Skip to content
فقدان أهلية اللجوء لمن لم يعد طفلاً: من المملكة المتحدة إلى أفغانستان

وصل محب الله المملكة المتحدة غير مصحوب ببالغين وهو في الثالثة عشرة من عمره طالباً للجوء على أمل أن يجد سبيلاً أفضل للتخلص من النِّزاع والفقر الذين عمَّا أفغانستان[i]. فبعد رحلة استغرقت ثمانية عشر شهراً، وصل محب الله إلى المملكة المتحدة وبنى علاقات الصداقة وبدأ بشق حياته ومستقبله. لكنَّه عندما وصل سن البلوغ وأصبح عمره 18 عاماً، أُخبر أنَّه لم يعد له حق في البقاء في المملكة المتحدة وهكذا أعيد قسراً إلى أفغانستان.

وبعد أن وصل محب الله إلى كابل، تواصل مع إحدى فرق كوادرنا ممن قدموا له الدعم عندما كان في المملكة المتحدة فأرسل لنا رسالة نصية يقول فيها: "أنا في كابل. لا أعرف أين أذهب. هل أستطيع أن أعثر على أحد مثلكم هنا؟ هلا ساعدتموني؟" ومن هنا، بدأت شبكة دعم اللاَّجئين بإجراء بحث للوقوف على ما يحدث بعد الترحيل القسري لليافعين ممن قضوا سنواتهم التأسيسية في نظام الرعاية في المملكة المتحدة بصفتهم طالبي لجوء أطفال غير مصحوبين ببالغين.[ii]

وفي عام 2011، تقدم 1168 قاصر غير مصحوبين ببالغين بطلبات للجوء في المملكة المتحدة، وكانت أفغانستان البلد الأصلية لمعظمهم. ووفقاً للقوانين الدولية والمحلية، يُحظَر على المملكة المتحدة أن تعيد اللاَّجئين الأطفال إلى بلدانهم الأصلية ما لم تقدم لهم تسهيلات استقبال كافية لإعادتهم إليها. فقد نصَّت لجنة حقوق الطفل على أنَّه لا يجوز إعادة الطفل إلى بلده الأصلي إذا كان هناك ثمة خطر "معقول" يترتب على العودة ويحتمل أن يتسبب في انتهاك الحقوق الإنسانية الأساسية للطفل.

قد يُمنح القاصرون غير المصاحبين ببالغين إذناً تقديرياً بالبقاء لثلاث سنوات أو إلى حين بلوغ سن السابعة عشر ونصف أيهما أولاً. وعند انتهاء مدة الإذن، يحق لهم وقتها التقدم بطلب لتمديد الإذن بالبقاء، لكنَّ الواقع يشير إلى أنَّ قلة من طلبات التمديد تلك تُقبل بما يعني أنَّ الغالبية العظمى تواجه احتمالية الاحتجاز والإعادة القسرية إلى بلدانهم الأصلية عند وصولهم سن الثامنة عشر أو عندما يتوقف اعتبارهم على أنهم أطفال.

وخلال الأشهر الثماني عشرة الماضية، تعقّبنا اليافعين الذين أُعيدوا إلى كابل رغم إرادتهم وأجرينا المقابلات مع المهنيين العاملين مع العائدين اليافعين في كابول، وقدمنا الدعم لليافعين الذين واجهوا في المملكة المتحدة احتمال الإعادة القسرية إلى أفغانستان. وإثر ذلك، تبين لنا وجود الصعوبات الرئيسية التالية أمام اليافعين المعادين قسراً إلى بلادهم وتتضمن تلك الصعوبات ما يلي:

