اللاجئين وهم يحتجّون بشكلٍ ملحوظ مع صور اللاجئين في وسائل الإعلام التي غالبًا ما تعجز عن إظهار قدرة اللاجئين على التصرف، وتشدّد بدلًا من ذلك على الضعف وعدم الاستقرار.

تشكّل احتجاجات عام 2016 في مستوطنة كاليه غير الرسمية للاجئين الملقّبة باسم “الغابة” (The Jungle)[i] مثالًا على كيفية استخدام اللاجئين لوسائل الإعلام الرقمية لتقديم أنفسهم كجهات فاعلة سياسية خارج منتديات المؤسسات السياسية. ففي شباط/فبراير من عام 2016، خضع ثمانية رجال لعملية خياطة الشفاه للفت الانتباه إلى حركة المقاومة في المخيّم بعد إبعادهم قسرًا في وقتٍ سابق من أماكن إقامتهم المؤقتة في “الغابة” تمهيدًا لعملية الهدم المخطط لها. وسمحت طبيعة المخيّم المتاحة أمام العامة، إلى جانب تكنولوجيا الهواتف المحمولة لدى سكان المخيم وموظفي المنظمات غير الحكومية، بإنتاج مجموعة واسعة من المُخرجات المرئية التي لا تزال متاحةً بسهولة نسبيًا عبر الإنترنت.

ارتدى جميع المتظاهرين الثمانية أغطية الوجه وأغطية الرأس والأوشحة للتأكيد على الطبيعة الجماعية لاحتجاجاتهم. ورفعوا لافتاتٍ تصف ظروف المخيم وناشدوا جمهورهم على وجه التحديد (كان مكتوبًا على إحدى اليافطات “ممثلو الأمم المتحدة”)، وأشاروا إلى الالتزامات الدولية بحقوق الإنسان. أظهر المتظاهرون من خلال فعلهم هذا فهمًا للعنصر البصري الحاسم في مقاومتهم وحاولوا تحديد الاتجاه الذي ستتخذه احتجاجاتهم عبر الإنترنت.

على الرغم من جهود المتظاهرين النشطة في تحديد الوسائط الناتجة عن أفعالهم، تعرّضت الصور إلى التغيير من قبل وسائل الإعلام والمصورين. ففي إحدى الصور الاحترافية التي شاع انتشارها، تم تغيير يافطة أحد المتظاهرين كُتب عليها “تعالوا يا ممثلي الأمم المتحدة وحقوق الإنسان واشهدوا أننا بشر” لتصبح ببساطة “نحن بشر”. فقد اتخذ المصوّر في هذه الحالة قرارًا مسيّسًا للغاية بتأطير الموضوع بهذه الطريقة، حيث قرر تعديل رسالة المتظاهرين وانتقاص عمق مضمونها، وبالتالي جعل من نفسه مشاركًا في عملية صياغة فحوى الاحتجاجات.

يوضح مثال احتجاجات خياطة الشفاه في كاليه أنه وعلى الرغم من قدرة اللاجئين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتغيير الرواية القائمة، يبقون في نهاية المطاف عُرضةً لتدخل وتفسير الجهات الفاعلة الأخرى. وحتى عند استخدام الاحتجاجات لوسائل الإعلام الرقمية لتجاوز الأطراف الثالثة أو الافتقار إلى المساحات السياسية العامة، يبقون عرضةً بشدة لتأثير القوى الخارجية.

الرقابة القائمة على الخوارزميات والمضايقة الرقمية

يمكن تنفيذ الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حذف المحتوى فعليًا أو التقليل من الترويجللمواد غير المرغوب فيها، وبالتالي الحد من جمهورها وانتشارها. وهناك نقص في المعلومات المتاحة للعامة حول المؤشرات والظروف التي تعمل بها خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن من المفهوم على نطاقٍ واسع أنها تطبّق الرقابة أو أقلّه تقلّل من رواج المحتوى العنيف والمسيء. ويشمل ذلك الصور التي تفضح ظروف مخيمات اللاجئين ومراكز الاحتجاز، وروايات من عايش الإبادة الجماعية والحرب، والاحتجاجات التي تركز على الجسم مثل خياطة الشفاه وإحراق الذات.

لا يُعرف سوى القليل جدًا عن كيفية تدريب أنظمة التعلم الآلي على تقييد المحتوى، ولكن من الواضح أن الرقابة القائمة على الخوارزميات ليست دقيقة. ففي مقالة نشرت في مجلة الفلسفة والتكنولوجيا (Philosophy and Technology) تقول جينيفر كوبي (Jeniffer Cobbe) ” قد يبدو لغير المختصين أن استخدام المجموعات المهمشة للمصطلحات المسيئة هي إساءة بحد بذاتها”، وبالتالي تتم مراقبة المحتوى التخريبي إلى جانب الجمهور المستهدف منه. علاوةً على ذلك، وجدت دراسة أجراها كوبلر (Koebler) وكوكس (Cox) أن الخوارزميات أفضل عمومًا في استهداف وإزالة المحتوى العنيف مقارنةً بخطاب الكراهية، مما يسمح للمضايقات المحيطة بمواضيع اللاجئين بالانتشار بينما تُستبعد أصوات الموجودين في قلب المسألة نفسها.

