الصوت والهوية والاستماع: تأملات لاجئ

نحتاج،  من أجل فهم أفضل لاحتياجات اللاجئين الحقيقية والاستجابة لها، أن نتعلم من قصص أناس من مثل ميه سود (Meh Sod) التي استوطنت مجددا في الولايات المتحدة في سنّ الثانية عشرة.

نادراً ما تَنعكِس وجهات نظر اللاجئين أو تُعطى الأولوية عند صياغة أو تصميم أو تنفيذ السياسات والممارسات وإجراء البحوث المتعلقة بالسكان النازحين. ولكن كانت توضع، بدلاً من ذلك، أجندات وأصوات أولئك الذين يملكون السلطة أو أولئك الذين يقدمون التمويل المالي في المقدمة. ولا يعني هذا بأن نوايا صانعي القرار هؤلاء غير متعاطفة [مع قضايا اللاجئين]، ولكن استجاباتهم قد لا تكون دائمًا ملائمة لثقافة اللاجئين أو ذات صلة بالسكان النازحين، وبالتالي قد تخفق في تقديم دعم شامل طويل الأجل.

وتصف ميه سود (Meh Sod)، وهي التي استوطنت في الولايات المتحدة قادمة من مخيم للاجئين في تايلاند في سن الثانية عشرة، نفسها الشابة بأنها "لا صوت لها". غير أنّ استماعنا إلى قصص ميه سود (Meh Sod)، التي ترسم لوحات غنية عن رحلتها وعن تأملاتها وتحدياتها وأفراحها، جعلنا نشعر أنه يمكن أن يطلق عليها أي وصف باستثناء أنها غير مسموعة. فالمشكلة تكمن إذن في عدم توافر الفرص للأفراد من مثل ميه سود (Meh Sod) لمشاركة تجاربهم. وهنا تشرح ميه سود (Meh Sod) كيف مرت بمراحل عملية إعادة التوطين، وتجربتها المدرسية و(إعادة تشكيل) هويتها، بينما كان المؤلفون المشاركون معها منشغلين بالتفكير في من كان يُتغاضى عن أصواتهم ولماذا.

إعادة التموضع في الولايات المتحدة

كانت نظراتي الأخيرة  في الصباح السابق لشق عائلتي طريقنا إلى محطة الحافلات متجهة إلى مناطق لعب طفولتي – إلى منزلي وإلى أشجار البامبو والتمر الهندي وإلى الطريق الترابي. كانت المحطة متخمة بمصافحات الوداع وبالمحادثات والدموع. وانطلق هناك صوت مرتفع بما يكفي أن نسمعه من رجل يصيح "رقم المنزل A1-73 ، اصعد إلى السيارة". هنالك غادرنا مخيم اللاجئين إلى أمريكا.

عندما استقر بنا الرحيل في منزلنا الجديد في جورجيا، اعتدنا على إيقاعات حياتنا الجديدة. فكنت، في كل صباح سبت، أستعد  وعائلتي للقيام برحلتنا الأسبوعية من ستون ماونتن Stone Mountain إلى كلاركسون Clarkson. وكانت الرحلة تستغرق منا للوصول هناك ما يقرب من ساعة وثلاثين دقيقة سيرا على الأقدام. ونظرًا لأننا لم نكن نمتلك سيارة، فقد كنا نختار الطريق الأكثر ملاءمة لعربة التسوق التي كنا نجرها معنا. وكنت ألتقط أنا وإخوني على طول الطريق جوز البكان الذي كان يسقط من الأشجار وكذلك ثوم العوصلان الذي كان ينمو على جوانب الطريق، وكنا مندهشين من وفرة ذلك كله. وكان الذين يتجاوزوننا بالسيارات يحدقون بنا، لكن ذلك لم يكن ليزعجنا كثيرًا. وكانت خطواتنا تخف أكثر كلما اقتربنا من وجهتنا: متجر كلاركسن ثرف تاون Clarkson Thriftown . وكان لثرف تاون Thriftown واجهة خارجية بسيطة، ولا تحمل يافطته شعارًا يجلب الانتباه. لكنه كان بالنسبة لي أكثر من مجرد متجر. وكنا في رحلاتنا نشتري أكياسًا كبيرة من الأرز تذكرنا بتلك الأكياس التي كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR توزعها في مخيم اللاجئين في تايلاند حيث نشأت. وكنت كلما رأيت زميلًا بورميًا في الرحلات إلى متجر البقالة أشعر بفرحة عارمة. لقد كانت لحظات الترابط تلك، وإن كانت مؤقتة، تخفف من حمل الشعور بالغربة التي كان عليّ أن أتكيف معها.

