ما قد يبدو أنَّه عنف عام أو لا يستثني أحداً في سوريا إنما هو في واقع الحال يستهدف فئات معينة بحد ذاتها على أساس الرأي السياسي، أو بمعنى آخر، على فرض دعم تلك الفئات المتصور لأحد أطراف النِّزاع. ولا يمكن اعتبار هذا العنف على أنه عشوائي إلا من ناحية أنه لا يفرق بين الأهداف العسكرية والمدنيين والعناصر المدنية. وبناء على هذه النتائج، تَعدُّ مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين السوريين عرضة لخطر الاضطهاد بسبب اتهامهم بتبني رأي سياسي ما ويُبنى هذا الاتهام على حسب الجهة التي تفرض أو فرضت سيطرتها على الحي أو القرية أو المدينة التي اعتاد الأشخاص المعنيين على العيش فيها أو حسب انتماءاتهم الدينية المرتبطة أو المتصور ارتباطها بأحد أطراف النِّزاع[i].
فعلى سبيل المثال، أصدرت محكمة استئناف اللجوء في بلجيكا قراراً مؤخراً ردَّت فيه قرار محكمة البداية التي قضت بعدم منح امرأة سورية من مدينة سقبا في ريف دمشق إلا صفة الحماية الثانوية. وبدلاً من ذلك، اعتُرِف بالمرأة على أنها لاجئة بناء على نتائج توصلت إليها المحكمة مفادها أنَّ مدينة سقبا تخضع لسيطرة قوى المعارضة المسلحة وأنَّ جميع المقيمين فيها كان يُنظَر إليهم على أنَّهم داعمين لتلك الجماعات المسلحة، الأمر الذي جعل المدينة عرضة لاعتداءات مستمرة ومتكررة من القوات الحكومية بما في ذلك القصف الجوي والاعتداءات بالأسلحة الكيميائية.
وعليه، يختلف فهم "من" يجب أن يُعدَّ من "المعارضة" أو من "أتباع النظام" في سوريا باختلاف تفسيرات الأطراف في النزاع لذلك. وتشير تقارير البعثة الدولية المستقلة للاستقصاء[ii] ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة إلى معلومات مستفيضة وموثقة حول تعرض الأشخاص الذين يعارضون الحكومة أو يُتصور أنَّهم يعارضون الحكومة إلى الاعتقال التعسفي وسلب الحرية مع منع التواصل مع العالم الخارجي والتعذيب والإعدام خارج إطار القضاء دون السماح للشخص بالدفاع عن نفسه. وبالمثل، وثَّقت التقارير أنَّ هناك مدنيين يدعمون الحكومة أو يُتصوَّر أنهم يدعمون الحكومة وعلى ضوء ذلك تعرضوا لعدد متنوع من انتهاكات حقوق الإنسان على يد جماعات المعارضة المسلحة رغم أنَّ ذلك لم يكن على النطاق ذاته كما في الحالة السابقة. والأكثر من ذلك أن على ما يبدو هناك ما يتجاوز استهداف المعارضين المعروفين ذلك أنَّ الرأي السياسي المعارض قد يُنسب أيضاً إلى الارتباط بمجموعة من الأشخاص، ويتضمن ذلك على سبيل المثال أفراد الأسرة.
بل على نحو أوسع نطاقاً، يتضمن ذلك أحياء برمتها وقرى ومدناً ممن تعرضت للاستهداف بسبب الارتباط. وهكذا، شنَّت القوى الحكومية والموالية للحكومة حملات عسكرية على مناطق بأكملها ممن كان مقاتلو المعارضة المسلحة موجودين فيها أو إذا كانت تلك المناطق شهدت مظاهرات مناوئة للحكومة. وغالباً ما صاحب تلك الحملات إعدامات ميدانية للرجال والنساء والأطفال والاعتقالات الجماعية والسلب والنهب وتدمير الممتلكات. وعلى نحو متزايد، مع سقوط مناطق كاملة تحت سيطرة قوات المعارضة المسلَّحة، فقد دأبت الحكومة السورية، وفقاً للتقارير المتواترة، على إخضاع تلك المواقع إلى القصف المدفعي الكثيف والغارات الجوية وغالباً باستخدام أسلحة غير دقيقة الهدف مثل "البراميل المتفجرة" والذخائر العنقودية. وكذلك فُرِضَ على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة تحت حصارات خانقة. أما القناصة المرابطين في مواقعهم عند المعابر فتشير التقارير إلى أنَّهم استهدفوا كل من يسعى إلى مغادرة المناطق المحاصرة أو الدخول إليها دون إذن من حواجز السيطرة الحكومية. وتشير التقارير أيضاً أنَّ الأشخاص الذين يغادرون المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة يجدون أنفسهم في خطر الاعتقال أو الاحتجاز والإساءة لا لشيء إلا على أساس أصلهم وفقاً لما تشير إليه بطاقاتهم الشخصية.
