- November 2025
أصبح البنك الدولي جهة مؤثرة بارزة في الاستجابة للنزوح القسري، ويمكنه تعزيز مساهمته بصورة أكبر من خلال تحسين التنسيق مع الوكالات الإنسانية ودعم مشاركة اللاجئين بطريقة تحقق جدوى أكبر.
قدّم البنك الدولي في السنوات الأخيرة مثالًا لطريقة يمكن من خلالها لبنوك التنمية الانخراط في أوضاع النزوح القسري، ووفر أدوات تمويل لدعم البلدان المضيفة وتعزيز إدماج اللاجئين في الأنظمة الوطنية. ويُطوّر البنك الدولي من خلال قيامه بذلك منظورًا إنمائيًا متوسطًا إلى طويل الأجل يُقر بمساهمات اللاجئين في المجتمعات المضيفة ويعزز إصلاحات السياسات التي تدعم إدماجهم. وعلى الرغم من أن البنك لا يزال حديث العهد من حيث التعامل مع سياقات اللجوء، تؤدي مساهماته إلى تغيير طبيعة أنظمة الاستجابة للاجئين.
لا شك في أن دور البنك الدولي في نظام النزوح القسري سيستمر في النمو، لكن لا تزال مشاركته جديدة نسبيًا وثمة تحديات متعددة تحول دون تحقيق استثماراته أثرًا ملموسًا على حياة اللاجئين ومضيفيهم. لذلك، يتوجب على البنك الدولي التأكد من أن استثماراته تتماشى مع الاحتياجات على أرض الواقع وتقلل أيضًا من الحاجة إلى الدعم الإنساني، وعلى وجه الخصوص، عليه تعزيز الإدماج المفيد للاجئين في برامجه الإنمائية لضمان استجابة مشاريعه بشكل أكثر دقة لاحتياجاتهم.
كيف يدعم البنك الدولي اللاجئين؟
الآلية الرئيسية التي يستخدمها البنك الدولي لدعم اللاجئين هي نافذة دعم المجتمعات المحلية المضيفة واللاجئين، التي تهدف إلى تعزيز قدرة البلد المضيف على معالجة أزمات اللجوء ودعم إدماج اللاجئين في النظم القطرية. أنشأ البنك الدولي النافذة في عام 2017 ويجدد دعمها المالي كل ثلاث سنوات، ويأتي تمويلها بشروط ميسرة ويشمل مكونات المنح والقروض دون سعر السوق وشروط التمويل المفيدة الأخرى. في الدورة الحالية 2022-2025 يمكن للنافذة استثمار ما يصل إلى 2.4 مليار دولار أمريكي في الدول منخفضة الدخل التي تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين، وتبلغ قيمة كامل استثمارات النافذة منذ إنشائها أكثر من 4.6 مليار دولار أمريكي تصب في فائدة 17 دولة مضيفة للاجئين.
في سبيل تطبيق هذه الاستثمارات، يعمل البنك الدولي مباشرة مع الحكومات المضيفة لتحديد الاحتياجات الإنمائية والمجالات ذات الأولوية للاستثمار. وفي حين يتفاوض البنك الدولي مع البلدان المقترضة حول الاستثمارات، يبقى البلد المقترض هو من يحدد المشاريع وينفذها في نهاية المطاف. وتركز بعض الاستثمارات على البنية التحتية وبناء القدرات. فعلى سبيل المثال تمول النافذة مشروعًا بقيمة 40 مليون دولار أمريكي في الكاميرون للتنمية المجتمعية يهدف إلى تحسين البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والاقتصادية للاجئين والمضيفين. وتركز مشاريع أخرى على استحداث فرص العمل وزيادة قدرة أنظمة الضمان الاجتماعي والتعليم لتشمل اللاجئين.
تربط النافذة مساعدتها المالية بوضع سياسات تدعم إدماج اللاجئين. وبهدف قياس الأثر، تلتزم بتنفيذ إصلاحات كبيرة في السياسات في 60٪ على الأقل من البلدان المستفيدة. ونفذت العديد من البلدان بالفعل إصلاحات مهمة بفضل النافذة، حيث ساعدت النافذة اللاجئين في إثيوبيا على الوصول إلى العمل من خلال تمويل برنامج الفرص الاقتصادية في إثيوبيا (Ethiopia Economic Opportunities Program). وفي ليبيريا، قدمت النافذة الدعم لجهود تسوية أوضاع اللاجئين ممن ليس لديهم وضع قانوني. وبهدف تتبع سياسات اللاجئين في البلدان المستفيدة، أنشأ البنك الدولي أداة تقييم تسمى إطار مراجعة سياسة اللاجئين (Refugee Policy Review Framework).
