لسنا جميعاً مصريين

بالنسبة لكثير من اللاجئين في مصر، اتسمت الثورة التي دامت أسابيع معدودة بالعزلة والخوف والوحشية، وبعد الثورة، لم تتحقق الوعود المقدمة بشأن توسيع نطاق الحرية ليشتمل على اللاجئين.

في الأيام العصيبة من الربيع العربي عام 2011، ورغم الشعارات التي أطلقها المحتجون في ميدان التحرير ومنها "جميعنا مصريون"، كان كثير من اللاجئين والمهاجرين في مصر يواجهون مشاعر كراهية الأجانب والتمييز العنصري الصريح والعنف من الطرف الأخر. وقد سجَّلت المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين في مصر نشاطها الأكبر في عام 2011 والذي شهد ارتفاعاً بنسبة 20%.في عدد الشكاوى التي قدمها اللاجئون بشأن تعرضهم للاعتقال والاحتجاز التعسفيين والتمييز والعنف ضدهم

وإلى وقت قريب، كان اللاجئون في مصر يواجهون سياسة استقبال اتسمت "بالتجاهل غير الضار" لقضاياهم، أما الشكاوى الرئيسية التي تقدم بها اللاجئون قبل الثورة فقد كانت تتعلق بعدم قدرتهم على النَّفاذ إلى المدارس الحكومية وتعرضهم للتمييز في العمل والإسكان والاعتقال التعسفي كما وقع بعضهم ضحية للجنايات التي ارتكبت بحقهم (على يد المصريين واللاجئين الآخرين على حد سواء). وبالإضافة إلى ذلك، فقد توقفت عملية إعادة التوطين فعلياً كخيار متاح أمام اللاجئين (باستثناء اللاجئين العراقيين وعلى الأخص منهم اللاجئين المستضعفين). ومثل هذه التغيرات في سياسات إعادة التوطين وتحديد صفة اللجوء تسببت في ظهور احتجاج عارم واعتصام دام تسعين يوماً أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين في القاهرة في نهاية عام 2005، وكان ذلك الاعتصام واحداً من أكثر الأعمال بروزاً من بين جميع الاحتجاجات العامة التي شهدتها مصر خلال العقد السابق للثورة. لكنَّ لقي ذلك الاحتجاج قمعاً من قوات الأمن المصرية وتمخض عن سقوط 26 قتيلاً.

ومع دخول الثورة إلى المجهول، أصبح اللاجئون عرضة للشك بهم بسبب ظهور الدعايات المؤيدة لنظام مبارك المنهار والتي كانت تزعم أنَّ البلاد تتعرض لمؤامرة من قوى خارجية محرضة، وجاء ذلك مع انتشار مفهوم واسع النطاق بأنَّ اللاجئين موجودون في مصر بسبب السياسات التي اتبعها نظام مبارك، وأدى ذلك كله إلى تفشي جو من العداء ورفض تقديم الخدمات للاجئين بل تعدى ذلك إلى استغلالهم وتهديدهم وارتكاب العنف بحقهم. ومثال ذلك لاجئة عراقية تبلغ من العمر 49 عاماً وهي أم تعيش بمفردها مع أبنائها، وكانت جارة لها قد أبلغت أنَّها تحوز في مسكنها أسلحة وأنها مندسّة ومحرضة من الخارج فكانت النتيجة أن اقتحمت القوات المصرية سكنها وأجبرتها على الإخلاء والبحث عن مكان آخر لتعيش فيه.

كما كان للتغير الذي طرأ على نظام الشرطة أثر كبير على اللاجئين، فخلال الثورة، انتقلت مهام الشرطة إلى "اللجان الشعبية" المحلية التي عينت نفسها بنفسها والتي غالباً ما كانت تقيم الحواجز وتتسلح بالأسلحة الخفيفة كالسكاكين مثلاً. ولم تكن بعض اللجان تسمح للاجئين الانضمام إليها وحتى اللاجئين الذين يعيشون منذ أمد بعيد في الأحياء المختلطة فقد كانوا يتعرضون للاستجواب والمضايقة عند تحركهم خارج تلك الأحياء. ومع ذلك، يشير بعض اللاجئين إلى أنَّهم لقوا ترحيباً بعرضهم الانضمام للجان، كما أفاد كثير منهم أنَّ الانضمام إلى اللجان كان الأمر الوحيد الذي سُمح لهم بالمساهمة فيه أثناء الثورة.

