الحاجات الصحية المُهْمَلَة للاجئين السوريين الكبار في السن في الأردن

غالباً ما يُمَثِّل اللاجئون من كبار السن فئة مُهْمَلَة من السُّكان خاصة عندما يتعلق الأمر بالنواحي الصحية. وفي الأردن تَلْقَى الحاجات الصحية الخاصة بكبار السن من اللاجئين السوريين الإهمال، ومَردُّ ذلك غياب البيانات، والتحيزات الراسخة في العمل المؤسسي، وطبيعة الاستجابة الإنسانية.

يزداد الاعتراف الدولي بوجود حاجات وتحديات تخص فئة كبار السن خلال أوقات الأزمات، لكنَّ هذه الفئة العمرية ما زالت واحدة من أكثر الفئات المُهْمَلَة ضمن الاستجابة الإنسانية والإنمائية، خاصة عند الحديث عن الصحة. وليس السوريون اللاجئون كبار السن في الأردن استثناءً من هذه القاعدة، فوفقاً لمنظمة مساعدة المُسنِّين الدولية (HelpAge)[i] هناك ما تُقَدَّر نسبته بـ 77% من جميع اللاجئين ممن تزيد أعمارهم عن 60 عاماً ممن لديهم حاجات خاصة ترتبط بالحركة، والتغذية، والرعاية الصحية، وأكثر من نصفهم يتحدثون عن معاناتهم من أشكال من الضغوطات النفسية. ومع ذلك تُشِير إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنَّ 57% من اللاجئين الذين يعانون من أوضاع مزمنة في الأردن، يقولون إنَّهم لا يستطيعون تحمُّل تكاليف الرعاية التي هم بأَمَسِّ الحاجة إليها.[ii]

ورغم تكرار ذكر الحاجات الصحية للاجئين السوريين كبار السن في خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية للأعوام 2017-2019 (وهي الوثيقة التي تحدد الأهداف الإنمائية قصيرة الأمد للحكومة الأردنية) يتبيَّن من خلال المقابلات التي أُجريت مع صانعي السياسات، والمستجيبين الإنسانيين إلى وجود ثغرات بين ما تنص عليه السياسة وتطبقها على أرض الواقع. وذُكِرَت أسباب عدّة لذلك، منها الافتقار إلى البيانات المتعلقة بحاجات اللاجئين كبار السن، ومواطن استضعافهم، ونقاط الاستجابة الإنسانية، وخفض التفويضات المُناطة بالمؤسسات.

غياب البيانات

وثَّقت منظمة مساعدة المسنين الدولية وجود إهمالٍ منتشرٍ للاجئين السوريين كبار السن في الأردن، ووثَّقت أيضاً في الوقت نفسه وجود إسهاماتٍ يُقَدِّمُها اللاجئون كبار السن ضمن أُسَرِهم ومجتمعاتهم، وفي حين اختارت بعض عائلات اللاجئين أن تُخَلِّفَ كبار السن وراءها في الأردن لوحدهم بينما يبحثون هم عن فرص أفضل؛ لوحظ وجود لاجئين مسنين آخرين ممن تولوا بأنفسهم مسؤوليات رعاية أقاربهم المرضى وأحفادهم الأيتام.

ومع ذلك عندما يُسْأَل المستجيبون الإنسانيون عن البرامج الصحية المعنية برعاية اللاجئين السوريين المسنين، وتلبية حاجاتهم؛ فغالباً ما كان معظمهم يشير إلى غياب البيانات المتعلِّقة بعدد اللاجئين الأكبر سنَّاً في الأردن، وبخاصة فيما يتعلق بحاجاتهم في الرعاية الصحية، وما هو مطلوب من أجل تحسين وضعهم الصحي. "هناك تصور بأنَّ الأشخاص الأكبر سناً يحظون بالرعاية من عائلاتهم، وهناك فقر في البيانات في هذا المجال" هذا ما تحدَّث به إحدى المستشارين الصحيين من إحدى المنظمات المانحة عندما سُئِلَت ما إذا كان اللاجئون الأكبر سنَّاً مُدْمَجُونَ في أيّ من برامج اللاجئين للمنظمة أم لا، وأضافت قائلة ومتسائلة: "فما الذي يُمكِنُنا أن نفعله في هذا الصدد بالذات؟"

