دراسة ميدانية حول الهجرة والتنوُّع

إذا تمعنا في رحلة الطيور المهاجرة، تبين لنا مستوى التعقيد ذاته الذي يسم التَّهجير البشري ويؤثر فيه.

أنا محظوظ لأنني قضيت حياتي في الأماكن البرية والجميلة أرسم الطيور. فأنا أعشق الطيور بأشكالها المجردة، وبتغريدها، وبسلوكاتها وبهجرتها. ولقد رسمت الطيور وشاركت في الدراسات العلمية حول رحلات هجرتها من المنطقة القطبية الشمالية وصولاً لأفريقيا. وفي عام 2015، تقارير من شواطئ جزر البحر الأبيض المتوسط حول وصول أشخاص يائسين إلى الشاطئ، وعندئذٍ أدركت أن هذه الجزر هي نفسها الأماكن التي شاهدت فيها رحلات هجرة الطيور ورسمتها بنفسي. فهنا، في هذه الأماكن، أناس يبحثون عن ملاذ للبقاء على قيد الحياة سالكين مسارات السير نفسها التي تسلكها الطيور التي رسمتها.

وبعد ذلك، على مدار العام حدث أن سافرت إلى المملكة المتحدة وإلى أوروبا وعبر البحر الأبيض المتوسط إلى الشرق الأوسط. وفي أسفاري هذه، كنت أتحدث إلى اللاجئين والسكان المحليين والمتطوعين وكنت أرسم كل شيء أراه من أشخاص وأماكن وطيور. وتؤدي الطيور حسبما يقول علماء البيئة دور المؤشر البيئي المهم إذ يقول العلماء إنَّ التغيرات التي قد تطراً على تعداد الطيور أو هجرتها تشير إلى حدوث تغيرات في البيئة يمكن أن تكون مصدر قلق خطير. والأمور معقدة ولكن ثمة دراسات أكاديمية ترى رابطاً يجمع بين التغير المناخي والنزاع والتحركات الهائلة للاجئين، فجميع هذه العوامل تؤدي بدروها إلى مزيد من الضغوط الاجتماعية والبيئية. وفي هذه الأنظمة، ينظر علماء البيئة إلى الطيور على أنَّها تشير إلى ما قد يحدث في عالمنا. فالطريقة التي نتعامل بها مع التغير المناخي والنزوح سوف تحدد هويتنا والمجتمعات التي سوف نعيش فيها لأجيال قادمة.

وفي أثناء أسفاري، عملت مدرساً للرسم في مدارس للاجئين في الأردن [انظر الصورة خلف الصفحة]، وشاركت في تنظيم الأنشطة الفنية للعائلات في فعاليات الترحيب باللاجئين في المملكة المتحدة كما شاركت في إقامة فعاليات المشاركة الفنية للأطفال غير المصحوبين ببالغين في مخيم ’الأدغال‘ في كاليه. وكان لكل فعالية من هذه الفعاليات طابعها الخاص وتركيزها المختلف. وفي الأردن، حاولت إبراز إمكانات التطور الشخصي والهوية الشخصية خاصةً لدى النِّساء والفتيات اللائي يعشن في مجتمع ذكوري. ففي المملكة المتحدة، حاولت مساعدة اللاجئين في جعلهم يشعرون بالاندماج والترحيب من خلال الرسم على الجدران رسومات قد تشعرهم ’بالوطن‘ والانتماء، وفي كاليه، أقمت فعاليات ساهمت في إشراك شباب من اللاجئين الذين ليس لديهم أي ثقة في أي أحد في التحدث إلى متطوعي الجمعيات الخيرية لمعرفة ما هم بحاجة إليه من ملابس وغيرها أو أي الخدمات يمكن تقديمها إليهم.

ولا يعمد مراقبو الطيور (ولا رسامو الطيور) إلى مراقبتها أو النظر إليها على الدوام، ولذلك عندما أجلس لأرسم الطيور الموجودة في المخيم وحوله أبحث عن الطيور ثم أرسمها. وكان المشهد مؤثراً أن نرى طيوراً مهاجرةً تحلق فوق أسوار تحتجز خلفها بشراً مهاجرين. لكنَّ عبورهم للبحار والحدود يثير جوانب أخرى للتشابه والمقارنة ومنها استجرار الأفراد اليائسين وافتراس الطيور المفترسة للطيور المتعبة الأصغر حجماً. فغالباً ما تهاجر الطيور والأفراد حسب جغرافية المكان إذ يختارون أقصر المعابر، والانتقال بمحاذاة حواف الجبال، والسفر انطلاقاً من مراكز التموين والإمدادات إذ وجد كلاهما أنَّ الأماكن التي أعدها لهم البشر لم توفر لهم المساحة الكافية، فعندما كنت في المخيمات غير الرسمية التي تُنصَبُ فوق أراضي القمامة، أو على حواف الحدائق، أو على أراضٍ هامشية بين الطرقات، رأيت أشخاصاً وطيوراً أُحضِرُوا في أماكن ضيقة ومزعجة بالكاد تؤويهم أو تمنحهم قدراً مناسباً للمضي قدماً.

وفي عالم نواجه فيه قضايا وموضوعات تفرض علينا تحديات من الصعب التفكير في حلها، غالباً ما يكف الأشخاص عن التفكير ويغلقون عقولهم. لكنَّ الفن يمكنه أن يجمع الأفكار بطريقة تجعل الناس يعيدون النظر في هذه التحديات كرة أخرى. كما يمكنه أيضاً أن يستميل مشاعر الناس ويحثهم على تقدير المشاركة الإنسانية والتحديات المشتركة التي نحتاج إلى التصدي لها.

ديريك روبيرتسون derekart@btinternet.com

فنان الحياة البرية

www.creativepastures.com/migrations

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.