لاجئو الحَضَرِ في باكستان: خطوات في الطريق إلى الاعتماد على النفس

يتمتّع اللاجئون الأفغان في باكستان بحريّةِ تنقّلٍ عريضة وأبوابِ معاشٍ واسعة، إلا أنّ عُدْمَ قاعدةٍ وطنيّة قانونيّة يُنطلَق منها إلى إدارة شؤون اللاجئين، يُنشِئُ تحدّياتٍ تقع على لاجئي الحَضَرِ والسلطات المحليّة على السّواء.

يُضيِّفُ إقليم خیبر پختونخوا ما ينيف على 50% من جملة اللاجئين الأفغان في باكستان، البالغ عددهم مليونين وسبعة أعشار المليون (2.7)، يقيم 32% منهم اليومَ في مخيّمات اللّاجئين. ويبقى 68% منهم، يقطنون في خارج المخيّمات، وأكثر ما يقطنون فيه حولَ المراكز الحضرية الكبرى، وأخصُّ أسباب ذلك الحاجَةُ إلى طَرْقِ أبواب المعاش.[i]

الدخول في الاقتصاد والإسهام فيه

يكاد يكون كلُّ لاجئٍ من لاجئي الحضر في باكستانَ داخلاً في بعض أنشطة المعاش. أكثرهم عاملون في ميدان النّقل إلا أنّ حيازتَهم رُخَصَ سِيَاقةٍ أمرٌ غير ممكن، وهذا يجعلهم عرضةً لسهامِ المبتزّين من سلطات النّقل في المدن. والتُّجار الأفغان في مدينة پشاور هم رؤوس التِّجارة في الأحجار الكريمة، وحظُّ تجارتهم من صادرات باكستانَ عظيم؛ إذ جاءَ منها من المال في السنين الخمس الأخيرة 27 مليوناً ونصفَ مليونِ دولارٍ أمريكيّ. ومن قَبِيل ذلك، أنّ اللاجئين الأفغان يديرون أكثر من 70% من صناعة نَسْجِ البُسُط الشهيرة الذِّكر في خیبر پختونخوا. ولهذه الصناعة عظيم إسهامٍ في اقتصاد باكستان، غيرَ أنّ ضرراً كثيراً قد نالها، من إعادة اللاجئين التي جرت حيناً، فأنقصَت من إنتاج البُسُط 5%.

وعلى الرغم من إسهام اللاجئين الأفغان هذا في الاقتصاد الحضري، لم تسمح لهم الحكومة الباكستانيّة إلا أخيراً بفَتْح حسابٍ مصرفيّ تجاريّ إن كان بين يَدَي اللاجئ بطاقة سارية المفعول اسمها بطاقة إثبات التسجيل[ii]. وأما قبل ذلك، فكان الأفغان يَكِلونَ إلى المواطنين الباكستانيّين تسجيلَ أعمالهم التجاريّة أو الصناعيّة وتدبيرَ معاملاتهم الماليّة. حتى إنّ بعض اللاجئين أخذوا في مسالك مصرفيّةٍ غير قانونيّة من أجل الحوالات النقديّة، وبعضهم اتّخذوا من صائِغي الذهب المحليِّين مصارفَ يودعونها ما يكسبون. فهذا الإذن الصادر حديثاً حدثٌ شأنه عظيم من وجوهٍ كثيرة؛ ففائدته لا تنتهي عند رَفْد أعمال الأفغان التجاريّة أو الصناعيّة، بل تمتدّ -وهذا شأنه أهمّ لتقطع مظنّةَ تعرُّضهم للاستغلال على يد مَن ينزلون منزلة وكلائهم.

ويُنظَر إلى لاجئي الحضر في باكستان خطأً على أنهم مجرمونَ، وعلى الاقتصاد ثقيلون. وهذا زعمٌ لا تؤيّده حُجّة؛ فمن عام 2014 إلى شهر سبتمبر/أيلول من عام 2016، عُرِضَ على القضاء في خیبر پختونخوا أكثَرُ من 10 آلافِ قضيّة، فكان عدد القضايا التي دخل فيها اللاجئون الأفغان 134 قضيّة فقط.[iii] وتُجرَى اليومَ بتمويلٍ ألمانيّ دراسةٌ[iv] تقصِدُ إلى تعيين المبلغ الذي بلغته باكستان من إنفاقها على اللاجئين الأفغانيين في إحسانِ ضيافةٍ طالَ أمدها، فإن عُيِّنَ هذا أُلقِيَ الضوء أيضاً على ما أسهمَ اللاجئون بهِ في اقتصاد باكستان