التعليم المدرسي: التمثيل والانتماء

ما زلت أتذكر اليوم الأول في المدرسة. كانت هناك على طول الجدران لافتات مكتوب عليها كلمة "مرحباً" بلغات مختلفة - بالصينية والألمانية والإسبانية وغيرها. لقد كنت مفتونةً بتنوع اللغات، ولكن كان الأهم من ذلك بالنسبة لي هو أنني كنت مبتهجة بفكرة أن غرفة الصف الدراسي ستكون مكانًا يمكنني أن أبوح فيه ببعض التجارب والأفكار التي كانت محشورة بداخلي لسنوات عديدة. وعلى الرغم من ذلك، سرعان ما علمت أن الإعلان عن الاحتفال بالتعددية الثقافية الذي كان معروضًا بشكل واضح لم يغادر الجدران قطّ. فلم يكن هناك تدريب على اللغات المختلفة مطلقًا في المناقشات الصفية، ولم تتح هناك فرص لأن نتشارك قصصنا.

يمتلك الطلاب اللاجئون - عند مقارنتهم مع الطلاب العاديين- خبرات شخصية ومهارات قيّمة، لكنها لا علاقة لها بالموضوعات التي تُقيَّم في الفصل الدراسي. فأنا أثمن كيف أظهرت لي المواد التي تعرضنا لها في الفصل الدراسي وجهات نظر مختلفة، ما مكنني من فهم المجتمعات المختلفة والمواضيع المتعددة التي ما كنت لأتعرض لها أبدا، من مثل [قضايا] العنصرية وقضايا النوع الاجتماعي. وعندما درست عن التاريخ الأمريكي، نما عندي التعاطف مع الأمريكيين من أصل أفريقي. لقد كان اعتقادي على نحو "ليتهم يُعاملون على قدم المساواة"، لكن شعوري هذا لم يكن متبادلا لأنه لم يتم التطرق لقصتي ولتاريخي ولثقافتي مطلقًا في المناقشات الصفية، ولم يكن هناك تقاسم متساو للمعرفة. فلم يعرف الطلاب الآخرون عني، وبالتحديد - ما يعنيه العيش في مخيم للاجئين، وما يعنيه شعور العيش بدون أفراد الأسرة ... لقد كنت منخرطًا في قصص الآخرين وتاريخهم وكنت منفصلة عن حياتي. فلم تعد لغتي الأولى في تلك البيئة التعليمية مفيدة وما كانت ثقافتي ضرورية. لقد تفاعلت مع نصوص لم تكن تمثلني أو تمثل أشخاصا مثلي. لقد شعرت بأنني غير مرئية.