وحتى في أعقاب الثورة، فرض تولي الجيش مهام الشرطة المدنية تحديات جديدة أمام اللاجئين وأولها أنَّ الجنود لم يكونوا على دراية بوثائق هوية اللاجئين وبوجود صفة قانونية لهم اسمها "لاجئ". هذا الجهل أدى إلى اعتقال عدد من اللاجئين وتهديدهم بالترحيل الفوري. وفي بعض الأحيان، تمكنت المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين من التدخل من خلال محاميها وإطلاق سراح اللاجئين (رغم أن ذلك لم يحدث قبل وصولهم إلى المطار)

ومنذ اندلاع الثورة، كان على محامي المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين زيارة موكليهم في بيوتهم نظراً لصعوبة بل استحالة وصول اللاجئين إلى مكاتب المؤسسة في القاهرة. أما مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين فقد أغلقت مكاتبها في مصر لأسبوعين تقريباً خلال الثورة. وخلال هذه الفترة،  لم يتمكن اللاجئون من القيام  بالتسجيل وتحديد الوضع القانوني فحسب بل أيضاً لم يحصلوا على خدمات الحماية والمساعدات المالية. لكن المفوضية تمكنت من التخفيف من وطأة إغلاق مكاتبها عن طريق الاستعانة بالمنظمات الأهلية المحلية في مجال توزيع المساعدات المالية. ومع ذلك، اشتكى عدد من اللاجئين من غياب الشفافية في عمليات الدفع وعبروا عن ارتيابهم في وجود الفساد حتى ضمن المنظمات الأهلية المحلية المعروفة. وذلك كان درس تعلمته المفوضية من الثورة فتمكنت من تقليص ذلك الاضطراب بتخفيف مدة الإغلاق لاحقاً.

وعدا عن المفوضية، فقد أغلقت المنظمات الأهلية مكاتبها أيضاً، وحيث إنَّ الجهات الكبرى التي تقدم الخدمات للاجئين كانت تقع قرب بؤرة أحداث الثورة فقد نشأت بعض المشكلات من حيث توفير الكوادر ووصول اللاجئين إلى مكاتبها. وبالنسبة للمنظمات التي كانت تعتمد اعتماداً كبيراً على الكوادر الدولية والمقيمين الدوليين، فقد عانت من استنزاف في مواردها البشرية مع مغادرة أولئك العاملين لمصر.

الخطوات المستقبلية

لقد جذبت الثورة كثيراً من الاهتمام نحو المجتمع المدني في مصر ما أدى إلى زيادة فرص التمويل. وقد جذب التمويل الكبير الانتباه العام إلى قضية تمويل أنشطة المجتمع المدني في مصر. وعلى وجه الخصوص، أدى توسيع الحكومة الأمريكية بصورة عامة لتمويل المجتمع المدني المصري إلى ظهور حالة من العداء الكبير في وسائل الإعلام المصرية. وفي حين عملت منظمات المجتمع المدني لعقد من الزمن على الأقل تحت قيود هائلة، تحث الثورة الآن على تقويض تلك المنظمات، مما كان له أثر سلبي على جميع منظمات المجتمع المدني، بما فيها مقدمو الخدمات للاجئين رغم أنَّ أياً من تلك المنظمات لم تكن لتعمل دون الحصول على مساعدات من خارج مصر.

