إساءات على حدود أوروبا

يتعرض اللاجئون والمهاجرون بانتظام لانتهاكات حقوقية واسعة النطاق من قبل المسؤولين على بعض الحدود الأوروبية. ويتعين على الاتحاد الأوروبي توفير مزيد من السبل القانونية للذين يلتمسون الحماية حتى يصلوا إلى أوروبا بأمان.

في ضوء غياب سياسة ثابتة للاستجابة في جميع أنحاء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يقع عبء كبير على البلدان الواقعة على حدود أوروبا الخارجية لاستقبال آلاف الواصلين وفحص طلباتهم ومعالجتها وتقليل معدل الهجرة غير النظامية. واستجابة لذلك، وَضَعَت بعض تلك الدول الأعضاء الواقعة على حدود أوروبا مجموعة من الإجراءات سعياً لتقليل أعداد العابرين لحدودها على نحو غير نظامي. وتتراوح هذه الإجراءات بين الرسمية مثل إقامة الأسوار ونشر قوات شرطة إضافية على امتداد الحدود وغير الرسمية مثل استخدام العنف وإجبار الوافدين على الانتقال للبلدان المجاورة. وبالرغم من كثرة البراهين المؤكدة لوقوع تلك الإساءات في مناطق متنوعة على مدار الثلاث سنوات الماضية على الأقل، لم تتخذ المفوضية الأوروبية سوى خطوات زهيدة لمساءلة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ومع دعوات مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين وجماعات حقوق الإنسان ومفوض حقوق الإنسان لمجلس أوروبا نيلز موزينيكس، ما زالت هذه الممارسات مستمرة دون هوادة انتهاكاً للقانون الدولي والأوروبي.

الصد والطرد

تتضمن عمليات الصد والطرد الإعادة غير النظامية للاجئين أو المهاجرين للبلدان المجاورة لحدود الدولة التي يسعون لدخولها دون إجراء أي شكل من أشكال الفحص الفردي أو رفض طالبي الحماية الدولية من على الحدود. ولا يتوقف الأمر عند احتمالية التسبب في الترحيل القسري المباشر أو غير المباشر بل تنتهك عمليات الصد والطرد هذه أيضاً حظر الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعمليات الترحيل الجماعية لغير المواطنين. وبشكل ثابت، [1] تشير القصص التي رواها اللاجئون والمهاجرون منذ أكتوبر/تشرين الأول 2012 إلى أنَّ قوارب تحمل ضباطاً يونانيين كانت تعترض قواربهم وتوقفها في أثناء رحلتهم من تركيا إلى اليونان ثم تأمرهم بالعودة على القوارب ذاتها إلى المياه الإقليمية التركية. وذكر بعضهم تعرضهم للضرب والسرقة على يد رجال ملثمين أثناء عمليات الاعتراض تلك في حين أجبر آخرون على مغادرة الأراضي اليونانية بعد نجاحهم في الوصول إليها وأعيدوا قسراً إلى المياه الإقليمية التركية وتركوا فيها. وتواترت روايات عن إعادة الشرطة اليونانية للوافدين للحدود اليونانية البرية قسراً إلى تركيا عبر نهر إفروس بعد عبروهم النهر سابقاً في قوارب صغيرة. وفي 2014، أفاد مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين في اليونان بتوثيقه مزاعم ذات مصداقية بوقوع نحو 152 عملية صد وطرد في عامي 2013 و2014. وفي الفترة نفسها، قدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين تسع شكاوى خطية إلى السلطات اليونانية بهذا الصدد ولم تتلق إجابة واحدة غير إنكار هذه المزاعم والادعاءات.[2]وتوقفت التقارير حول عمليات الصد والطرد في البحر لعدة أشهر في 2015 ولكنها عادت مجدداً منذ أواخر شهر يوليو/تموز في حين استمرت التقارير المقدمة ضد مثل هذه العمليات على الحدود البرية طوال عام 2015.[3]

وفي بلغاريا في أعقاب ارتفاع عدد العابرين للحدود بشكل غير نظامي في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2013، وُثِّقَت عمليات صد وطرد على يد السلطات البلغارية على حدودها مع تركيا.[4] وادعى بعض من أعيدوا قسراً إلى تركيا تعرضهم للضرب وسرقة أموالهم وهواتفهم النقالة. وفي مارس/آذار 2015، دعت مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين للتحقيق في وفاة رجلين عراقيين بعد عملية صد وطرد مزعومة من بلغاريا.