تحدّيات التعليم

لمّا كانت 90% من الأسر الأفغانية اللاجئة انتقلت إلى باكستان بين عامي 1979 و1985، كان أكثر اللاجئين المُسَجّلين، الأطفال والشباب، أفغاناً من الجيل الثاني أو الثالث، وُلِدوا في باكستان. والأطفَالُ اليومَ هم زهاءُ نصْفِ لاجئي الحضر في باكستان، ولذلك وُضِعَتِ التنمية في أوَّل طور الطفولة والتعليم الأساسيّ وتنمية المهارات، على رأس الأولويّات. لكنّ عدد الأطفال الباكستانيّين الذين لا يذهبون إلى المدارس يُطيرُ العقل، فهم 22 مليون طفل، وهذا يتحدّى باكستان في استيعابها اللاجئين.[v]

وأمّا التعليم العالي فحاله أسوأ. إذ تَجُود الحكومة الباكستانية بالمِنَح الدراسيّة على آلاف المواطنين الأفغانيين العائشينَ في أفغانستان، على حين تعطي اللاجئين الأفغان المقيمين في باكستان 14 منحة فقط. ولا يُقبَل طالبوا المنح إلا إذا تخلُّوا عن بطاقة إثبات التسجيل، واستبدلوا بها جواز سفر أفغاني. ويُقصَد من هذا إلى حضّ اللاجئين الأفغان على ترك بطاقة إثبات التسجيل ليحصلوا على جواز سفر أفغاني، ولكنّ التخلي عن بطاقة إثبات التسجيل يعني فقدان حقوق أخرى، والحاصل أنّ طلاب العلم يهجرون أمانيهم في تلقّي التعليم العالي.

ولمبادرة ألبرت آينشتَين الألمانيّة الأكاديمية للاجئين، التي تديرها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دورٌ ذو شأن في معالجة هذا التحدّي، إذ هي تمنح الطلاب الجامعيين اللاجئين مِنَحاً دراسيّة تستوعب كلّ النفقات الجامعيّة. وبدعمٍ من مانحين شتّى، وبالاشتراك مع اللجنة الوطنية للتعليم المهني والتقني في باكستان، تُمدِّدُ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، برنامجاً قائماً للتدريب التقنيّ، ليشمل الآلاف من اللاجئين الشباب في كلّ البلد. وهذه الخطوات وما شابهها لا محالةَ منها لمساعدة اللاجئين على الاعتماد على أنفسهم والإسهام في الاقتصاد، ولكن لمّا كان اللاجئون الشباب ذوي عددٍ كثير، اقتضى الأمر مزيداً من العمل.

معالجة توتّر العلاقات

يقع على لاجئي الحضر في باكستان عددٌ من التحدّيات، منها ما بين المجتمع المحليّ المضيف واللاجئين من تعارضٍ واختلاف (بسبب المنافسة في موارد محدودة المقدار)، ومنها أيضاً السأَم من التضييف، وهو ظاهرة شائعة بين حالات التَّهجير التي يطول أمدها. وهذه حالٌ لا رغبة للاجئين ولا للمجتمعات المحليّة فيها.

ولكي يعالج توتّر العلاقات الدائر حول تضييف لاجئي الحضر، ابتدأت الحكومة الباكستانية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين برنامجاً إنمائياً منقطع النّظير، اسمه برنامج المناطق المتأثرة باللاجئين والمضيّفة إيّاهم. وانطلق هذا البرنامج في عام 2009، ليقوم بالتدخُّل في المجتمعات المضيّفة للاجئين، في قطاعاتها المختلفة، فقطاع الصحة، والتعليم، وتنمية المهارات، والمياه ومرافق الصرف الصحيّ، والبيئة، والحماية الاجتماعية. ولقد أُنفِقَ إلى الآن 220 مليون دولارٍ أمريكيّ، نفعت أكثرَ من 12 مليون إنسان، نسبة الباكستانيّين منهم 85% واللاجئين الأفغان 15%.[vi] ولا عجب أنّ برنامج المناطق المتأثرة باللاجئين والمضيّفة إيّاهم جلب من الإحسان إلى اللاجئين المقيمين في الحضر الشيءَ الكثير.

