Skip to content
تطبيق التحليل متعدد القطاعات على تمويل الاستجابة للنزوح القسري
  • بورفي ب. باتل وأديثيا براكاش
  • November 2024
فيضانات في نيو أورلينز بعد إعصار كاترينا. أيلول/سبتمبر 2005. حقوق الصورة: الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)/كلايمت فيجولز (Climate Visuals)

لا تزال المحادثات حول النزوح القسري تركز، في الكثير من الحالات، إما على المناخ وإما على الصراع. ولكن في الواقع، غالبًا ما ينتج هذا النزوح عن عوامل متعددة تتطلب انتهاج مقاربة تركز أكثر على التحليل من أجل تمويل الاستجابة للنزوح القسري.

مع ارتفاع عدد النازحين قسرًا، سعت الجهات الفاعلة الدولية إلى التأكيد على أهمية تأثير المناخ على النزوح واسع النطاق للسكان. وينعكس ذلك في آليات التمويل التي تتم إتاحتها للاستجابة للأزمات الإنسانية، مثل حساب العمل المناخي التابع للصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، وصندوق الأمم المتحدة للاستجابة للخسائر والأضرار الذي تم إطلاقه مؤخرًا. لكن التركيز الضيق على الصدمات المناخية لا يأخذ في الاعتبار العوامل المعقدة التي تساهم في النزوح القسري.

الروابط بين الصدمات المناخية والصراع

شدد بعض المناصرين البارزين على أهمية زيادة التمويل المتعلق بالمناخ ضمن الميزانيات الإنسانية الشاملة، معتبرين أن هذه الزيادة ضرورية لتوسيع نطاق المناقشات حول الهجرة القسرية، كي تشمل معالجة انعدام الأمن المناخي بدلًا من أن تركز حصرًا على نزوح السكان المرتبط بالصراعات. لكن هذا النموذج، الذي يضع المناخ من جهة والصراع من جهة أخرى، يمثل انقسامًا زائفًا. فعلى الرغم من أن الصدمات المناخية واسعة النطاق يمكن أن تساهم بالفعل في زعزعة استقرار منطقة ما، غالبًا ما تتداخل المناطق التي توصف بأنها الأكثر عرضة للتأثر بالمناخ مع المناطق الأكثر عرضة للتأثر بالصراع. وتشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن “…ما يقرب من ثلثي طالبي اللجوء واللاجئين النازحين حديثًا في عام 2022 ينتمون إلى 15 دولة معرضة بشدة للتأثر بتغيّر المناخ”.

يمكن أن يؤدي تغيّر المناخ، من خلال تأثيره على العوامل الدافعة للصراع، إلى تفاقم مخاطر الحماية الحالية التي تعاني منها المجتمعات النازحة، أو إلى توليد مخاطر جديدة. وقد يؤدي ذلك إلى نزوح ثانوي أو ثالث، حيث يتعرض المجتمع النازح أصلًا لمخاطر إضافية نتيجة صدمة مناخية. وبالرغم من أن الأبحاث أظهرت أنه لا يمكن استخلاص علاقة سببية مباشرة بين عوامل الصراع وعوامل المناخ، إلا أن هذين العامليَن الدافعَين غالبًا ما يتقاطعان في ديناميات النزوح القسري. وعادةً ما يكون أثر كل من هذين العاملَين على نزوح السكان، وطريقة تفاعلهم، مرتبطًا بالسياق ويعتمد بشكل كبير على الديناميات المحلية.

وتقر المفوضية بهذه الصلة، إذ تشرح كيف يمكن للاعتبارات المناخية أن تؤثر في التحليل التقليدي الذي يُنفذ لتحديد وضع اللاجئين، وكيف أنها تبيّن الحاجة إلى اعتماد أشكال قانونية أخرى من الحماية القانونية الدولية:

“لا توجد قواعد خاصة تحكم كيفية البت في طلبات اللجوء المتعلقة بالآثار السلبية لتغيّر المناخ والكوارث، لكن لا ينبغي أن يقتصر تقييم طلب الحصول على الحماية الدولية، وفق الأساليب التي تعتمدها سلطات اللجوء الوطنية، على حدث أو كارثة ناتجة عن تغيّر المناخ بصورة محدودة، باعتبارها مجرد مخاطر طبيعية أو مخاطر طبيعية في المقام الأول. إذ قد يؤدي حصر نطاق التركيز على هذا النحو إلى الفشل في التعرف على العناصر الاجتماعية والسياسية التي تساهم في تعميق آثار تغيّر المناخ أو آثار الكوارث، أو تتفاقم بسببها، وكيفية تفاعل هذه العناصر مع دوافع النزوح الأخرى، بما في ذلك الصراع أو التمييز.”