وفي إسبانيا، صورت المنظمات غير الحكومية مسؤولين إسبان يضربون أناس خارج السياج في مليلية ومن ثَّم إعادتهم قسراً إلى المغرب. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، صور مسؤولون إسبان يضربون أحد مواطني الكاميرون ويسحلونه أرضاً بعيداً عن السياج.[5] ثم حمل هذا الرجل الذي بدا فاقد الوعي آنذاك إلى الأراضي المغربية من خلال بوابة في السياج وترك هناك. وفي أغسطس/آب 2015، أسقطت محكمة إسبانية التهم الموجهة ضد ثمانية رجال شرطة متورطين بسبب نقص الأدلة. واتُهمَت السلطات الإسبانية كذلك بالمشاركة في مقتل ما لا يقل عن 13 شخصاً في فبراير/شباط 2014 بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيِّل للدموع عليهم لأنهم سبحوا من شاطئ المغرب إلى سبتة.

ومع انتقال الناس قدماً من اليونان إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، وثَّقَت جماعات حقوق الإنسان أيضاً عمليات صد وطرد من مقدونيا (جمهورية يوغوسلافيا السابقة) إلى اليونان ومن صربيا إلى جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة.[6] وفي يوليو/تموز وكذلك في أغسطس/آب 2015، أغلقت جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة مؤقتاً حدودها مع اليونان. وفي أغسطس/آب 2015، ارتفع عدد الوافدين للحدود لما يُناهز ثلاثة آلاف فرد وحاولت السلطات تشتيتهم بإطلاق قنابل صوت والغاز المسيل للدموع بكميات عليهم وكان من بينهم العديد من الأطفال الصغار مما أدى إلى إصابة كثيرٍ منهم. وصُّوِّرت الشرطة والجيش أيضاً وهم ينقضون بنعف على اللاجئين بالهراوات. وفي سبتمبر/أيلول، تكررت مشاهد مماثلة حين اشتبكت الشرطة الهنغارية مع اللاجئين والمهاجرين بعد أن أغلقت المجر حدودها مع صربيا.

وبالإضافة إلى القيود المفروضة على الحدود الأوروبية، وضعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أيضاً إجراءات أخرى مثل اتفاقيات مع بلدان المنشأ والعبور لمنع رحلات الهجرة واستخدام الاعتقال بمثابة رادع واتفاقيات إعادة القبول لتسهيل عودة المهاجرين غير النظاميين إلى البلدان المجاورة. ومع ذلك، على الرغم من الجهود المبذولة للحد من دخول اللاجئين والمهاجرين في مناطق معينة، لا يكف الناس عن محاولة دخول أوروبا ويغيرون مساراتهم وفقاً لذلك وأحياناً يغيرون وجهاتهم إلى دول أوروبية أخرى. فعلى سبيل المثال، في أعقاب فرض إجراءات تقييد الدخول عبر الحدود البرية بين تركيا واليونان في أغسطس/آب 2012، عبر المزيد من الأفراد إلى اليونان عن طريق البحر وارتفعت أرقام الوافدين إلى بلغاريا. وبعد إغلاق المجر لحدودها مع صربيا، تحول الناس إلى كرواتيا.

الدخول الشرعي

بالرغم من وجود أدلة كثيرة على وقوع انتهاكات على هذه الحدود، لم تتخذ مؤسسات الاتحاد الأوربي ودوله الأعضاء خطوات فعَّالة لوقف هذه الانتهاكات. وفي الوقت نفسه، ما زالت الدول المعنية تتلقى ملايين المخصصات السنوية باليورو من أداة "صندوق الأمن الداخلي-الحدود والتأشيرات لتعزيز مراقبة الحدود" دون أي متطلبات شرطية لتطوير آليات المساءلة بهدف معالجة الإساءات على الحدود. وعوضاً عن ذلك، طُلِب الانتصاف من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وقد أثبت ذلك الإجراء فاعليته إلا أنه جاء متأخراً لوضع حد لسياسات الصد والطرد.