يجري تدريب الرقابة القائمة على الخوارزميات باستخدام مجموعات البيانات ذات التحيزات في العالم الفعلي وعدم المساواة الموجودة مسبقًا. ويعني ذلك أن نماذج تقييد المحتوى غير مجهّزة بشكلٍ جيد للتعامل مع الأقليات العرقية والإثنية، أو المواد التي ليست باللغة الإنجليزية، أو الميول السياسية غير المهيمنة. وقد تخضع هذه المواد للرقابة بشكلٍ غير قانوني أو يُقلل من رواجها نتيجةً لذلك.

في بعض الحالات، تؤدي الرقابة والاستبعاد القائمان على الخوارزميات بشكلٍ منهجي إلى إخضاع اللاجئين لمضايقات رقمية إضافية. ففي حالة كمبيز روستاي (Kambiz Roustayi) اللاجئ الإيراني الذي قام بإحراق نفسه في ساحة دام في أمستردام عام 2011، أدّت الرقابة على الصور العنيفة الناتجة عن احتجاجه إلى انتشار السجل العام الوحيد المتاح في الغالب على المواقع والمدونات المتطرفة. وكان الموقع الوحيد الذي عثرت فيه على دليل مرئي لهذا الحدث هو موقع صغير يحمل اسمDocumenting Reality حيث قوبلت الصور بتعليقات قاسية. فيقول أحد التعليقات: “يمكننا جميعًا التبرع لقضيةٍ سامية مثل مساعدة أشخاص كهذا الرجل. لذا سأرسل غالونًا من البنزين”. ويقول آخر: “يا إلهي! هنالك حقًا من حاول المساعدة؟”

كامبيز روستاي موجود الآن فقط في ذاكرة العامة من حيث “رائحة” وفاته، ولكونه “مختلًا عقليًا” وكونه “بداية يومٍ سيّء”. وهذا مثال على نتيجة دفع الصور العنيفة الناتجة عن مقاومة اللاجئين إلى الهامش السياسي بسبب الرقابة، حيث تتسبب في التعرض لمزيد من العنف الخطابي.

تكتب كارين أندريولو (Karin Andriollo) عن أخلاقيات الانتباه ما يلي: “علينا الاستجابة للتضحيات بالنفس التي تتم في العامة لأننا إذا غضضنا الطرف عنها يموت من انتحر في الاحتجاجات مرتين، الأولى نتيجة ما فعلته يديه، والثانية نتيجة صمت مخيّلاتنا”.

تُعدّ الذاكرة أداةً قويةً، ويمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة فعالة لتوسيع الأرشيف العام ليضم أولئك الذين تم تهميشهم طوال حياتهم. ولكن تبرهن حالة كامبيز روستاي أن الرقابة التلقائية المتزايدة قد تساهم في انتشار المضايقة، ولو أنها ربما تهدف إلى وضع حدٍ لها. يقلل ذلك بدوره من الفائدة المحتملة لوسائل التواصل الاجتماعي لاستخدامها في الاحتجاج السياسي وأخلاقيات الانتباه الراديكالية الشاملة، ويفسح المجال أمام ممارسة المزيد من القمع ضد اللاجئين والمهاجرين. من هذا المنظور، تولّد الرقابة القائمة على الخوارزميات ظروفًا تسمح باستمرار دورة العنف الخطابي والجسدي ضد اللاجئين.

ما الذي يجب فعله؟

لقد جادلتُ في هذه المقالة بأن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون مفيدةً للاجئين في مقاومتهم، ولكن يمكن أن تتسبب الرقابة القائمة على الخوارزميات بإضعاف هذه الإمكانية عندما تعطي الأولوية لصانعي المحتوى المتمتعين بأفضليات وتزيل المحتوى العنيف من اللاجئين الذين يحاولون المقاومة.

في ضوء القضايا متزايدة التعقيد في مجال تقييد المحتوى، مثل الدعاية الإخبارية والتزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي، يجب أن تتحلى المنصات الرقمية بالشفافية حول ظروف الرقابة القائمة على الخوارزميات. فيمثّل الإبهام في عمليات اتخاذ القرارات القائمة على الخوارزميات  تهديدًا لخيارنا الجماعي في تحديد انتباهنا العام وذاكرتنا الجماعية. وعلينا نحن، بصفتنا المستخدمين الرقميين النهائيين والممارسين والمشرّعين أن نطالب بقدرٍ أكبر من المساءلة والديمقراطية والشفافية في الحوكمة الرقمية.

أماندا ويلز (Amanda Wells)
باحثة مستقلة
amanda.morgan.wells@gmail.com

READ THE FULL ISSUE

[i]انتقد الكثيرون اسم “الغابة” وكان انتقادهم محقًا لمحاولته إبراز صورة سكان المخيم على أنهم غرباء وهمجيون وخطيرون. أستخدم هذا الاسم هنا بقصد التوضيح، حيث يشير اسم “الغابة” إلى فترة زمنية محددة وهيكل المخيم ضمن تاريخ مستوطنات المهاجرين الطويل في المنطقة.

DONATESUBSCRIBE
This site is registered on wpml.org as a development site. Switch to a production site key to remove this banner.