تبيّن دراسة أجرتها المفوضية الأوروبية عام 2011 أنَّ معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي المشاركين في الدراسة يرصدون مراحل ما قبل الترحيل لكن نسبة من يرصد ما بعد الترحيل لا تتجاوز 13%. [i] وسبب أهمية الرصد ما بعد الترحيل أنه يمكّن من حماية الأفراد وكشف الثغرات في منظومات اللجوء الوطنية. وفي المقابل، هناك دراسة أخرى بعنوان "العودة الآمنة" (Safe Return) أجرتها المفوضية المستقلة للجوء وهيئة الحدود البريطانية عام 2008، تقول: "نحن لا نمارس الرصد ولسنا نشطين في رصد الأفراد العائدين بعد ترحيلهم: بل نعتقد أنَّ الطريق الأمثل لتجنب سوء المعاملة تكمن في التأكد من أننا لن نعيد الأفراد الذين يواجهون أخطاراً حقيقية، وليس من خلال إجراء الرصد عليهم بعد عودتهم." ومع ذلك، تشير البحوث إلى أنَّ ربع قرارات رفض اللجوء تُردُّ بعد الطعن بها. [ii]
للرصد ما بعد الترحيل القدرة على تسليط الضوء على النواحي التي رُفض لأجلها على سبيل الخطأ منح اللجوء لأشخاص يواجهون فعلياً خوفاً مبرراً من الملاحقة ثم أعيدوا إلى البلاد التي أتوا منها. وإضافة إلى ذلك، بمقدور المحامين استخدام التقارير المنشورة الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان بعد الترحيل بوصفها أداة إستراتيجية في التقاضي وفي تثبيت السوابق القضائية، وهي أداة مفيدة أيضاً للناشطين وللمنظمات التي تحشد مجموعات الضغط بهدف تحسين إجراءات اللجوء. والأهم من ذلك أنَّ المنظمات العاملة في البلدان المستقبلة التي ترصد وصول طالبي اللجوء المرفوضين ستكون ذات قدرة أفضل ليسفي عرض المساعدة فحسب بل في إنقاذ حياة الناس أيضاً.
وبناءً على التوصيات التي اقترحتها الدراسة، ينبغي للراصدين أن:
- يلحظوا التفاعلات بين المسؤولين والعائدين
- يتمكنوا من التواصل مع المرحَّلين
- يتحققوا من ظروف الاحتجاز وأماكن الانتظار
- يتحققوا من ملفات العائدين
- ينشروا النتائج ويسلطوا الضوء على أي حالة من حالات إساءة المعاملة إن وُجدت
وأشارت الدراسة إلى أنَّ 61% من الدول الأعضاء المشاركة في الدراسة إما تُطبق نظاماً أو تخطط لتطبيق نظام ما وأنَّ معظم تلك النُظم "تحتوي على عناصر تضاهي المعايير [التوصيات المذكورة آنفاً]"
لكنَّ غياب آليات ممنهجة تدعمها الدولة في رصد ما بعد الترحيل ألقى المسؤولية على عاتق منظمات المجتمع المدني في الدول المرحِّلة والمستقبلة على حد سواء، منها مجموعة دعم المحتجزين في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، التي تأسست عام 2006 بغرض زيارة المحتجزين ودعمهم والحشد لزيادة الضغط لإنهاء استخدام منهجية احتجاز المهاجرين. [iii] ومن أمثلة الأعمال التي تتولاها تلك المنظمة بهدف المحافظة على الاتصال مع طالبي اللجوء المرحلين قضية أحد مراجعيها ممن رُحِّلوا على متن طائرة عارضة من المملكة المتحدة إلى جنوب شرق آسيا. وكان ذلك الشخص ينتمي إلى أقلية دينية وتعرض إثر ذلك إلى عدة اعتداءات في بلده فسعى إلى اللجوء في المملكة المتحدة التي رفضت طلبه. وبما أنه كان محتجزاً ولم يحظ بمن يترافع عنه، لم يتمكن من تقديم الإثباتات اللازمة المؤيدة لمزاعمه. وهكذا، رُفض طلبه باللجوء ثم رُّحل من البلاد. وعندما وصل إلى بلده الأًصلي، تعرض للاعتداء مجدداً وعاش حياة مليئة بالرعب من تعرض عائلته للاعتداء أيضاً. فاضطر إلى الهرب من بلاده مجدداً.
في هذا المثال، تمكنت مجموعة دعم المحتجزين من البقاء على اتصال مع ذلك الشخص لكنَّ الأمر لم يكن كذلك دائماً مع غيرهم. وبهذا الصدد، يشرح لنا الناطق الرسمي للمجموعة سبب صعوبة البقاء على اتصال بالمرحَّلين قائلاً "لقد صودرت هواتف [المرحلين] أثناء احتجازهم أو لم يكن لديهم رصيد ولا مال لإجراء الاتصال لدى عودتهم. وكثير منهم ليسوا مستعدين كفاية لترحيلهم لأنهم لم يتوقعوا الترحيل أصلاً فضلاً عن ضياع الأرقام وعناوين البريد الإلكتروني التي كتبت على عجل في مزق من الأوراق ما يجعلنا غير قادرين على التواصل معهم مجدداً ولا سبيل أمامنا لاستعادة سبل التواصل معهم."