ومن منظور حماية اللاجئين، سيمنع توفير فرص شرعية دخول أوروبا الفارين من الاضطهاد والنزاع من خوض رحلات محفوفة بالمخاطر وتحمُّل الإساءات من قبل المهربين على طول الطريق وعلى يد المسؤولين الحكوميين على الحدود وسيقلل على نحو لا يُستَهان به الخسائر في الأرواح سنوياً. وبإيجاد مزيد من قنوات الدخول الشرعية خاصةً للسوريين الذين يمثلون حالياً الغالبية العظمى من الوافدين إلى أوروبا والمعترف بهم على نطاق واسع بوصفهم لاجئين قد يُخفَّف قدر كبير من الأزمة الراهنة. وقد يُتِيحُ ذلك أيضاً تحسين إدارة عمليات الدخول والحركة وقد يكون بمنزلة نموذج تجريبي للجنسيات الأخرى.

ويمكن فعل ذلك بطرق عدة بما في ذلك ضمان وجود أنظمة دخول مراعية لمبدأ الحماية وهي إجراءات تمكِّن مسؤولي حماية حدود الاتحاد الأوربي من تحديد من بحاجة للحماية الدولية وتضمن لهم الدخول للوصول إلى نظام اللجوء. ويمكن الاستفادة بقدر كبير أيضاً من السفارات العاملة في بلدان مثل تركيا ولبنان والأردن لإصدار التأشيرات الإنسانية أو تأشيرات لم شمل الأسرة للسماح السوريين بالسفر إلى دول معينة في الاتحاد الأوروبي وطلب الحماية هناك (على الرغم من أنَّ السفارات قد تحتاج إلى قدرات إضافية لمعالجة أرقام أكبر).  وثمة سوابق لكلتا الطريقتين. وعلى سبيل المثال، أطلقت كل من إيرلندا وسويسرا برامج لم شمل الأسرة للسوريين في 2013 إذ منح برنامج إيرلندا قصير الأمد تأشيرات لنحو 111 فرد في حين منح البرنامج السويسري ما يقرب من 4700 فرد تأشيرات اعتباراً من نوفمبر 2015. ومن الضروري أيضاً تحسين الوصول لأليات لم شمل الأسرة للجنسيات الأخرى. ويوجد سوابق أيضاً لمنح تأشيرات إنسانية في 15 دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي بما في ذلك فرنسا التي منحت 1880 تأشيرة لجوء للسوريين منذ عام 2012. وتعهدت ألمانيا كذلك بتوفير 18,500 مكان من خلال برنامج الرعاية الفردية بالإضافة إلى 20 ألف تصريح بالدخول لأسباب إنسانية.

ومن المقترحات الأخرى لتمكين الحصول الشرعي على الحماية في أوروبا لطالبي اللجوء إلغاء متطلبات التأشيرة الإجبارية (وتأشيرة العبور) للسوريين (مثلما فعلت بعض دول الاتحاد الأوربي سابقاً مع اللاجئين الفارين من الحرب في يوغوسلافيا السابقة) والإجلاء الطبي والبعثات الدراسية وزيادة معدل السماح بالدخول لأسباب إنسانية وإعادة التوطين عندما تكون المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وليست السفارة مسؤولة عن الإجراءات الأولية. ويمكن أن ينفذ الاتحاد الأوروبي أيضاً توجيهاته بشأن الحماية المؤقتة في المرة الأولى وخاصة عندما تفوق أعداد الوافدين القدرة الاستيعابية لإجراءات طلبات اللجوء في إطار زمني معقول.

وفي الوقت نفسه، من المهم رفع قدرة الدول الأعضاء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لتمكينهم من توفير الاستقبال الملائم وتولي إجراءات اللجوء المناسبة ووضع احتمالية واقعية لإدماج اللاجئين. وسيقلل دعم التمويل الجيد لأنظمة اللجوء حوافز الدول للجوء إلى الممارسات غير النظامية وغير القانونية على الحدود لإبعاد طالبي اللجوء. وما نحن في أمس الحاجة إليه قيادة سياسية وحوار صريح بين القادة الأوروبيين بشأن أفضل الطرق للاستجابة لاحتياجات البائسين الذين لن تردعهم كثرة الأسوار أو الإساءات على الحدود.

 

دنكان برين duncancbreen@gmail.com

مستشار مستقل. الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها فقط.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.