صعوبات في إعادة الاقتران بالشبكات الأسرية: فجميع اليافعين الذين أعيدوا إلى أفغانستان كانوا مديونين؛ فقد دفعت أسرهم ما يصل معدله إلى 10000 دولار أمريكي عن الشخص الواحد للمهربين لقاء تهريب أبنائهم إلى المملكة المتحدة. وذكر العائدون اليافعون أنَّهم يخشون العودة خاوين الوفاض وأنَّ شعوراً بالعار يغمرهم لعدم قدرتهم على سداد الديون. وقد شرح لنا أحد المهنيين الأفغان الوضع قائلاً: "أعرف ولداً أفغانياً وصل إلى المملكة المتحدة قاصراً ثم أعيد إلى أفغانستان. وكان أبوه قد باع بيته من قبل لتأمين سفر ولده، والآن ها هو الولد قد عاد خاوي الوفاض. من المهم أن نفهم كيف تجري الأمور في أفغانستان. ففي بلدي إذا كان للوالد بيت ثم مات، يرثه أولاده. وهذا يعني أن بيع الأب للبيت لمصلحة ولد واحد يعني السعي وراء تأمين سفر الولد إلى لندن وأنَّ أخوته وأخواته ينتظرون أن يرسل لهم المال لكي يتزوجوا به ويدبروا أمورهم. وعودته بخفي حنين ستثير غضبهم جميعاً من منطلق أنه لم يفعل لأسرته أي شيء."

الأثر النفسي والاجتماعي لانعدام الأمن والفقر في أفغانستان: تعم في أفغانستان حالة موثقة جيداً من الانفلات الأمني والفقر الحاد. لكنَّ البحوث لم تتطرق بالقدر نفسه إلى أثر الإعادة الفجائية للشخص إلى تلك الظروف بعد أن عاش حياته التأسيسية لسنوات عدة في مجتمع مسالم موسر. وجميع الأولاد الذين تعقبناهم عانوا من القلق والاكتئاب، بل إنَّ أحدهم عانى من نوبات من الذعر في حين هدد آخر بالانتحار.

غياب فرص التعليم والتوظيف: غالباً ما يصف طالبو اللجوء اليافعون في المملكة المتحدة النظام التعليمي على أنَّه من أكثر الأمور إيجابية وأهمية في حياتهم، ويعبرون عن قلقهم من اضطرارهم لاستكمال تعليمهم والحصول على الوظائف إذا ما أُجبروا على العودة إلى أفغانستان. وفي سياق ارتفاع معدلات البطالة وندرة الفرص، يواجه العائدون مشكلتين خاصتين إضافيتين، هما: غياب السجلات المدرسية المناسبة وانخفاض معدلات محو الأمية بلهجتي داري أو باشتو. فقد قال أحد المهنيين الأفغان: " يعود لنا [الأولاد] وقد تعلموا شيئاً من اللغة الإنجليزية (المستوى الأساسي الجيد غالباً وكثير من اللهجة العامية) لكنهم لا يتقنون أياً من اللهجتين المحليتين داري أو باشتو فأنَّى لهم أن يحصلوا على عمل في مكان جيد؟"

وسم العائدين "بالتغريب" – الواقع والمتصور: عانى ربع الأولاد الذين تعقبناهم من الأذى أو من الصعوبات نتيجة النظر إليهم على أنهم "أجانب مُستَغرَبين". وتعرض بعضهم للسرقة نتيجة شيوع التصور بأنَّ عودتهم من أوروبا تعني أنَّ معهم كثير من المال. وقد اختُطف أحد الأولاد لأجل الفدية فاضطر الأهل إلى بيع مزيد من الأراضي لدفع الفدية. أما البعض الآخر فواجه صعوبات لاعتبار الناس لهم على أنهم متراخون في ممارسة شعائرهم الدينية الإسلامية.

الهجرة مجدداً: أكثر من نصف عدد الأطفال الذين تعقبناهم في الدراسة سعوا إلى الهجرة مجدداً وغالباً ما كان ذلك من خلال اللجوء إلى أساليب خطرة. وتمكن بعضهم من الوصول إلى اليونان أو تركيا قبل إعادتهم قسراً إلى أفغانستان مجدداً.

