كيف تستخدم مجتمعات النازحين التكنولوجيا للحصول على الخدمات المالية؟

في حين أن الجفاف أرغم مئات الآلاف من الصوماليين على الفرار إلى كينيا وأثيوبيا أو إلى مخيمات النازحين داخل الأراضي الصومالية، فإن تقديم الخدمات المالية قد لا يبدو أولوية فورية. لكن تعد هذه الخدمات شريان الحياة للملايين من الأشخاص، بما في ذلك من نزحوا جراء الجفاف والحرب الأهلية والاضطرابات السياسية.

تحمل التكنولوجيا بعض وليس جميع الحلول للعديد من المشكلات المتعلقة بالفقر والنزوح. لكن بدأ الأشخاص، من بين السكان الصوماليين النازحين داخلياً، والذين يزيد عددهم عن مليوني شخص، ومئات الآلاف من اللاجئين في أثيوبيا وكينيا وجيبوتي، في الحصول على الخدمات البنكية الأساسية، وهذا راجع جزئياً إلى استخدامهم شركات تحويل الأموال التي يرون أنها طريقة موثوقة وناجحة لاستلام وإرسال النقد.

ويعد قطاع الاتصالات بالصومال واحداً من أكثر القطاعات تنافسية حول العالم، مع زيادة عدد الشركات المرخّصة والعاملة هناك، ومن هؤلاء شركة "SOMTEL" التابعة لشركة "دهب شيل". وقد تركزت الاستثمارات المستمرة في مجال الاتصالات عبر الهاتف النقّال على وجه الخصوص منذ أواسط التسعينات، إذ صارت علامة مميزة للنجاح التجاري في البلاد. كما تزايد الطلب على الخدمات، لكن حدّت المنافسة القوية بين الشركات من الزيادة في الأسعار، فالتكنولوجيا محدّثة وموثوق بها وإرسالها هو الأوضح في أفريقيا.

وكنتيجة لذلك، صارت الهواتف النقّالة جزءً من الحياة اليومية بالنسبة للعديد من الجماعات المختلفة في المناطق الصومالية، حيث يتم في الغالب تقاسُم أجهزة الهاتف النقّال بين ثلاثة أشخاص أو ما يزيد. وبذلك، فإن عدد المستخدمين الدائمين لخدمات الهاتف النقّال هو أكبر بكثير من الاشتراكات. وتبيّن التقديرات المعتمدة أن ٧٠% من الأسر لديها على الأقل جهاز هاتف نقّال واحد وأن أكثر من ١.٥ مليون شخص في الصومال يحصلون على الخدمات. ويُقدّر أن حوالي مليوني صومالي ممن فرّوا من البلاد يستخدمون الهواتف النقّالة للتواصل مع من تركوهم.

الجدير بالذكر أن شركة "دهب شيل" تأسست عام ١٩٧٠ من قِبل أبي، محمد سعيد دوالي، فيما كان يُطلق عليه حينها "شمال الصومال". كانت الشركة في بداية الأمر شركة تجارة عامة لكنها اختصت فيما بعد بالتعامل مع الحوالات المرسلة إلى البلاد من العاملين المهاجرين في الشرق الأوسط. وفي عام ١٩٨٨، ومع اندلاع أعمال القتال عبر منطقتنا، سار مئات الآلاف من الصوماليين عبر الغابة إلى مخيمات اللاجئين في أثيوبيا وكينيا وغير ذلك، وانتهى الأمر بالكثيرين منهم إلى العيش كلاجئين في جميع أرجاء العالم.

وخلال هذه الفترة من النزوح الجماعي، رأى والدي حاجة الأشخاص الماسة لطريقة يتلقون بها المساعدات من ذويهم وأصدقائهم في الستات، فاعتمد على شبكة أصدقائه ومعارفه خارج البلاد لإعادة تأسيس شركته كي تقدّم خدمات تحويل الأموال وغيرها إلى اللاجئين. وقد اتسم العمل في منطقة مزقتها الصراعات بالمخاطر. لكنه نما بالتماشي مع أعداد الأشخاص في المخيمات والشتات المتزايدة باستمرار.

في البداية، ظهر العمل على أنه غير متطور لكنه كان مناسب وعملي، إذ لم نكن نسلّم الأموال فقط بل شمل ذلك أيضاً تقديم الطعام وغيره من المستلزمات إلى الأشخاص في المخيمات وغيرها من المناطق. فكنا نخيّر الأشخاص إما استلام النقد من أقاربهم بالخارج أو تحويله إلى طعام والمستلزمات الأخرى التي يخبروننا أنهم في حاجة إليها.