وهناك كاثرين راموس (منظمة العدالة أولاً) التي سافرت إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية للتحقق مما حدث لطالبي اللجوء المرفوضين ممن رُحِّلوا من المملكة المتحدة. وفي تقريرها "عودة غير مأمونة: الإعادة القسرية لطالبي اللجوء الكونغوليين" (Unsafe Return: Refoulement of Congolese Asylum Seekers) وثَّقت تعرض طالبي اللجوء الكونغوليين للاعتقال والتعذيب أثناء عودتهم. وغالباً ما كان التقدم لطلب اللجوء ذاته هو الذي وضع المرحَّلين في خطر. فقد علم أحد الأفراد، على سبيل المثال، من ضابط الأمن أنهم عليهم اعتقاله "من حيث المبدأ" لأنه ذهب إلى بلد آخر وادعى هناك "أنَّنا لا نحترم حقوق الإنسان هنا [أي في جمهورية الكونغو الديمقراطية]." [iv]
"عندما نصل كنشاسا، تعتقلنا الشرطة وضباط الهجرة. كنا وقتها في وضع مزر للغاية بعد رحلة العذاب الطويلة تلك. لقد وضعونا في مكان استُخدم للاحتجاز…لم يكن باستطاعة الأطفال تحمل ذلك فتعرضوا للجفاف والصدمة النفسية" (عائد كونغولي)
وهناك بعض المنظمات في البلدان المستقبلة تسعى لرصد وضع طالبي اللجوء المرفوضين بعد ترحيلهم. فمشروع قانون اللاجئين في كامبالا يستضيف برنامجاً لتلقي طالبي اللجوء المرفوضين المرحَّلين ودعمهم. وفي الكاميرون، تسعى منظمة "الحقوق للجميع" إلى توفير تلك المساعدات لكنّها واجهت صعوبات في سبيل ذلك. فقد أشار المتحدث الرسمي باسمهم إلى أنَّ المحاولات الأربع الأخيرة في نقل المرحَّلين من المطار قد أخفقت لأنَّ السلطات الكاميرونية ببساطة أنكرت وجود المرحلين على متن الرحلات التي ذكرتها المنظمات في البلدان المرحِّلة. [v]
شبكة رصد ما بعد الترحيل
تأسست شبكة رصد ما بعد الترحيل في عام 2012 على يد برنامج لاجئي فاهامو بهدف تمكين المنظمات في بلدان الترحيل والاستقبال من التواصل بعضها مع بعض وتحسين تبادل المعلومات وجمع البيانات حول انتهاكات حقوق الإنسان في مرحلة ما بعد الترحيل. [vi]
وقد استُخدمت الشبكة مؤخراً لتنبيه مشروع قانون اللاجئين في كامبالا بشأن المرحلين الواصلين إلى مطار عنتيبي لتمكين كوادر المشروع من الذهاب إلى المطار وأخذ المرحلين وتقديم المشورة القانونية والدعم النفسي لهم. لكنّ المعلومات حول الترحيلات الآنية غالباً ما تصل في اللحظة الأخيرة ما يجعل التفاعل مع الحدث صعباً على المنظمات في البلدان المستقبلة. وإضافة إلى ذلك، قد يؤدي مساعدة طالبي اللجوء المرفوضين والمرحلين في البلدان المستقبلة إلى ظهور مخاطر أمنية على الأعضاء المحليين للشبكة.
ومع ذلك، قد يكون للأدلة المجموعة من خلال الرصد قدرة على إحداث الفرق والتغيير. فالمعلومات المتعلقة بإساءة ما بعد الترحيل في أريتيريا والمعلن عنها في تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2009 بعنوان: أريتريا: يُرسلون إلى بلادهم حيث الاحتجاز والتعذيب (Eritrea: Sent Home to Detention and Torture) ساعدت في تعليق عمليات الترحيل إلى أريتريا. [vii] وفي وقت أكثر حداثة، كان لتقرير كاثرين راموس أثر في إطلاق بعثة لتقصي الحقائق في خدمات معلومات الدول الأصلية في هيئة الحدود البريطانية كما استخدم المحامون ذلك التقرير في محاولاتهم للحصول على أوامر قضائية ضد الترحيل.
ويعمل مشروع حقوق الإنسان في مرحلة ما بعد الترحيل في جامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية على تأسيس اتفاقية لحقوق المرحلين التي ستساهم في حماية جميع المرحلين بمن فيهم طالبي اللجوء المرفوضين. [viii] ومن الضروري توفير نظام مستقل وممنهج للرصد لضمان حماية اللاجئين في نظام قضائي يعاني من الثغرات ونقص في الكوادر والتمويل. وفي غضون ذلك، يبقى رصد ما بعد الترحيل معتمداً على الأفراد المخلصين ومنظمات المجتمع المدني الصغيرة.
ليانا بوديشفا وفريديريكا فيتير مديران مشاركان لشبكة رصد ما بعد الترحيل ويمكن الاتصال بهما على العنوان التالي failedasylumseekersdeportation@gmail.com
[i] المديرية العامة للعدالة، المفوضية الأوروبية، الحرية والأمن "دراسة مقارنة حول الممارسات الفضلى في مجال رصد العودة القسرية"
(‘Comparative Study on Best Practices in the Field of Forced Return Monitoring’)
، نوفمبر/تشرين الثاني 2011، http://tinyurl.com/EC-forced-return-monitoring
[ii] مجلس اللاَّجئين "بين المطرقة والسندان: المعضلة التي تواجه طالبي اللجوء المرفوضين"
(Between a rock and a hard place: the dilemma facing refused asylum seekers’)
ديسمبر/كانون الأول 2012.
[iii] http://soasdetaineesupport.wordpress.com/