أعتقد أن أهم الاحتياجات الأساسية بالنسبة للطلاب اللاجئين هو الشعور بالانتماء. فإذا ما استطعنا أن نرى أن المادة التي نستوعبها ليست ضرورية للبقاء فقط ولكن أيضا للتواصل بيننا، عندها ستكون تجربة التعلم أكثر فائدة. وربما يكون وضعنا [كلاجئين] عصيّا على الفهم للعديد من المدارس تمامًا، لأننا لا نلتفت نحن أنفسنا لمشاعرنا ولا نعرف كيف ننقلها [إلى الآخرين]. فليس هناك حول الكثير من الطلاب اللاجئين في كلاركستون، على سبيل المثال، أشخاص يفهمونهم حقًا. وأنا أدرك أيضًا أنه من الصعب حقًا أن تعمل مع الأطفال اللاجئين وذلك بسبب صعوبة التواصل مع والديهم، إما بسبب حواجز اللغة أو لنقص قنوات الاتصال. ولذلك لا يحصل الطلاب اللاجئون دائمًا على الاهتمام الذي يحتاجون إليه. وفي حقيقة الأمر، نحن لا نعرف ما الذي نحتاجه. أما الآن، فإنني أعرف نوعية الأشياء التي يحتاجها الطلاب. لذا، أعتقد أنني سأكون قادرةً على ابتكار استراتيجيات لدعم هؤلاء الأطفال.

العثور على هويتي وصوتي

لقد مُنحنا الفرصة في أمريكا لمقابلة وجوه جديدة وإقامة علاقات جديدة بشق الأنفس. ولكن عندما ألتفت حولي، لم يعد الشخص الذي يقطن بجواري وجهًا مألوفًا لي في الحي. لقد دفعتني الحياة في أمريكا إلى أن أدرك ضرورة امتلاك تراث محفوظ لي. وأدركت أنني قد تركت ورائي أجزاء من أصلي وتاريخي الكاريني (Karen) عندما تعاملت مع ثقافات جديدة في رحلتي من مثل: البورمية والتايلاندية والأمريكية. فنظرًا لأنني اعتدت على العيش على الحدود، ونظرا لأنه لم يكن مرحبًا بي في المناطق المجاورة، فإنني حملت معي شعورًا بالدونية يصرفني عن رؤية قيمة ثقافتي الأصلية. إن امتلاكي لهوية مجتزأَة في الوقت الذي كنت أتعلم فيه التكيف مع نمط الحياة الأمريكي أبقاني في فقاعة ظلت تبعدني عن المجتمع الذي أعيش فيه. إن إدراكي أني ما عدت محتجزة في مكان واحد على الحدود جعلني راغبة في أن أبحث عن البيت الذي انحدر منه أسلافي.

لقد تعلمت من التراث المتناقل شفويا أن أسلافي من شعب "الكارين" (Karen) قد عبروا "نهر الرمال الجارية" (من صحراء جوبي) باحثين عن مكان يستطيعون إنشاء وطن لهم فيه. فأنا أريد، بدلاً من محاولتي إنشاء منزل جديد لنفسي داخل المجتمع متعدد الثقافات الذي جلبت إليه، أن أفكر في المنزل الثقافي الذي يكمن بداخلي وأن أكون معروفة بناء على قصتي بأكملها وليس فقط من خلال بُعد واحد من حياتي، وهو الذي يصنفني كلاجئة.

فأنا أحمل [معي] قصص أجدادي. وأنا أسمع من خلال حكاياتهم الشعبية وقصصهم وتاريخهم أصوات أفراد مثلي وهم ماضون في رحلتهم إلى المكان حيث ذهب أسلافهم. فرحلتي تتمثل بالحفاظ على ما أجده حتى يتاح لأجيال شعب الكارين اللاحقة أن تتبع رجوعا إلى الوراء أصولنا من يومنا هذا إلى جذورنا القديمة، كجدول ماء مازال قادرا أن يتدفق من جديد إلى المحيط الكبير.