فوائد التحليل متعدد العوامل عند النظر في العوامل الدافعة للنزوح

في الحقيقة، ليس المناخ والصراع سوى عاملَين من بين العوامل المركّبة المتعددة التي تؤثر في بدء حركة النزوح القسري على نطاق واسع، ولكنهما عاملان غالبًا ما يتمتعان بأهمية كبيرة عند إجراء تحليل عام للعوامل الأساسية الكامنة وراء النزوح. وتشمل العوامل الأخرى التي تساهم في خطر النزوح المرتبط بالمناخ: عدم المساواة، والتوترات الاجتماعية، وضعف البنية التحتية، ومحدودية سبل العيش والوصول المحلي إلى الموارد، وملكية تلك الموارد، والتهميش القانوني/السياسي، وسحب الاستثمار السابق، وضعف الحوكمة، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية والافتقار إلى الإرادة السياسية لمعالجتها. بالتالي، يجب أن ينتقل تمويل النزوح القسري إلى نموذج متعدد العوامل، حيث ترتبط أهمية كل عامل بالسياق وكيفية تأثيره في قدرة المجتمعات المحلية على الصمود.

يبدو إجراء تحليل متعدد العوامل، للنظر في العوامل الدافعة للنزوح القسري، أمرًا منطقيًا وبديهيًا عند اعتبار السياقات في العالم الحقيقي، لأن وجود عامل وحده لا يكفي في كثير من الأحيان لإحداث نزوح جماعي طويل الأجل، فعلى سبيل المثال لا يؤدي حدث مناخي شديد وحده دائمًا إلى نزوح السكان.

دراسات حالة: كيف أثرت الصدمات المناخية على السكان في الهند والولايات المتحدة

يمكن أن تؤدي الأحداث المناخية الأوسع نطاقًا إلى نسبة نزوح أقل للسكان، إذا أثرت على مجتمعات تتمتع ببنية تحتية ومرونة اقتصادية جيدة، في حين يمكن أن تتسبب الصدمات الأصغر نطاقًا في زيادة نسبة نزوح السكان، إذا أصابت المجتمعات الفقيرة التي تعاني من ضعف البنية التحتية ومحدودية الوصول إلى سبل العيش والموارد، وهذا أمر يوضحه تحليل آثار الفيضانات في مناطق مختلفة من الهند.

حدثت فيضانات في كيرلا في الهند في عام 2018 بعد هطول 2,346 ملم من الأمطار، ما أثر على 5.4 مليون شخص (منهم 1.4 مليون نازح) وأسفر عن أضرار اقتصادية أكبر بكثير من فيضانات عام 2007 في بيهار (التي نتجت عن 83 ملم فقط من الأمطار)، والتي أدت إلى أضرار اقتصادية أقل لكن أثرت على 20 مليون شخص. من المحتمل أن يكون الضرر الاقتصادي الأقل الذي سُجل في ولاية بيهار متوافقًا مع انخفاض مستويات التنمية الاقتصادية قبل الفيضانات، وهو أمر من المرجح أن يكون قد ساهم أيضًا في تأثير الفيضانات على عدد أكبر بكثير من الناس.[1]

هذا ويمكن ملاحظة اختلافات في أثر الصدمات المناخية في المناطق الأكثر تقدمًا اقتصاديًا أيضًا. في الولايات المتحدة مثلًا، كان إعصار كاترينا إعصارًا من الفئة 3 عند وصوله إلى اليابسة في نيو أورلينز في عام 2005، وتسبب بتشريد أكثر من 250,000 من سكان نيو أورلينز. بالمقارنة، ضرب إعصار هارفي الأقوى من الفئة الرابعة هيوستن في عام 2017 وشرد 40,000 شخص فقط، علمًا أن العاصفتان تسببتا بأضرار تقدر بنحو 125 مليار دولار أمريكي في المتوسط.[2] ويعزى التفاوت في أعداد النازحين بين كاترينا وهارفي إلى حد كبير إلى التأهب للكوارث والبنية التحتية، حيث وسَّعت هيوستن تدابير مقاومة الفيضانات، بما في ذلك أنظمة حواجز الفيضانات (ضفاف الفيضانات) والجدران العالية لصد لفيضانات.