وبالمثل، تشير التقارير إلى أنَّ الجماعات المسلحة كثيراً ما تعد المناطق التي تسيطر الحكومة عليها على أنها مناطق موالية للحكومة فتستهدف تلك المناطق بسكانها عشوائياً بقذائف الهاون غير دقيقة الهدف والصواريخ ونيران بنادق القناصة والمتفجرات الارتجالية والحملات العسكرية وقطع الكهرباء والماء والغذاء والمساعدات الطبية عنها. وغالباً ما يُفسّر مصطلح "موالي للحكومة" تفسيراً فضفاضاً ليتضمن المناطق التي فيها منشآت حكومية عسكرية أو أفراد عسكريون حكوميون ويقيم فيها سكان يُنظر إليهم على أنهم موالون للحكومة ومؤيدون لها وكل ذلك على أساس التركيبة الدينية للسكان أو الارتباط المتصوَّر لهؤلاء السكان بالحكومة علماً أنَّ ذلك الارتباط لا يُبنى تصوره إلى على مجرد الوجود المادي للمدنيين في الأحياء أو القرى أو المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
ويُبنى هذا التصور حول المعارضة ضد "الجانب الآخر" أو الموالاة له على أساس لا يتعدى وجود المدنيين المادي أو تأصلهم في الأحياء أو القرى الخاضعة حالياً أو سابقاً لسيطرة جماعات المعارضة المسلحة أو الحكومة نفسها. وهذا ما يجعل المدنيين في مثل هذه المناطق معرضين لخطر الاضطهاد بسبب تصور ارتباطهم بالمعارضة أو تصور موالاتهم للحكومة. وحقيقة الأمر أنَّ خطر تعرضهم للأذى أمر في منتهى الجدية ولا يمكن إغفاله لمجرد عدم تعرضهم للاستهداف أو الأذى فردياً.
وهذا يجعل الشخص الذي تعتقله الحكومة وتعذبه أو الواقع تحت خطر تلك المعاملة للمشاركة في مظاهرة مناوئة للحكومة أو الشخص المختطف أو المعرض لخطر الإعدام على يد جماعة من المعارضة المسلحة على أساس التصور بأنه/بأنها يدعم/تدعم الحكومة، يستوفي معايير اللجوء المنصوص عليها في اتفاقية 1951 وينبغي بذلك منحه صفة اللجوء. ومع كل ذلك، يُلاحَظ أنَّه لا يوجد إقرار كاف بأنَّ الفرد يمكنه أن يستوفي شروط اللاجئ دون الحاجة بأن يُنتقى انتقاءً على أساس فردي بل لمجرد أنه يتعرض للاضطهاد على أساس ارتباطه أو تصور ارتباطه بجهة ما. ولو فهمنا تفاعلات الأزمة في سوريا لخلصنا إلى أنَّ اللاجئ منها لا يفر لمجرد الخوف من العنف العام في البلاد.
هذا الأمر مهم للسوريين في كثير من بلدان اللجوء، فليست الحقوق الممنوحة للاجئ في كثير من بلدان اللجوء بموجب الأشكال الثانوية أو التكميلية للحماية نفسها الممنوحة بموجب صفة اللاجئ. وعلى وجه الخصوص، لا يحق للسوريين الممنوحين الشكل الثانوي أو التكميلي للحماية في بعض البلدان حق لم الشمل الأسري. ولا يمنع الانفصال الأسري المطوَّل الأسر عن إعادة بدء حياتهم من جديد فحسب بل يسهم ذلك في اتخاذ قرارات انفصال بعض أفراد الأسرة عن بعض للشروع في رحلات خطرة براً أو أخطر من ذلك في البحر. أما بالنسبة للفرد السوري، ستختلف حياته كلياً بمجرد منحه صفة اللجوء أو حتى أي شكل آخر من أشكال الحماية.
بلانش تاكس tax@unhcr.org تعمل لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين www.unhcr.org
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي الكاتبة فقط ولا تعبّر بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة.
[i] مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين، اعتبارات الحماية الدولية بخصوص الأشخاص الفارين من الجمهورية العربية السورية، التحديث الثاني، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2013، ص. 8
(UNHCR International Protection Considerations with regard to people fleeing the Syrian Arab Republic)