بالنسبة للدول المعرضة لخطر ضائقة ديون كبير، توفر النافذة تمويلًا كاملًا للمنح. وفي الوقت الحالي، تُعدّ جمهورية الكونغو (الكونغو برازافيل) المستفيد الوحيد من النافذة في العالم الذي يعاني من ضائقة ديون، على الرغم من أن أكثر من 47٪ من المستفيدين معرضون لخطر كبير للوقوع في ضائقة ديون (وفقًا لتحليل القدرة على تحمل الديون الصادر عن البنك الدولي). بالنسبة للبلدان الأخرى، غالبًا ما يشمل تمويل النافذة مكونات قروض. وترفض بعض البلدان التي تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين تمويل النافذة لأنها ترى أن شروط التمويل غير مواتية، وعلى وجه الخصوص قد ترى بعض الدول أن الحصول على قرض لدعم اللاجئين ليس في مصلحتها الفضلى على الرغم من أن السكان المضيفين يستفيدون أيضًا من التمويل.
كيف يمكن تحسين دعم البنك الدولي للاجئين؟
يتوجب على البنك الدولي معالجة بعض التحديات ليزيد من فعالية استجابته لاحتياجات اللاجئين، وتشمل هذه التحديات تحسين التنسيق بين استثمارات البنك الدولي والعمل الإنساني وإدارة العلاقات مع الحكومات (أي العملاء). قد لا تقوم الدول المقترضة بصفتها صانعة القرار الرئيسية بمنح الأولوية دائمًا للاستثمارات في المشاريع التي تتماشى مع الاحتياجات على أرض الواقع. بالإضافة إلى ذلك، يكافح البنك الدولي لتعميم أجندة اللاجئين ضمن الإجراءات والفرق العاملة داخل البلد. وفي بعض البلدان، يكون فهم الموظفين الوطنيين أو اهتمامهم بقضايا اللاجئين محدودًا، مما يؤثر على تطوير المشاريع.
يواجه البنك الدولي تحديًا مهمًا آخر يتعلق بقضايا الحماية، إذ لا يُعد البنك الدولي منظمة قائمة على الحقوق، وبهذا النحو يتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتقييم ما إذا كانت البلدان المستفيدة المحتملة تتمتع بأطر كافية لحماية اللاجئين قبل تقييم الأهلية. لكن بعض الدول المستفيدة من النافذة، مثل بنغلاديش وباكستان، تعاني من تاريخ طويل من الانتهاكات ضد حقوق اللاجئين مما يشكك في كفاية تقييمات الحماية ودور البنك في تحميل الدول المسؤولية فيما يتعلق بحقوق اللاجئين.
كما يمكن للنموذج القطري للبنك الدولي أن يولد انعدام تطابق في المصالح عندما يتعلق الأمر باللاجئين، إذ نادرًا ما تُمثل الحكومات المضيفة مصالح اللاجئين بصفتهم أجانب لديها.[1] على سبيل المثال، لا يحق للاجئين المشاركة في العمليات السياسية للبلدان المضيفة أو التأثير على قرارات الحكومات، وبالتالي عندما يتعلق الأمر بتمويل النافذة، ثمة خطر من أن تؤدي المفاوضات بين البنك الدولي والبلدان المقترضة إلى حجب أصوات اللاجئين. مثلًا، ترفض الحكومة في بنغلاديش تطبيق مناهج مستدامة للنزوح المطول،[2] وبالتالي ركزت استجابتها على الدعم في حالات الطوارئ وتقييد قدرة اللاجئين على التنقل بحرية والعمل والوصول إلى الخدمات وغيرها من القيود. وعلى الرغم من تعارض أولويات الحكومة البنغلاديشية مع أهداف النافذة، لا تزال تؤثر على استثمارات هذه الأخيرة وتحد من فعاليتها.
في بعض الحالات، مثل حالة كينيا، حيث دعمت النافذة تنفيذ قانون اللاجئين لعام 2021 الذي يمنح اللاجئين الحق في العمل والتملّك والوصول إلى الخدمات العامة، أحدثت استثمارات النافذة فرقًا حقيقيًا في استجابة اللاجئين. لكن في العديد من البلدان الأخرى قد يكون للاستثمارات أثر غير مباشر أو حتى هامشي لا يمكن تصوره بالنسبة للاجئين وأولئك المعنيين مباشرة في عمل الاستجابة.[3] وكي تحقق جميع مشاريع النافذة أثرًا واضحًا وملموسًا وقابلًا للقياس على اللاجئين ومضيفيهم، على البنك الدولي زيادة تعاونه وتنسيقه وحواره مع كل من اللاجئين والجهات الفاعلة الإنسانية.