استخدام التحليل متعدد العوامل للتنبؤ بالنزوح

عندما تتداخل عدة صدمات، وتحصل بقوة كافية، فإنها تؤدي إلى نزوح يُكثف أنماط الهجرة الموجودة مسبقًا. وبالتالي فإن القوة الدافعة الحقيقية وراء الهجرة القسرية واسعة النطاق هي الافتقار إلى المرونة في وجه الوقع المشترك للعوامل المتعددة التي تؤثر، مجموعةً، على قدرة مجتمعٍ ما على البقاء في منازله. لذلك، يتمثل التحدي في التخطيط مسبقًا للنقطة التي تتفاقم عندها العوامل بما يكفي لتقويض المرونة وإجبار الناس على الانتقال. ويجب تعديل آليات التمويل لتتمكن من التخفيف أو الاستجابة بسرعة للعوامل التي تؤدي إلى النزوح على نطاق واسع.

تتمثل إحدى طرق تعزيز التحليل متعدد العوامل، في تطوير نماذج تنبؤية تعطي أهمية لعوامل مختلفة في السياق المحلي (التوترات المحلية وإمكانية التأثر بالمناخ والبنية التحتية المرنة والثروة والموارد على مستوى المجتمع والحوكمة القوية والفئات المهمشة وما إلى ذلك) من أجل تحديد احتمالية تسببها بالنزوح القسري في المستقبل، حيث يمكن ترجيح كل عامل وفقًا لأهميته أو احتماله في كل سياق.

بدأت بعض نماذج التحليلات التنبؤية الآن بالاتجاه نحو نهج مماثل، على الرغم من أن أهمية العوامل المتنوعة يمكن أن تختلف حسب تركيز الجهة الفاعلة. فعلى سبيل المثال يقوم نموذج fatalities002 للتنبؤ بالوفيات الناجمة عن الصراع ضمن نظام الإنذار المبكر بالعنف والآثار (Violence and Impacts Early-Warning System)، الذي طوره اتحاد أبحاث بقيادة جامعة أوبسالا ومعهد أبحاث السلام في أوسلو (Uppsala University and Peace Research Institute Oslo)، باستخدام السياق السياسي ومؤشرات الديمقراطية ومؤشرات التنمية والبيانات المناخية من بين المدخلات في النموذج. تقوم الوكالات الإنسانية أيضًا بتعديل تحليلها، فيتنبأ مشروع جيتسون (Jetson) التابع للمفوضية مثلًا بالنزوح القسري، ولدى برنامج الأغذية العالمي نموذج للتنبؤ بانعدام الأمن الغذائي، ونشر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر نموذج تمويل يقوم على التنبؤ للسماح بالاستجابة السريعة المبكرة لنشر الموارد. ويمكن تعميم هذه الأنواع من الجهود أو الأدوات في جميع مناطق ومستويات التنفيذ، لا سيما على المستوى الميداني.

يجب أن يدفع التحليل متعدد العوامل أيضًا الجهات الفاعلة الإنسانية إلى العمل بفعالية أكبر في المجالات التي تتداخل فيها جهود التطوير والعمل الإنساني، وبالأخص إذا كان التحليل المنسق قادرًا على مساعدة الوكالات الإنسانية على تخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية والاستعداد مسبقًا للاستجابة المحتملة للكوارث. كما يمكن أن يساعد تحسين التنسيق بين الجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية في تقليل خطر نزوح المجتمعات للمرة الثانية أو الثالثة.

سبيل المضي قدمًا

من شأن اعتماد نهج التحليل متعدد العوامل أن يؤثر على التمويل المتاح للاستجابة الطارئة للنزوح القسري. ويجب أن يكون التنسيق والتمويل مرنَين بما فيه الكفاية لتحديد الأسباب الجذرية والاستجابة لها، سواء كتدبير وقائي أو عند نشوب أزمة، بطريقة تحول دون العزل بين مختلف البرامج الإنسانية والإنمائية. كما يمكن لآليات التمويل الموجودة مسبقًا، مثل الصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ، معالجة هذه المشكلة من خلال تجميع الأموال المخصصة للاحتياجات الإنسانية والإنمائية بهدف التعامل مع استجابات النزوح.

