حماية ومساعدة المهاجرين العالقين في الأزمات

لقد شددت الأزمة الليبية في 2011 بصورة كبيرة على كيفية إعادة أنماط الهجرة العالمية تعريف نطاق ونوع احتياجات وصور استضعاف الأشخاص المتأثرين بالأزمة الإنسانية

أثار بُعد الهجرة للأزمة الليبية الجدال المتنامي حول الارتباط بين الأزمة والهجرة. ويمكن "لأزمة الهجرة" التي هي كارثة تتسبب في تنقلات سكانية واسعة النطاق وتتسم بالتعقيد من حيث الأشخاص المتأثرين والطرق الملتمسة إلى أماكن السلامة والبقاء، أن تتحدى الأنظمة الإنسانية القائمة التي تختص بالاستجابة للاجئين والنازحين داخلياً، حيث تلقي بالضوء على الفئات والاحتياجات وصور الاستضعاف المختلفة للنطاق الأوسع من الأشخاص المتأثرين جراء وضع الأزمة.

وفي حين أنَّ متطلب الاستجابات الفورية أو المتوقعة للأزمات ليس بالتأكيد شيئاً جديداً على المناقشات الإنسانية. لكن في حال كون السكان المعنيون مهاجرين (والذين يكون ملاذهم الأكثر أمناً في بعض الحالات هو مواطنهم الأصلية)، فإنَّ تحقيق الاستجابات السريعة والمتوقعة والفعالة والمناسبة يتطلب منا إعادة النظر في بعض الجوانب المختلفة لتلبية الاحتياجات الإنسانية بما في ذلك الأدوار والتنسيق إلى جانب البنية المؤسسية.

وتتحمل الدول المسؤولية الأساسية إزاء حماية ومساعدة الأشخاص المتأثرين جراء الأزمات والمقيمين في أقاليمهم بالصورة التي تتماشى مع القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. ومتى اقتضت الحاجة، فإنه يتعين على الدول السماح بالوصول الإنساني إلى الأشخاص المتأثرين بالأزمات حتى يمكن تقديم المساعدة الإنسانية من قِبل الدول الأخرى بما فيها ذلك الدول التي تأثر مواطنوها وغيرها من الفاعلين. وقد سيطرت أزمات عصرنا الحديث غالباً على الموارد والإمكانات المتاحة للدول لتقديم هذه الحماية والمساعدة لمواطنيها وقت الأزمات. ومن جهة المنظمة الدولية للهجرة، فنظراً لتفويضها ومواردها التشغيلية المتاحة وخبراتها في إدارة التنقلات فقد أصبحت جهة يمكن الاعتماد عليها كوكالة رائدة لدعم الدول في أداء التزاماتها تجاه السكان المهاجرين المتأثرين بالأزمات. وأصبح لاندماج إدارة الهجرة والمناهج الإنسانية المتبعة للتعامل مع وضع الأزمة المولّدة لأنماط معقّدة للتنقل البشري أهمية خاصة في بناء نظام الإحالة الكفؤ لمساعدة المهاجرين، مع الكثير من صور الاستضعاف واحتياجات الحماية، عند الفرار بأعداد كبيرة عبر أحد الحدود الدولية.

خلال الأزمة

خلال الأسابيع الستة الأولى من الأزمة الإنسانية في ليبيا، بلغت أعداد الواصلين إلى الحدود مع تونس ومصر وتشاد والنيجر والجزائر، وإلى مالطة وإيطاليا عن طريق البحر، ما يزيد معدله على 7000 شخص. وكان من بين الفارين إلى الدول المجاورة لليبيا وما وراءها العمال المهاجرون وعوائلهم واللاجئون وطالبو اللجوء والأطفال غير المصاحبين ببالغين وضحايا الإتجار بالبشر وغيرهم من الفئات المستضعفة الخاصة. وبقي عدد من المهاجرين عالقاً في منطقة النزاع، وقامت المنظمة الدولية للهجرة بإخراج 35000 من هؤلاء المهاجرين من المناطق التي تشهد وتيرة كبيرة من النزاع.