الحاجة إلى مشاركة اللاجئين بصورة هادفة
كي يتمكن البنك الدولي من التأثير على الاستجابة للنزوح القسري، يجب الحرص على شمل اللاجئين وإشراكهم منذ البداية وبصورة نشطة في إجراءات البنك الرامية لتحديد أولوياته واستثماراته في شؤون اللاجئين. يعرف اللاجئون مشاكلهم أكثر من أي شخص ويدركون أولوياتهم الأهم، وباستطاعة اللاجئين أيضًا أن يدقوا ناقوس الخطر في حال عدم تنفيذ المشاريع بطريقة صحيحة ويمكن أن يساعدوا في ضمان أن يعكس أي تقييم بدقة الحقائق على أرض الواقع. وبشكل عام يمكن للاجئين المساعدة في تحسين مساءلة وفعالية استثمارات النافذة.
يمكن أن يؤدي الفشل في إشراك اللاجئين في تصميم وتنفيذ المشاريع والبرامج التي تؤثر عليهم إلى عدم تماشي المبادرات مع احتياجاتهم وواقعهم، وهذا هو حال الوثيقة الأردنية التي لم تضمن وجهات نظر اللاجئين في وقت مبكر مما أدى إلى تأخير تحقيق أثر على حياتهم.[4]
تجدر الإشارة إلى أنه تم إحراز بعض التقدم في هذا الصدد، حيث أجرى البنك الدولي محادثات مخصصة مع اللاجئين والمنظمات التي يقودها اللاجئون على المستوى العالمي. وعلى المستوى القطري في أوغندا، دعا البنك الدولي منظمات المجتمع المدني التي يقودها اللاجئون لتقديم ملاحظات حول تقرير إطار مراجعة سياسة اللاجئين. وساعد إشراك المنظمات التي يقودها اللاجئون في تسليط الضوء على الأسباب التي حالت دون تحويل بعض سياسات سوق العمل إلى ممارسة عملية. وفي حين أن تجربة أوغندا لم تنفذ بين الدول الأخرى المستفيدة من النافذة، تظهر هذه الحالة أن إدراج اللاجئين أمر ممكن وله أثر.
الخطوات المستقبلية
من الواضح أن الأثر الذي حققه للبنك الدولي من خلال النافذة هو كبير، ولكن ثمة مجال لتوسيعه مع مرور الوقت. وبالرغم من أنه لا يمكننا توقع تغيير البنك الدولي لنموذجه التشغيلي بالكامل من أجل تحسين النافذة، ثمة بعض الخطوات التي يمكن للبنك القيام بها لتحسين استجابته للاجئين:
- أولًا، يتوجب على البنك الدولي أن يضمن من الناحية العملية أن استثمارات النافذة تدعم البلدان التي تملك سجلًا حافلًا من الإصلاحات السياسات بما يدعم إدماج اللاجئين وحمايتهم، كما هو موضح في متطلبات الأهلية. على وجه الخصوص، ينبغي أن تركز موارد البنك على المشاريع التي تسمح للاجئين بالوصول إلى الأنظمة الوطنية والاعتماد على أنفسهم، بما يقلل من الحاجة إلى المساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ. يمكن للبنك الدولي تحقيق ذلك من خلال زيادة مستويات المنح إلى الدول التي تتبنى سياسات شاملة تجاه اللاجئين، مما يؤدي إلى تحفيز التنفيذ. يمكن للبنك الدولي أيضًا وضع سياسة واضحة حول قضايا الحماية لتحديد الإجراءات الحكومية التي تشكل انتهاكات واضحة لحقوق اللاجئين، بالإضافة إلى تنفيذ خطة عمل لمساءلة تلك الدول.
- ثانيًا، يجب على البنك الدولي المشاركة مباشرة مع المنظمات التي يقودها اللاجئون في وضع إطار مراجعة سياسة اللاجئين وتقييمات الحماية. حيث يجب عليه التعاون مع المنظمات المحلية التي يقودها اللاجئون لتقديم مدخلات تساهم في صياغة إطار مراجعة سياسة اللاجئين وأي تقييم آخر داخل البلد. إذ يمكن لهذه المنظمات المساعدة في توفير تحليل أكثر شمولًا لبيئة اللاجئين في البلدان التي يمولها البنك الدولي وأن تنبه إلى الخطر بشأن أي مسائل متعلقة بالحماية.