وفي كثير من الحالات أشار الخاضعون للمقابلة إلى أنَّه رغم إشارة الأدلة التوجيهية إلى ضرورة توفير البيانات المقسَّمة حسب العمر؛ ما زالت المنظمات تعاني من ضعفٍ في جمع البيانات حول اللاجئين الأكبر سنَّاً.[iii] وحتى عند جمع البيانات غالباً ما كان الأشخاص الأكبر سنَّاً يُصنَّفُون على أنَّهم مجموعة واحدة في الفئة العمرية التي تزيد على 60 سنة، مع أنَّ هناك اختلافاً كبيراً فيما بينهم من ناحية الوضع الصحي وحاجاتهم، وهناك أيضاً شحٌّ وضعفٌ في الأبحاث المُنَفَّذة حول نقاط الاستضعاف التي قد تنشأ من بعض المحاور المتقاطعة والمتضافرة للسن والجنس والإعاقة، فقد قال أحد الأشخاص الخاضعين للمقابلات: "هناك ثغرة كبيرة جدّاً في الأدلة ترتبط بالإساءة المنزلية الدائمة تجاه النساء الأكبر سنّاً"، وكان ذلك الشخص الخاضع للمقابلة يعمل مع اللاجئين في الأردن، وأضاف قائلاً: "نحن نعلم أنَّ هذا الأمر موجود، ولكنَّنا لا نستطيع إثبات وجوده، ومن الصعب جدّاً أنْ نبني أيَّ نقاشٍ حوله لعدم وجود الأدلة."

وتعود بعض أسباب إهمال الحاجات الصحية لكبار السن خلال الأزمة في أنَّ التركيز الأكبر ينصبُّ على النساء والأطفال ووضعهم الصحي من ناحية جمع البيانات، ومن ناحية الاستجابة الطبية ككل. ويبدو أنَّ غياب البيانات والأبحاث حول الحاجات الصحية المخصصة لكبار السن من اللاجئين تُسَاهِمُ بالفعل في إنشاء حلقة مُفْرَغَة من الإهمال التي يقع فيها كبار السن من اللاجئين، ويُهْمَلون بسببها. ولضعف وجود البيانات حول هذه الفئة العمرية؛ يُفضِّل المانحون الدوليون التركيز على الفئات السنّية من ذوي الحاجات الصحية المُوثَّقة توثيقاً جيِّداً، والاستثمار في المنظمات التي تحظى بإجراءات فنية راسخة، وآليات عملية لتقييم هذه الحاجات والاستجابة لها.

التفويضات المؤسسية

بالإضافة إلى غياب الانتباه إلى الأمراض المزمنة ساهمت المؤسسات الإنسانية والإنمائية من خلال زيادة تخصصها في النتيجة بإحداث الإهمال العام لحاجات اللاجئين كبار السن، فغالباً ما تضع تفويضات المنظمات المنفردة أولوياتها على الفئات التي تنظر إليها على أنَّها الأكثر استضعافاً، كفئات النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة، وينتج عن ذلك غياب الخبرة في الموضوعات المتقاطعة بين القطَّاعات، مثل التقدم بالسن. وبينما نجد أنَّ للتخصص قدرة على إحداث التطورات الإيجابية لبعض أكثر الفئات استضعافاً؛ فعندما نتحدث عن كبار السن نجد بأنَّها لا تترك إلا قليلاً من مُنَاصِري قضاياها. وكما يشير أحد مستشاري السياسات قائلاً: "إنَّ فكرة إمكانية إضافتنا للرجال والنساء من كبار السن على قائمة المناقشات ليست مفتوحة أصلاً؛ لأنَّ جُلَّ تركيزنا يقع على النساء والفتيات فقط".

الاستجابة لصحة اللاجئين

بعد مرور سبع سنوات تقريباً من إقامة اللاجئين السوريين الآن في الأردن، يقول كثير من المستجيبين الإنسانيين: "إنَّ التركيز الهائل على وضع الطوارئ والمعالجة الرامية إلى إنقاذ الحياة فقط؛ لم تعد كافية للتعامل مع وضع الأزمة المُطَوَّلَة". وفي الواقع تقوم الاستجابة للاجئين وعلى الأخص منها الاستجابة الطبية، على أساس عقود من الخبرات في الاستجابة لحالات الطوارئ في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية التي تتضمَّن توفير الرعاية الصحية الأساسية، ورعاية الطوارئ، ومنع انتشار الأمراض السارية، وتلقيح الأطفال وتطعيمهم. ومع أنَّ هذه التدخلات الصحية العامة قَيِّمَة لا شك فيها؛ فإنَّ التركيبة السُّكَّانية للاجئين السوريين الذين قَدِمُوا من بلدٍ تُمَثِّل فيه الطبقة الوسطى السواد الأعظم، إنَّما تُمَثِّلُ الفئة الأكبر سنّاً التي لها حاجاتها الصحية الأكثر تعقيداً، وذلك غالباً ما يتطلَّب تدخلات طبية أكثر كُلْفَةً على المدى البعيد.