يبدو أنَّ هناك مسألتين اثنتين تفاقمان من تلك التحديات. أولاهما، أنَ القاصرين غير المصحوبين ببالغين في المملكة المتحدة يُنظر إليهم على أنهم أطفال يحتاجون الرعاية في وقت ما، لكنهم بمجرد البلوغ يصبحون تلقائياً طالبي لجوء مرفوضة طلباتهم ولا يتمتعون إلا بقدر محدود جداً من الحقوق. وهذا الانتقال المفاجئ له أثر سلبي على الصحة العقلية لليافعين الذين يجدون أنفسهم وحيدين دون دعم يُذكر في واحدة من أكثر المراحل غموضاً وإخافة في رحلة هجرتهم. وثانياً، لقد بدا جلياً قبل أي وقت مضى غياب الروابط الفعالة الكافية بين اللاَّجئين المركزين على المملكة المتحدة وقطاع دعم اللجوء والقطاع الإنمائي الدولي. وهذا يعني أن غالبية الكوادر التي تبقى في المملكة المتحدة على تواصل مع العائدين اليافعين يفتقرون إلى أدنى المعرفة اللازمة عن الأوضاع والسياقات التي يجد اليافعون أنفسهم فيها أو بالمنظمات التي يمكنها أن تساعدهم. ونتيجة لذلك، لا يوجد إلا قليل من الدعم المتاح للعائدين قسراً فور مغادرتهم المملكة المتحدة بل إنهم يُتركون وحيدين تماماً لحماية أنفسهم بأنفسهم.

واستجابة لتلك القضايا وللطلبات المتكررة التي قدمها اليافعون العائدون إلى كابل، أطلقنا في شهر فبراير/شباط 2013 برنامجاً جديداً باسم "يافعون في طور الانتقال"[iii] وفي هذا البرنامج، نعتمد على خبرة كوادرنا في الاستجابة الدولية والإنمائية/الطارئة وقطاعات دعم اللاَّجئين للتأكد من أنَّ اليافعين المواجهين للتسفير لن يكونوا بعد الآن متروكين على غير هدى. ونحن نعمل الآن على مساعدتهم لكي يستكشفوا جميع الطرق المتحملة التي تسمح لهم بالبقاء في المملكة المتحدة وبتوفير شبكة الأمان لدعمهم في حالة انتهى المطاف بهم بالعودة القسرية.

كما أننا ندرك أيضاً ضرورة توافر المعلومات الأفضل والأكثر موثوقية حول ما يحدث للمرحلين قسراً من اليافعين. وقد التزمنا أن نعمل خلال السنوات القادمة على توثيق النتائج الحقيقية والدقيقة المتعلقة بجميع اليافعين الذين نعمل معهم، بما في ذلك الدرجة التي يسعى بها اليافعون العائدون إلى الهجرة من جديد. ونأمل أن تساهم تلك المعلومات في بناء عدد حيوي من الأدلة والبينات لتحسين الفهم الجماعي للمخاطر والفرص الحقيقية التي يواجهها اليافعون إذا أُعيدوا إلى بلادهم فذلك سيساعد في إثراء عملية صناعة القرارات و"تقرير المصلحة الفضلى" لليافعين المتقدمين بطلبات لتمديد الإذن التقديري بالبقاء عند بلوغهم سن السابعة عشرة والنصف.

كاثرين غلادويل cgladwell@refugeesupportnetwork.org مديرة شبكة دعم اللاَّجئين www.refugeesupportnetwork.org ومستشارة لشؤون التعليم في حالات الطوارئ والهجرة القسرية لدى شركة جيغسو للاستشارات.



[i] ليس الاسم الحقيقي.

[ii] انظر Catherine Gladwell and Hannah ElwynBroken Futures: Young Afghans in the UK and on return to their country of origin’

(مستقبلات محطّمة: اليافعون الأفغان في المملكة المتحدة ووضعهم عند العودة إلى بلداهم الأصلية)

http://tinyurl.com/RSN-Broken-Futures-2012

[iii] ww.refugeesupportnetwork.org/content/youth-on-the-move

 

 

DONATESUBSCRIBE