السياسات الانتقالية والحلول الدائمة للبانديتيين الكشمريين المهجَّرين

استمرار مأزق الأشخاص الذين بقوا مهجرين من وادي كشمير منذ عام 1989 ناتج عن العواقب غير المقصودة للسياسات السابقة. والانتقال من السياسات المؤقتة التي تبقي على سلامة مجتمعات المهجرين في مناطق آمنة إلى السياسات التي ترمي إلى تأمين حلول طويلة الأمد يفرض معضلات أخلاقية لصانعي السياسات.

تتأثر حياة المهجرين بالنزاعات تأثراً كبيراً بسبب السياسات المبدئية التي تصدر للتعامل مع الأزمة ومستجداتها. وبالإضافة إلى تحدي البدء من جديد ما زالت الفئات المهجرة بسبب النزاعات تتعرض لتهميش أفراد المجتمعات المضيفة وصانعي السياسات الذين يطلقون عليهم تسميات مختلفة مثل: المهاجرون أو الأقليات أو الضيوف بهدف إخفاء السبب الحقيقي وراء تهجيرهم. وغالباً ما تكون السياسات المصاغة للتعامل مع أزمة مثل هذا التهجير نتيجة تلك التسميات وهذا ما حدث بالنسبة للسياسات التي وُضٍعت للتعامل مع الإخلاء القسري للبنديتيين الكشميريين من وادي كشمير الخاضع لإدارة الهند في عام 1989.

ويمثل الفارون من ذلك الوادي قرابة 250 ألف كشميري مهجر تطلق الحكومة الهندية عليهم تسمية المهاجرين. ويُضَاف إلى هذه الأعداد جيل كامل من اليافعين والشباب الذين ولدوا خارج كشمير وتلقوا تعليمهم خارجها. وقد تجاوزت المدة التي هُجٍر فيها هذا المجتمع المحلي إلى أكثر من 25 عاماً دون حدوث أي تغيير على السياسات المؤقتة التي تضمنتها مواقف صانعي السياسات الرئيسية والتي صُمٍمت لخدمة الحاجات الانتقالية للمهجرين.

أما بالنسبة للمجتمعات المهجرة فمثل الانتقال غير المخطط له تحدياً كبيراً بالنسبة للمهجرين من الوادي. فالتهجير القسري مزق الأواصر الأسرية، والعلاقات الاجتماعية والثقافية وتسبب في تعطيل الوظائف، والتعليم، وفرص الزواج لكثير منهم. وبالإضافة إلى الصدمة الاجتماعية والنفسية، واجه هذا المجتمع التحديات المرتبطة بحرارة المناخ في دلهي وجامو وكان عليهم أيضاً أن يتعاملوا مع مجتمعات أكثر اكتظاظاً وبيروقراطيةً.

وكانت الإناث في ذلك المجتمع على العموم أكثر مقاومة للظروف وأكثر قدرة على استعادة الإحساس برباطة الجأش بسرعة أكبر مما أظهره الرجال. أما من ناحية الرجال فكانت تجربتهم مع الصدمة التي عانوا منها قد تضاعفت لاضطرارهم إلى العمل فيما تصوروه وظائف مهينة وذلك من أجل البقاء على قيد الحياة في المدن الجديدة. لكنَّ النساء اكتسبن مهارات جديدة في الأعمال التجارية لدعم أزواجهن في إدارة المتاجر المؤقتة المخصصة للمهجرين. ومع ذلك، كان للتحول من وضع التاجر المحترم والبنديتي المقيم في الوادي إلى مجرد مهجَّر غير معروف أثر في ظهور خبرة غير عادية لجميع أفراد المجتمع وزادت الأمور صعوبة بسبب السياسات المؤقتة والمخصصة حول المهاجرين.

الإطار العام للسياسات

رغم مرور 25 عاماً، ما زالت الحكومة الوطنية تصف هذا التهجير على أنه نتيجة الاضطرابات المؤقتة في الوادي وهذا يعني أن الحكومة تمسكت بعناد بموقفها تجاه مبدأ "أن على الأسر أن تعود من حيث أتت". ونتيجة لذلك ظهر طيف من السياسات الرسمية عبر العقود لخدمة الحاجات الانتقالية للمهاجرين.[1]ويتعارض ذلك مع فهم الأسر ومفاده أن هذه الأزمة لا يمكن حلها ولا يمكن للأمور أن تعود كما كانت عليه في السابق بل إنها أضرت بمجتمعهم إضراراً أبدياً. ونتيجة لذلك، تنظر الأسر للسياسات التقليدية على أنها "عديمة الفائدة" "ومهينة" وأن "لا علاقة لها بموضوعها".[2] ومع مرور السينين تطورت السياسات استجابة للحاجات المتغيرة لهذا المجتمع، ومع ذلك نتج عن مجموع السياسات نتائج مختلطة لكل من المستفيدين وصانعي القرار على حد سواء.