تأملات ختامية

لقد تعلمنا نحن (مينكيونغ وجهي- Minkyung and Jihae) بعد الاستماع إلى قصص مه سود (Meh Sod) بأن اللاجئين لا يُعطون الكثير من الخيارات في صناعة القرار بشأن الأمور المتعلقة بسبل عيشهم وحياتهم اليومية. وقد يفهم الشخص العادي، بشكل عام، جانبًا واحدًا من حياة اللاجئين، ولكن إدراك احتياجاتهم العاطفية بشكل أوسع واشمل يستغرق وقتًا. ولذلك، شعرنا نحن، بصفتنا باحثين في الهجرة القسرية، بأن صوت ميه سود (Meh Sod) كان صوتا حاسمًا في جميع مراحل مشروعنا؛ ابتداء من تصميم البحث إلى تنفيذه ونشره. وعند النظر إلى الوراء، نجد ميه سود (Meh Sod) تقر بأن المجتمع والشعور بالانتماء والإرشاد هي أمور حاسمة بالنسبة للشباب القادمين من خلفيات اللجوء، هذا على الرغم من أنها لم تكن على دراية بهذه الاحتياجات عندما كانت أصغر سنًا. ويحتاج الطلاب، في الجانب التعليمي على وجه التحديد، إلى التوجيه وإلى النصيحة التي تعالج الأوضاع الفريدة للشباب من خلفيات اللجوء. لقد أوضحت ميه سود (Meh Sod)، قائلة: "لست متأكدًة إن كان بإمكاني التحدث إلى [المسؤولين وقادة المدارس] حول احتياجات الطلاب. لست متأكدًة إن كانوا مستعدين لأن يسمعوا. فهناك الكثير من المشاكل، وأنا لست متأكدًة من أين أبدأ". وتشعر ميه سود (Meh Sod)، بالإضافة إلى ذلك، أنه غالبا ما توضع احتياجات الطلاب على الهامش نظرًا لأن المدارس تعطي الأولوية لنتائج الامتحانات قبل أي شيء آخر، قائلة: "يجب من أجل دعم الطلاب اللاجئين في الفصل الدراسي تشجيع المدارس على جعل الفصل الدراسي مكانًا مألوفًا وذلك من خلال دمج ثقافات الطلبة المتعددة وموسيقاهم وفنونهم كي تجعلهم يشعرون بالأمان والراحة."

وها هي ميه سود (Meh Sod)، بمرور السنوات، تعثر على صوتها بشكل بطيء ولكن بثبات. فهي تقول: "لقد وجدت بعد فترة طويلة دعمًا لجوانب مختلفة من الحياة، وأشعر بأنني جاهزة لسرد قصتنا". وهي تقر أيضا بأن الشباب من مثلها يحتاجون إلى الكثير من الوقت والصبر لمساعدتهم في تحديد احتياجاتهم والتأكد منها. ولكي تتحقق هذه النقلة، يتوجب دعوة اللاجئين إلى هذه المناقشات بدلاً من أن يضع صانعو القرارات فرضيات حول ما يحتاجه السكان النازحون وما يرغبون فيه. أن توفير الأدوات والموارد يعد أمرًا ضروريًا في عملية إعادة التوطين، ولكن الأهمية القصوى تكمن في أن يكون هناك مساحات واسعة حيث يمكن للاجئين مشاركة قصصهم.

تدعو ميه سود (Meh Sod) إلى "الصبر للعمل مع اللاجئين" وإلى [ايجاد] "مساحات للتشارك والاستماع للاجئين". وربما نحتاج، لكي تكون السياسة والممارسة والبحث مهمات وهادفة، إلى الاستماع فقط. وربما يتطلب ذلك أيضا عمليات يستغرق تنفيذها وقتًا طويلاً وقد لا تكون مثمرة على الفور، ولكن قد توفر مثل هذه المقاربات الدعم الشامل طويل الأجل الذي يصب حقًا في مصلحة أولئك من مثل ميه سود Meh Sod .

 

ميه سود باوmehsodpaw@gmail.com

مرشحة ماجستير في الآداب ، جامعة شمال كولورادو

 

مينكيونغ تشوي minkyung.choi@bcc.cuny.edu

أستاذة مساعدة في التربية ومحو الأمية الأكاديمية، كلية المجتمع في برونكس، جامعة مدينة نيويورك

 

جيهي تشا jihae.cha@gwu.edu @cha_jihae

أستاذة مساعدة في التربية الدولية، جامعة جورج واشنطن

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.