وهناك أكثر من نصف العائلات السورية من اللاجئين ممن لديهم على الأقل فرد واحد يعاني من مرض غير سارٍ، مثل ارتفاع الضغط، والروماتيزم، أو السُّكَّري.[iv]وتُمَثِّل الأمراض غير السارية في حقيقة الأمر واحدة من أكثر الأسباب شيوعاً للوفيات ومعدلات الوفاة في الأردن، بل تُمَثِّل ما يزيد على 70% من الوفيات،[v] ومع تَقَدُّم الوقت تصبح حاجات اللاجئين الذين يعانون من أمراض غير سارية، والتي تؤثِّر تأثيراً كبيراً على مجموعات كبار السن أكثر حِدَّة وأكثر كُلْفَةً من ناحية العلاج.

وتقول إحدى الخاضعات للمقابلة، وتعمل في منظمة غير حكومية تُقدِّم الخدمات الصحية للاجئين في الأردن، تقول: "إذاً إنَّها محبطة من عدم وجود نموذج لإدارة حاجات الرعاية الصحية للسكان المتأثِّرين بالأزمة المُطَوَّلَة"، وتقول: " إنَّ جميع الكتيبات الإرشادية مثل معايير أسفير لا تصلح إلا للأزمات سريعة الحدوث، ولكنَّها لا تعالج الطريقة التي يمكن أن تعيش فيها في خلال أزمة مُطَوَّلَة تستغرق سبع سنوات كالأزمة السورية".

وفي السنوات الأخيرة يبدو أنَّ السياسات الوطنية قد بدأت بأن تضع هذه العوامل في الاعتبار، وهكذا بدأت خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية لأعوام 2017- 2019 بالتركيز تركيزاً هائلاً على ضرورة تعزيز منظومات الرعاية الصحية الوطنية على المستوى الثاني والثالث، وذلك من أجل منع وقوع الأمراض المزمنة، ومعالجتها في حال وقوعها، بيْدَ أنَّ التنفيذ ما زال بطيئاً، فلم تعد مجموعة العمل على الأمراض غير السارية ضمن مجموعة عمل القطاع الصحي التابع للأمم المتحدة فعَّالة، بل تميل معظم الهيئات والمنظمات الدولية غير الحكومية إلى التركيز حصراً على الرعاية الطبية الأوَّلِية، وصحة الأمومة والمواليد الجدد. ووفقاً لكثير من الخاضعين للمقابلة العاملين ضمن القطاع يفرض التركيز على الأمراض المزمنة تكاليف باهظة، ويتضمَّن الحاجة إلى بذل قدر كبير جدّاً في ضمن منظومة الرعاية الصحية الوطنية القائمة، بل سيتطلَّب إشرافة طويلة الأمد.

الخطوات المستقبلية

مع دخول السوريين اللاجئين في الأردن عامهم الثاني في المنفى؛ أصبحت الحاجات الصحيَّة لهذه الفئة السُّكَّانية أكثر سوءاً بسبب عدم وجود الصفة القانونية لهم، فاللاجئون بالتعريف فئة مستضعفة لا تتمتع إلا بقدرٍ محدودٍ من الوصول إلى الرعاية الصحية وسُبُلِ كسب الرزق، والحصول على مستقبل مستدام. ويزداد هذا الوضع الخطير سوءاً بحقيقة أنَّ الأردن ليس من الدول المُوَقِّعَة على اتفاقية عام 1951 المتعلِّقة بوضع اللاجئين، وأنَّ ضعف مصادرها يُمَثِّلُ تحديّاً كبيراً جدّاً تجاه كل ما قدَّمته من كرم ضيافة للاجئين؛ إذ وصلت استطاعتها إلى أقصى حدودها. وفي عام 2014 تراجعت الحكومة عن تقديم خدماتها الصحية المجانية للاجئين السوريين، فأصبحوا يدفعون الأجور نفسها التي يدفعها الأردنيون غير المُأَمَّنِين. ونظراً لضعف فرص التوظيف ومحدوديتها؛ بدأت كثير من عائلات اللاجئين الآن تنزلق نحو الفقر. وفيما يخص اللاجئين من كبار السن لا يمكن لهم تحمُّل نفقات العلاج الصحي في الغالب، وتُمَثِّلُ الفواتير الصحية عبئاً ثقيلاً على عائلات كاملة.