هذا، وقد ابتكرت أخيراً مفوضيّةُ شؤون اللاجئين الأفغان، وهي الهيئة المسؤولة عن شؤون اللاجئين في باكستان، مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أيضاً، ابتكرَتَا بوَّابة في الشّابكة لإدارة شؤون اللاجئين، تُعِينُ المزاولين والجهات المانحة وصانعي السياسة، على اتّخاذ قراراتٍ إلى البيّنات مُسْتندة. وسيكون من هذه البوَّابة منصّة رَقْميّة لكلّ لاجئي الحضر، تَصِلُهم بمُزوِّدي الخدمات المختلفة، ومنهم مُتِيحو الوظائف والتدريب الداخليّ. ثم إنّ سياسةً للاجئين الشباب تُرْسَمُ اليومَ، ويشترك في رسمها مفوضيّةُ شؤون اللاجئين الأفغان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويُركَزُ همّ هذه السياسة في تمكين اللاجئين الشباب، المقيمين في المراكز الحضريّة، اجتماعياً واقتصادياً وسياسيّاً.

الأفغانُ ناسٌ مُجدُّون أجرياء، وهاتَين الصفتَين تجعلان منهم أصحابَ مشاريعٍ بارعينَ، وإنّ مِن بين قصَصِ أصحاب الأعمال الأفغان قصَصُ نجاح. فإذا دُعِمُ الأفغان دعماً صحيحاً، فسيُحسِنُ أكثرهم الإسهام في باكستان وهم فيها. والقرار الأخير الذي اتّخذته الحكومة الباكستانيّة، فسمح للاجئين الأفغان بفتْحِ حسابٍ مصرفيّ، قرارٌ جيّد، وخطوةٌ في الطريق إلى إدماجهم في الخدمات الماليّة وحمايتهم، غير أنّ الأمر يحتاج إلى مزيد خطواتٍ حتّى يُضمَنَ أن يصل لاجئو الحضر إلى الخدمات الأساسيّة، كالصحة والتعليم والتجارة والأعمال التجارية والصناعيّة. والقاعدة التي يُنطلَق منها اليومَ إلى إدارة شؤون اللاجئين تحتاج إلى إعادة نظر، وينبغي لباكستان تدبُّر اعتماد قانونٍ للاجئين وطنيٍّ، يُمكِّنُ السلطات المختلفة من إدارة شؤون لاجئي الحضر إدارةً مفعولها أنفَذُ. ولقد تكون إنالةُ اللاجئين الأفغان الجنسيّةَ أمراً ما يزال بعيدَ المَرام، ومع ذلك، ينبغي أن يُسعَى ليعيشَ اللاجئون عيشاً نعيماً كريماً.

محمد عبّاس خان comisb@hotmail.com  

مُفوّضٌ، في مفوضيّةُ شؤون اللاجئين الأفغان، بخیبر پختونخوا، في باكستان.

 

[i] UNHCR Pakistan (2017) Mapping of Education Facilities and Refugee Enrolment in Main Refugee Hosting Areas and Refugee Villages in Pakistan, p7

(التّخطيطُ لمنشآتٍ تعليمية وإدراج اللاجئين فيها في الرّئيسِ من مناطق تضييف اللاجئين وقراهم في باكستان)

https://data2.unhcr.org/en/documents/download/62554     

[ii] وهي وثيقةٌ تصدرها الحكومة الباكستانيّة، تُثبِت هُويَّةَ صاحِبها، وتجعل إقامته إقامةً مؤقّتة قانونيّة، وتُطلِقُ حريّة تنقُّله، وهي اليومَ في يد مليونٍ وأربعة أعشار المليون لاجئٍ أفغانيّ (1.4) مُسجَّلٍ في باكستان. 

[iii] Khan I (2017) ‘KP prosecution data gives lie to claims against Afghan refugees’, Dawn, 15 January

(بيانات النيابة العامّة في خیبر پختونخوا تُبيِّن بُطلانَ ما يقال على اللاجئين الأفغان)

 www.dawn.com/news/1308486

[iv] https://www.fafo.no/index.php/en/projects/current-projects/item/socio-economic-impact-of-afghan-refugees-on-pakistan

[v] Ailaan A (2018) Five Years of Education Reforms in Khyber Pakhtunkhwa 2013–2015. Wins, Losses and challenges for 2018–2023, p6

(خمس سنين من إصلاح التعليم في خیبر پختونخوا 2013-2015. ما اكتُسِبَ وما افتُقِدَ والتحدّيات في 2018-2023) https://elections.alifailaan.pk/wp-includes/file/KpEducationReport18.pdf     

[vi] https://unhcrpk.org/raha

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.