وقد تقدمت 46 حكومة إلى المنظمة الدولية للهجرة بطلب حماية ومساعدة السكان المهاجرين المتأثرين. لكن في بداية الاستجابة، ظهرت الحاجة لعدد من المناقشات وجهود المناصرة ضمن المجتمع الدولي لإعادة توجيه الإستراتيجية الإنسانية المبدئية. وأخيراً، استُخدمت المخيمات بصورة أساسية كمرافق انتقالية لدعم الإخلاء في الوقت المناسب بدلاً من أن تكون أماكن لتلقي الحماية والمساعدة في أزمات التهجير المطوّلة.

وعدا عن أنَّ إخلاء المهاجرين من الأصول المختلفة عملية صعبة فقد تطلبت أيضاً استخدام أنواع جديدة مبتكرة للتنسيق بين الحكومات والفاعلين الإنسانيين الدوليين وسلطات إدارة الهجرة والمسؤولين القنصليين والفاعلين العسكريين وشركات النقل. وتوضح الاستجابة للأزمة الليبية مستوى ملحوظاً من التعاون الدولي والدافع الذي أبدته دول الموطن الأصلي ودول الانتقال والجهات التي قدمت المساعدة الخارجية.

أضف إلى ذلك، أن الحاجة لخدمات إدارة الهجرة بغرض إدارة حركة السكان العابرين للحدود على سبيل المثال وضمان آلية الإحالة القوية للأشخاص المستضعفين استضعافاً خاصاً أو احتياجات الحماية وتقديم وثائق السفر والتماس حرية العبور للمهاجرين غير الحاملين للوثائق قد ظهرت كجانب مركزي ومهمل في بعض الأحيان للاستجابة لهذه الأزمة.

وفي حين شق 3% من المهاجرين المتأثرين بالأزمة والمنتشرين في ليبيا طريقهم إلى أوروبا وغالباً ما كان ذلك في القوارب غير الصالحة للإبحار فمن المتوقع أنه ما لم يتمكن أولئك المهاجرون من قبول المساعدة الفورية للعودة للوطن، سيصبح عدد أكبر بكثير من المهاجرين عرضة للإتجار بالبشر وعصابات التهريب التي ستعدهم بإيجاد سبيل لخروجهم من منطقة الأزمة إلى أوروبا وما وراءها.

التطلع للمستقبل

من الواضح أن "أزمة الهجرة" كتلك التي حدثت في ليبيا قد ولَّدت أنماطاً للهجرة القسرية لا تُظهر السمات التقليدية للتنقل المتوقع والمُستعد له في الاستجابات الإنسانية الدولية. وتثير دراسة صور استضعاف المهاجرين التساؤلات حول الاستعدادية العامة للدول لتقديم الحماية والمساعدة لجميع مواطنيها المقيمين في الخارج في حالة حدوث أزمة. وفي أعقاب الأزمة الليبية، أقر عدد من الدول الأسيوية بالحاجة لتحسين إدارة الإخلاءات الإنسانية على المستوى الوطني والإقليمي، ولا يقل عن ذلك أهمية الحاجة لدعم إعادة اندماج مواطنيهم الذين عادوا إلى مواطنهم ليواجهوا البطالة والديون التي ربما ترتبت عليهم جراء تمويل رحلة هجرتهم الطويلة.

لقد ألقت الأزمة الليبية الضوء على الكيفية التي يمكن بها فهم أنماط الهجرة الدولية المساعدة في صياغة استجابة أكثر كفاءة وإنسانية، حيث إنَّ محن المهاجرين واحتياجاتهم الخاصة تزيد من تعقيد استجابات الأزمة. كما أنها تظهر أيضاً التحديات الشاملة التي يواجهها العديد من أنظمة إدارة الهجرة ضمن الاستجابة الإنسانية. وتتضمن أدوات إدارة الهجرة المختلفة والتي تتعلق بضمان الاستجابة الإنسانية والفعالة للسكان خلال تنقلاتهم الخدمات القنصلية الطارئة وأنظمة الإحالة للأشخاص من ذوي احتياجات الحماية الخاصة والحماية المؤقتة للمهاجرين العابرين لإحدى الحدود الدولية. وستستمر المنظمة الدولية للهجرة في تشجيع ودعم الجهود لمناقشة واستكشاف بُعد الهجرة في الأزمات داخل المجتمع الدولي.

 

محمد عبدي كير mabdiker@iom.int هو مدير الطوارئ والعمليات بالمنظمة الدولية للهجرة www.iom.int وأنجيلا شيروود asherwood@iom.int هي مسؤول السياسات والبحوث في المنظمة.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.