ومع أنَّه ما من أحدٍ يدافع عن تحويل الانتباه والمصادر من النساء والبنات؛ هناك المناصرون في الميدان بالإضافة إلى المستجيبين الإنسانيين الذين يُنَاشِدُونَ توفير الدمج الأكبر في الاستجابة الإنسانية والإنمائية، ومن هنا يمكن بتوفير البيانات وجمعها وتحليلها بطريقة أن تكون أكثر تمثيلاً لحاجات كبار السن من اللاجئين، وتُعَبِّرُ عن أصواتهم. ولا بُدَّ من أن تتضمَّن هذه الجهود المُنَسَّقَة التغذية الراجعة من كبار السن، خاصة على مستوى رصد البرامج وتقييمها؛ لأنَّ ذلك سوف يضمن لهذه الفئة السُّكَّانية الظهور الأكبر ضمن جهود الاستجابة العامة.

وهناك طرق أخرى يُمْكِن الاستفادة منها في إدراج حاجات كبار السن، وهي غير مُكْلِفَة ماديّاً. إذ يقول خبراء الشيخوخة إنَّ أصغر التغيرات مثل استخدام علامات مطبوعة بأحرف أكبر للوحات والمنشورات وإن كانت تغيرات صغيرة؛ فقد تؤدي إلى مساعدة كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في الوصول إلى الخدمات التي يحتاجون إليها. ومن الأمثلة الأخرى على هذه التدخلات توفير الوجبات الغذائية، والمساعدات الغذائية وعبوتها؛ لأنَّ ذلك سوف يساعد على رعاية كبار السن من ناحية تلبية حاجاتهم الغذائية، بالإضافة إلى حاجات التغذية للبالغين الذين لديهم مشكلات في التغذية بسبب معاناتهم من أمراض مزمنة مثل السُّكَّري، أو ارتفاع الضغط، وكذلك جراحة الماء البيضاء في العين فهي واحدة من التدخلات الرخيصة والسهلة التي يُمكن أنْ تُحَسِّن حياة اللاجئين كبار السن.

وبالإضافة إلى ضمان تلقِّي اللاجئين من كبار السن للرعاية التي يحتاجون إليها؛ لا بُدَّ من تعزيز الوعي، وتعظيم الاندماج ضمن الاستجابة الإنمائية والإنسانية العامة؛ لأنَّ ذلك سوف يسمح لكبار السن بالمشاركة بفاعلية ضمن مجتمعاتهم. والأهم من ذلك أنَّه سيسمح لكبار السن بالحصول على الاعتراف بمساهماتهم باعتبارهم مقدمي رعاية وأفراد محترمين وخبراء في مجتمعاتهم، ومتطوعين محتملين.

سيغريد لوبيري Sml48@cam.ac.uk

مرشحة لنيل درجة الدكتوراه جامعة كامبردج، وتجري بحثها بالتعاون مع منظمة مساعدة المسنين الدولية في الأردن

www.helpage.org www.devstudies.cam.ac.uk



[i] منظمة تناصر حقوق كبار السن في الأزمات الإنسانية (HelpAge)

[ii] UNHCR (2015) Health access and utilization survey among non-camp Syrian refugees in

Jordan https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/JordanHAUS2015FINALReport-2.pdf

(استقصاء الوصول إلى الصحة واستغلالها بين اللاجئين السوريين غير المقيمين في المخيمات في الأردن)

[iii] See Sphere Project’s Handbook on Minimum Standards in Humanitarian Response, Core Standard 3 injunction to “Disaggregate population data by, at the very least, sex and age”.

(دليل المعايير الدنيا للاستجابة الإنسانية، ’توزيع السكان حسب الجنس والعمر على أقل تقدير‘)

تذكر الملحوظة التوجيهية المصاحبة الرابعة: "في أقرب فرصة ممكنة، قسّم الفئات مجدداً حسب الجنس والعمر. فيما يخص الأطفال 0-5 ذكور/إناث، 6-12 ذكور/إناث، 13-17 ذكور/إناث، 10 أقواس، ومثال ذلك: 50-59 ذكور/إناث، 60-69 ذكور/إناث، 70-79 ذكور/إناث، 80+ ذكور/إناث.

www.spherehandbook.org/en/core-standard-3-assessment

[iv] Doocy S et al (2015) ‘Prevalence and care-seeking for chronic diseases among Syrian refugees in Jordan’, BMC Public Health

(’انتشار الأمراض المزمنة وطلب الرعاية بشأنها بين اللاجئين السوريين في الأردن‘، مجلة بي إم سي للصحة العامة)

https://bmcpublichealth.biomedcentral.com/articles/10.1186/s12889-015-2429-3

[v] وفقاً لائتلاف الأمراض السارية في الأردن https://ncdalliance.org

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.