والمدهش في الأمر ضمن هذه البيئة أنَّه كان هناك تزايد في اهتمام اللاجئين بتنظيم أنفسهم في المنظمات المجتمعية.. وفي حين أنَّه كان هناك بالفعل عدد من تلك المنظمات الخاصة باللاجئين في القاهرة منذ فترة طوية (خاصة بين الجاليات العريقة كالجماعات العرقية الصومالية) فقد أصبح هناك بعد الثورة أعداد متزايدة من اللاجئين ممن تواصلوا مع المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين بهدف تنظيم أنفسهم ضمن إطار رسمي كمنظمات مجتمعية. ولربما جاء بعض ذلك الاهتمام من العزلة التي شعروا بها بعد الثورة ورغبة منهم في تخفيف ذلك الموقف  في المستقبل. وكبديل لذلك، قد ينشأ بعض هذا الاهتمام من الإحساس بالفرصة والحرية التي شعر بها الكثيرون في مصر.

لقد زادت أعداد منظمات المجتمع المدني من تنقل المديرين الأكفاء وجعلت استقطاب الكوادر الأكفاء أمراً صعباً للغاية، والآن، يتنافس مقدمو الخدمات للاجئين على الكوادر مع منظمات المجتمع المدني ذائعة الصيت وذات الملامح السياسية البارزة والتي كانت في العادة تعرض رواتب أكبر.

إثبات حكم القانون

لقد فرضت الثورة تحديات بشأن حكم القانون، حيث تأثرت بها مؤسسات حقوق الإنسان الوطنية في مصر التي تعاونت معها في الأعوام القليلة الماضية منظمات أهلية معنية باللاجئين هدف مساعدتهم.

لكن تبقى المخاطر الكبرى في مصر متعلقة بالجهل واللامبالاة اللتين تبديهما الأحزاب السياسية إزاء اللاجئين. فقضايا اللاجئين تواجه اليوم مطالب كبيرة ملحة من قبل المواطنين لكن أصبحت تلك القضايا الآن أكثر تهميشاً. ومنذ الثورة، انصب تركيز معظم الفاعلين السياسيين على المواطنين على أنهم أولى من غيرهم في الحصول على الحقوق في مصر، ومعظم الحقوق المنصوص عليها في الإعلان الدستوري كانت تتعلق بالمواطنين فقط دون غيرهم. من هنا، ورغم الفرصة التي أتاحتها الحرية السياسية التي جاءت بها الثورة، وجد مناصرو قضايا اللاجئين أنفسهم مجبرين على التركيز الأكبر على الحفاظ على الحقوق الأساسية (كحق منع الإعادة القسرية) بدلاً من توسيع نطاق حقوقاللاجئين.

الخلاصة

لقد أدت الفوضى مع الغموض الذي حاق بالثورة والتمييز الذي تبعها إلى زيادة انتهاكات حقوق الإنسان الخاصة باللاجئين وجعلت جميع اللاجئين مستضعفين. وعلامة على الخوف الذي كان اللاجئون يشعرون به، هناك أعداد متزايدة منهم وقت كتابة هذه المقالة ينظمون اعتصاماً عاماً (بدأ في مارس/آذار 2012) أمام مكاتب مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين في القاهرة يطالبون فيه بإعادة التوطين أو بتأمين السكن المنفصل. (والمفارقة أنَّه بالنسبة لواحد من المواقع التجريبية ضمن سياسة المفوضية الجديدة بشأن اللاجئين في الحضر، فقد جعلت الثورة اللاجئين مناصرين لسياسة توسيع المخيمات الحضرية).

أما السياسات الحكومية الجديدة وممارستها إزاء اللاجئين ومواقف الشارع المصري فستكون واحدة من المؤشرات الأولى على مدى التحقيق الفعلي للحرية والدمج اللذان وُعد بهما الثوار في ميدان التحرير.

 

مارتن جونز martin.jones@york.ac.uk هو نائب رئيس المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين ومحاضر في مركز حقوق الإنسان التطبيقية في جامعة يورك (المملكة المتحدة).

شارك في إعداد هذه المقالة كلُ من محمد بيومي وأحمد بدوي وسارة صادق، وهم جميعاً يعملون لدى المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين www.efrr-eg.com

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.