التصنيف الرسمي: اتسم الإدماج الاجتماعي والوصول للخدمات بالنسبة لمجتمع الكشميريين بالمحدودية نظراً لتصنيفهم الرسمي على أنهم مهاجرون. ومع الاعتراف بأهمية استخدام التسميات كأدوات من أجل تحديد الأعضاء الشرعيين في جماعة ما لغايات توزيع الحصص الغذائية والمنافع، فقد أدت مثل هذه التسميات بالمجتمعات المضيفة في دلهي وجامو إلى إخراج مجتمع الكشميريين من دوائرهم الاجتماعية والاقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك يُفهَم من مسمى المهاجر أننا نتحدث عن المغادرة الطوعية من الوادي. وأتاحت هذه التسمية للمسؤولين تجنب ضرورة مواجهة مرتكبي الإخلاء القسري الذين ما زالوا خارج نطاق المساءلة.

الإسكان:  تمثلت الاستجابة الرسمية لما كان يسمى "بالاضطراب المؤقت" في توفير مستوطنات شبيهة بالقرى في هذا المجتمع خارج وادي كشمير ليكون ملاذاً آمناً وقريباً إلى خبرتهم في أوطانهم. وبالانسجام مع الموقف الرسمي الذي رأى في هذا التهجير أزمة مؤقتة، تتمسك الحكومة بملكيتها لتلك المستوطنات وتسمح للمقيمين فيها بالمكوث إلى حين عودة الأمور إلى مجاريها في الوادي. ولما كانت عائلات المهجرين تعيش في هذه المستوطنات في شقق تتكون من غرفتين ضمن مجمعات متعددة الطوابق في جامو فقد استمرت هذه العائلات برثاء فقدانها لمواطن أجدادها. ولذلك لا يمكن للطبيعة الانتقالية لهذا النوع من الإسكان أن يفعل شيئاً في سبيل معالجة الشواغل الأعمق لهذا المجتمع ولا يمكن أن يعيد إليهم الإحساس بأن الأمور قد عادت طبيعية كما كانت ولا بتوفير الأمن بعيد الأمد لهم. ومع ذلك، يواجه صانعوا السياسات معضلة أخلاقية، فنقل العائلات إلى المجتمع الرئيسي في البلاد قد يؤدي إلى الاعتراف في الأزمة أكثر من الاعتراف بها على أنها مؤقتة وقد يؤدي ذلك إلى تحطيم الآمال بين الذين يرغبون بالعودة إلى ديارهم في نهاية المطاف.

سبل كسب الرزق: يفرض تأمين الوصول إلى الفرص الاقتصادية تحديات بالنسبة لكثير من أفراد أي مجتمع مهجر وتنتشر الضغوطات المضافة إلى المجتمعات المضيفة وتتجسد غالباً بتوترات شديدة بين المجتمعين المهجَّر والمضيف. وللحد من تلك الضغوط، تضمنت حزمة السياسات الموجهة للأسر الاستخدام المؤقت للمتاجر المتاحة لاستخدامهم في المجتمعات المضيفة. وعلى المدى القصير، أتاح ذلك للأسر على الأقل بالحصول على شيء من إحساسهم بالكرامة والرفاه الاقتصادي، ومع ذلك ما زالت الحكومة تستحوذ على ملكية تلك المتاجر وتمنع توسعها. ولتحقيق الانتقال من هذه المتاجر المؤقتة إلى سبل أكثر ديمومة لدر الدخل لا بد من الاعتراف بأنَّ التهجير قد جعل من العودة إلى الديار أمراً مستحيلاً.

التعليم: على النقيض من السياسات التي لم تكن معنية كثيراً بالأثر المقصور على المستفيدين، حظيت إحدى السياسات بتقدير الأسر على أنه كان لها أثر إيجابي في خبرتهم العامة في التهجير. ووفقاً لخطة التوزيع الخاصة لأطفال المهاجرين الكشميريين، تمكَّن أطفال العائلات المهجرة من الاستفادة من منظومات المدارس في المجتمعات المضيفة متخطين بذلك عقبة الأمور البيروقراطية المطلوبة للقبول في المدارس. فهذه المبادرة المدروسة لم تمنع وقوع الأطفال ضحايا للشوارع وعمالة الأطفال فحسب بل مكَّنت اليافعين الكشميريين بأدوات البقاء على الحياة وغرست في نفوسهم شعوراً بالقدرة على مقاومة الظروف والثقة. وهذا ما يختلف عن استراتيجيات البقاء لكثير من المجتمعات المهجرة في العالم. وسياسة التعليم للبنديتيين المهجرين مثال يُثنَى عليه للسياسة التي يمكنها أن تقدم نتائج طيبة منظورة ليس للمهجَّرين فحسب بل لأفراد المجتمعات المضيفة والبلد بأكمله. وتساعد مثل هذه الممارسات على بناء أنموذج يمكن تكراره في المجتمعات المهجرة المشابهة في العالم.