يتمثل الاقتراح الثاني في إنشاء نموذج لإدارة المخاطر يدمج إطار التحليل متعدد العوامل للتنبؤ بأزمات النزوح. ويمكن التعبير عن عوامل مثل قابلية التأثر بالمناخ، واحتمالية وقوع الصراع، والعوامل السياقية الأخرى، على شكل مقاييس موحّدة لتوجيه استخدام الموارد بكفاءة. في حين أنه يتم طلب تمويل الاستجابة لحالات الطوارئ الإنسانية عادةً عند حدوث نزوح جماعي للسكان، من شأن السماح باستخدام أموال التنمية للاستجابة إلى الأزمات أن يؤكد صراحة على حقيقة أن البنية التحتية الضعيفة، وخيارات سبل العيش المحدودة، هي بحد ذاتها عوامل مساهمة كبيرة في نزوح السكان الجماعي.

وتكتسي آليات هذا التمويل أهمية أيضًا. تستهدف بعض صناديق المناخ في قطاع التنمية تطوير الأعمال التجارية الهادفة للربح، أو تأتي في شكل قروض يجب سدادها. وبحسب كيفية صياغة الشروط أو تنفيذها، يمكن أن تتسبب بإثقال كاهل المجتمعات بالديون بطريقة تزيد من إعاقة الانتعاش. لذلك، أدخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فترات إيقاف مؤقتة للديون إلى عمليات السداد وغيرها من عمليات الإعفاء في بعض هذه الحالات. وتعمل بعض صناديق التنمية المتعلقة بالمناخ على تقديم منح، حيث إن صناديق المناخ الكندية للبلدان النامية، والصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها التابع للبنك الدولي (Global Facility for Disaster Risk Reduction and Recovery)، والصندوق الخاص لتغير المناخ التابع لمرفق البيئة العالمية (Global Environment Facility)، وصندوق التكيف (Adaptation Fund) التابع للأمم المتحدة، تقدم جميعها منحًا للتكيف مع آثار تغيّر المناخ والتخفيف منها والحد من مخاطر الكوارث، وهي مجالات عمل تهدف (من الناحية النظرية) أيضًا إلى التطرق إلى المخاوف المتعلقة بالنزوح الجماعي المحتمل للسكان. لكن المنح بحد ذاتها محدودة، وعلى عكس القروض ذات شروط السداد المواتية، قد تنتهي المنح بعد الدفعة الأولية من دون تجديدها لتقديم دعم إضافي في المستقبل. ويُعدّ التنسيق بين القطاعين التنموي والإنساني أمرًا ضروريًا لتحديد أفضل الحلول لكل سياق.

وفي حين تفصل بعض الخطوط الواضحة بين أنواع الأنشطة التي ينبغي أن يمولها، ويمولها بالفعل، قطاع الاستجابة الإنسانية مقابل قطاع التنمية الدولية، تتلاشى هذه الخطوط أكثر فأكثر مع تزايد أعداد الأفراد النازحين قسرًا في جميع أنحاء العالم. وفي هذا السياق، يجب الأخذ في الاعتبار أن تحليل النزوح القسري، وحشد التمويل المخصص للاستجابة إليه، هما مسؤولية مشتركة تجمع بين قطاعات متعددة.

 

بورفي ب. باتل
زميلة زائرة لشؤون النزوح والهجرة المناخية، غيتواي هاوس (Gateway House): المجلس الهندي للعلاقات العالمية، الهند
زميلة الشؤون الدولية في الهند، مجلس العلاقات الخارجية، الولايات المتحدة الأمريكية
linkedin.com/in/purvippatel

أديثيا براكاش
مساعد باحث، غيتواي هاوس (Gateway House): المجلس الهندي للعلاقات العالمية، الهند
linkedin.com/in/adithya-prakash-a6054a217/

 

[1] ليس هطول الأمطار في حد ذاته مقياسًا مثاليًا، حيث إن العديد من العوامل الأخرى، مثل التضاريس والتشبع الأرضي مسبقًا وفشل السدود وحواجز الفيضانات وما إلى ذلك، يمكن أن يؤثر أيضًا على نشوء الفيضانات الشديدة. لكن لا يتوفر حتى الآن مقياس موحّد لشدة الفيضانات يمكن مقارنته بالكوارث الطبيعية الأخرى مثل الأعاصير والزلازل.

[2] ذا داتا سينتر (The Data Center) (2016): “حقائق الخصائص: أثر كاترينا” (Facts for Features: Katrina Impact)  bit.ly/katrina-data

READ THE FULL ISSUE
DONATESUBSCRIBE