وخلال الحرب الأهلية، انهارت أنظمة البنوك والبريد والاتصالات الوطنية، وكان الأشخاص بحاجة ماسة للتواصل مع بعضهم البعض خاصة بسبب انتشار العنف والنزوح. حينها، ابتكر أبي العديد من الطرق كي يتعقّب الصوماليون ويتواصلون مع ذويهم وأصدقائهم المفقودين والنازحين. فبدأ في تسليم الخطابات وأشرطة الكاسيت، بما بها من رسائل مسجّلة، باليد إلى الأشخاص النازحين. وقام بذلك أيضاً عند تسليم الحوالات. وبهذه الطريقة، اكتشف صوماليو الشتات أن أقاربهم وذويهم لا يزالون على قيد الحياة وأماكن تواجدهم وما يحتاجونه.

وللأسف، فإن هناك أوجه للتشابه بين هذه السنوات والموقف اليوم. لكن الطريقة المبتكرة التي نقدم بها الخدمات المالية يمكنها إحداث الفرق وستستمر في ذلك. وبالفعل، حصل عملاء "دهب شيل" على خدمة التعقب القائمة على شبكة الإنترنت وتلقي إخطارات الرسائل النصية القصيرة الخاصة بمعاملاتهم المالية. وقد عملت التطورات في التكنولوجيا عبر السنوات على تجديد ملاحظات العملاء والتواصل معهم. ورغم أن الصوماليين في المناطق البعيدة لا يزالون يستخدمون أجهزة اللاسلكي عالية التردد، يستخدم الآخرون صوراً أكثر حداثة للاتصالات مثل الهواتف الذكية وفيسبوك وتويتر وما إلى ذلك. وتساعدنا بطاقة السحب الفوري على تعزيز المجتمع غير النقدي، وهذا هو الشيء ذو الأهمية القصوى في منطقة يسودها انعدام الأمن. وتقدم شركتنا للاتصالات خدمات هواتف الجيل الثالث (3G) والإنترنت ذا النطاق العريض والخدمات المصرفية عبر الهاتف النقّال.

لكننا بقينا ملتزمين تجاه هدفنا الأصلي، ألا وهو تقديم الخدمات إلى المناطق البعيدة في المواقع الصعبة. ونستخدم نظام العشائر الصومالية التقليدي، حيثما كان ذلك مناسباً، خاصة للتحقق من هوية العملاء، علاوة على خدمة الرسائل القصيرة والإنترنت وتكنولوجيا الهواتف النقّالة لتعقّب المتلقين في مخيمات اللاجئين وغير ذلك من المواقع صعب الوصول إليها.

وبنفس الطريقة التي قدمت بها "دهب شيل" شريان الحياة للاجئين الصوماليين، فقد صار معروفاً لدى المجتمعات النازحة، بما فيها الجنوب سودانية والرواندية والأوغندية واليمنية. والآن، فنحن نعمل على اجتذاب العملاء من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك وكالات الإغاثة الإنسانية الدولية التي تعمل في مجتمعات النازحين، كما نسهّل التدفقات النقدية لهذه الوكالات وغير ذلك من المتطلبات حتى يمكنها مساعدة النازحين. وقد تبرعت "دهب شيل" وحدها بملايين الدولارات للمجتمعات المعوزة من خلال برامجها لمسؤولية الشركات الاجتماعية.

ويقدّر الأشخاص المعوزون الذين يتلقون الحوالات النقدية مدى الاستقلالية والاحترام التي تقدمها لهم هذه المساعدة عند مقارنتها بالتبرعات الغذائية أو المادية. ومن وجهة نظر المتبرعين، تأتي التكاليف الإدارية المنخفضة والمخاطر القليلة المرتبطة بالتعامل مع الأموال نقداً بين العوامل التي تجعل للابتكار في عملية تحويل الأموال أهميته. وأرى إمكانية إجراء هذه التطورات كي تتناسب مع اهتمامات جميع المستفيدين في المجتمع في الدول المكافحة للفقر والنزوح، بما في ذلك الشركات الخاصة والحكومات والمنظمات غير الحكومية.

 وبعيداً عن مساعدة الصوماليين في إرسال واستلام الحوالات اللازمة والتواصل مع بعضهم البعض على المستوى المحلي والدولي، تقدم "دهب شيل" أيضاً العمل لآلاف اللاجئين والمهاجرين في جميع أنحاء العالم دون التمييز بين التوجهات العشائرية أو الجنسيات أو الأصول.

وختاماً، فإننا نرى "دهب شيل" ليس فقط من الناحية التجارية وإنما كما أملنا أن تكون جزءً داعماً وأساسياً من المجتمع الصومالي. وبالنسبة للعديد من الأشخاص في المنطقة، تعد الحوالات التي يتلقونها من ذويهم في الشتات مصدرهم الأساسي للرزق. وبإمكاننا مساعدتهم، إلى جانب الملايين من النازحين، من خلال مواكبة وتنفيذ أحدث التطورات التكنولوجية.  

يشغل عبد الرشيد دوالي منصب الرئيس التنفيذي لشركة "دهب شيل" (www.dahabshiil.com). وللحصول على مزيد من المعلومات، يُرجى الاتصال بـ news@dahabshiil.com

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.