- ثالثًا، يجب على البنك الدولي اتباع نهج استباقي لتعزيز الشفافية وزيادة التنسيق مع الجهات الفاعلة في المجال الإنساني واللاجئين، من حيث الوصول إلى البيانات العامة حول مشاريع النافذة والمشاورات الدورية داخل البلد بين أصحاب المصلحة المشاركين في شؤون اللاجئين. وعلى وجه الخصوص يجب على البنك الدولي ضمان إشراك اللاجئين والمنظمات الإنسانية والمنظمات التي يقودها اللاجئون في مشاورات أصحاب المصلحة لاكتساب مرئيات أساسية توجّه أولويات استثمارات النافذة. ومن خلال التواصل بنشاط مع المنظمات الإنسانية والمنظمات التي يقودها اللاجئون وإشراكها في مشاورات أصحاب المصلحة، يمكن للبنك الدولي تحسين التنسيق مع الجهات الفاعلة الإنسانية وضمان سماع أصوات اللاجئين وتمثيلها في استثمارات النافذة.
- رابعًا، ينبغي على البنك الدولي أن ينظر في تعميم قضايا النزوح القسري في مختلف الفرق والممارسات، بما في ذلك زيادة عدد الموظفين المكرّسين للإشراف على الاستثمارات المتعلقة باللاجئين والتنسيق مع أصحاب المصلحة على المستوى القطري. وتجدر الإشارة إلى أن البنك الدولي يوظف حاليًا منسقين اثنين لشؤون اللاجئين ليس إلا. بالتالي، تدعو الحاجة إلى زيادة عدد الخبراء في مجال النزوح القسري لضمان التفاوض على استثمارات النافذة والتخطيط لها وتنفيذها بشكل صحيح. علاوة على ذلك، في حال عدم الاستفادة من خبرة اللاجئين، تخاطر المكاتب القطرية للبنك الدولي بفشل أي جهود تهدف إلى تحسين التنسيق مع منظمات المجتمع المدني التي يقودها اللاجئون والتي تعمل على الاستجابة للاجئين.
وفيما يستمر العالم بمواجهة تحديات النزوح المعقدة ونزوح أكثر من 100 مليون شخص، يجب إشراك أصحاب المصلحة المعنيين، بمن فيهم اللاجئين، في جميع الجهود الهادفة إلى دعمهم. والآن وأكثر من أي وقت مضى يُعدّ عمل البنك الدولي أساسيًا في الاستجابة لاحتياجات اللاجئين والمساهمة في تطوير نهج أكثر استدامة على المدى الطويل.
مارثا غيريرو بلي (Martha Guerrero Ble)
مناصرة حقوق، منظمة ريفيوجيز إنترناشنل (Refugees International)
mguerrero@refugeesinternational.org
X: @MarthaGBle
بهاتي كانيامانزا (Bahati Kanyamanza)
مدير الشراكات العالمية، المشروع الدولي لمساعدة اللاجئين (International Refugee Assistance Project)؛ مؤسس مشارك في منظمة كوبورواس (COBURWAS) الدولية لأجل الشباب لتحويل أفريقيا
bkanyamanza@refugeerights.org
X: BKanyamanza
[1] انظر ب. كانيامانزا وإ. أرنولد فرنانديز (2022) “التمثيل الهادف يبدأ من الأعلى: لاجئون في اللجنة التنفيذية لمفوضية الأمم المتحدة” (Meaningful representation starts at the top: refugees on UNHCR’s ExCom) نشرة الهجرة القسرية العدد 70 www.fmreview.org/issue70/kanyamanza-arnoldfernandez/
[2] انظر مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group) (2023) “لاجئو الروهينغا في بنغلاديش: الحد من الأضرار الناجمة عن أزمة مطولة” (Rohingya Refugees in Bangladesh: Limiting the Damage of a Protracted Crisis) bit.ly/Rohingya-protracted-crisis-report
[3] يمكن الاطلاع على دراسات أخرى حول فعالية النافذة، انظر مركز التنمية العالمية (Center for Global Development) (2024) “هل ستنجو نافذة المجتمعات المضيفة واللاجئين من عملية “تبسيط المؤسسة الدولية للتنمية”؟ (Will the Window for Host Communities and Refugees Survive “SimplifIDA”?) bit.ly/WHR-simplifida
[4]معهد التنمية الخارجية (2018) الوثيقة الأردنية: الدروس المستفادة والآثار المترتبة على الوثائق المتعلقة اللاجئين المستقبلية (The Jordan Compact: lessons learnt and implications for future refugee compacts ) bit.ly/jordan-compact-lessons
READ THE FULL ISSUE