الاعتراف بمخاطر "السياسات الانتقالية"

في الوقت الذي تستحوذ فيه الحكومة على قرى المهجرين وما ينطوي على ذلك من دور مهم في السنوات الأولى للتهجير، فقد أنشأت هذه القرى عبر سنوات الهجرة المطولة فاصلاً ثقافياً ومجتمعياً بين المجتمعات المحلية ومجتمعات المهجرين وعززت من الصورة النمطية لكل منهما في ذهن الآخر. والعجيب في الأمر أنه رغم أن عائلات البنديتيين الكشميريين محاطون بأفراد من جماعتهم العرقية، ومعابدهم، ومدارسهم، ومتاجرهم فهم يكرهون العيش في الأماكن التي لا يجدون فيها فرصاً اقتصادية ولا فضاءً سياسياً. وقد حان الوقت الآن للاعتراف بأن السياسة التي ما زالت تعزز من المجتمعات المتوازية تقدم بيئة خصبة لظهور النزاعات الجديدة وتؤدي إلى ظهور مخاطر أخلاقية لجميع الأشخاص المعنيين بها بما في ذلك وضع المجتمع المضيف في خطر.

ولسوء الحظ، ما زالت السياسات مستمرة في تعميق الفاصل بين المجتمعين إذ إنَّ الحكومة الوطنية الجديدة كشفت عن خطتها في تخصيص قطعة أرض في كشمير للذين يرغبون في العودة إليها. ومثل هذه الخطة لن يكون من أثرها إلا أن تضمن استمرار الفصل بين المجموعتين اللتين كانتا في الماضي تتعايشان معاً في كشمير وهذا ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة الأخلاقية بالنسبة لصانعي السياسات.

وبحثاً عن الحلول الدائمة، يجد الشباب البنديتي الكشميري الذي ولد وترعرع في المجتمعات خارج كشمير والذي أصبح مُمَكَّناً بتعليمه يجدون أنفسهم مركزين على المهارات المكتسبة حديثاً وذلك من خلال إقامة الشراكات مع المنظمات غير الحكومية، وزعماء القواعد الشعبية، وصانعي السياسات وذلك من أجل ضمان بناء مجتمعهم بدلاً من تكريس التفرقة بين المجتمعين بما يصبح سياسة. ولهؤلاء الشباب دور مهم جداً يمثلونه في التخطيط وفي تحقيق الحلول الدائمة وهم في وضع يمكِّنهم من المطالبة بالمشاركة في تحقيق الإنماء المجتمعي المطلوب والإصلاحات المجتمعية من أجل أفراد المجتمع وتمكينهم ليس من أجل الانتقال من الإسكان المؤقت إلى الإسكان العام فحسب بل أيضاً من أجل الاعتراف بهم على أنهم منتجون وأعضاء مساهمون في المجتمع. لقد حان الوقت لإدماج الأصوات الجديدة في عملية صناعة القرارات.

ومهما فعل صانعو القرارات فسوف يستمرون في مواجهة مشكلات أخلاقية وخيارات صعبة سواء أكانت تتعلق بالكشف عن سياسات العودة أم سياسات الدمج في المجتمعات المضيفة.

 

سودها غ راجبوتsrajput2@gmu.edu

بروفيسورة في كلية تحليل النزاعات وفضها، جامعة جورج مايسونhttp://scar.gmu.edu

 

هذه المقالة مبنية على بحث أجراه المؤلف ضمن أطروحة قدمها لنيل درجة الدكتوراه. (انظر الحاشية 2) 



[1]وزارة الداخلية، الحكومة الهندية. اتصالات شخصية، يوليو/تموز 2011.

[2]راجبوت س (2015) "النُّزوح الداخلي للكشميريين البانديتيين" في كوكريجا س (محرر) الدولة والمجتمع والأقليات في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. ليكسينغتون بوكس

(‘Internal Displacement of Kashmiri Pandits’ in Kukreja S (Ed) State, Society, and Minorities in South and Southeast Asia.)

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.