هل يعد الاندماج المحلي حلاً للنزوح الداخلي المطوّل؟

ينبغي تولية المزيد من الاهتمام للاندماج المحلي بوصفه حلاً مستحباً لتوطين النازحين داخلياً، خاصة في أوضاع النزوح المطوّل. ويسلط البحث الذي أُجري مؤخراً في ست دول في أفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية الضوء على عدد من العوامل التي قد تساعد أو تعيق الاندماج.

يعيش حوالي ثلثي النازحين داخلياً في العالم، والبالغ عددهم ٢٧ مليون شخص، في أوضاع النزوح المطوّل.[1] ويحدد "الإطار المتعلق بالحلول الدائمة لمشكلة المشردين داخلياً" التابع للجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات ثلاثة خيارات للتوطين من أجل الحلول المستدامة للنازحين داخلياً، وهي: العودة إلى مجتمعاتهم الأصلية أو التوطين في المنطقة التي نزحوا إليها أو التوطين في مكان آخر من الدولة.[2] وفي حين أن العودة هي الخيار الذي تصرّ عليه غالباً الحكومات والفاعلين الدوليين الآخرين، فإنه يجب اعتبار الحلول المستدامة الأخرى، ومنها الاندماج المحلي، خاصة عندما يرغب النازحون داخلياً في الاندماج المحلي أو عند نزوحهم لفترات زمنية طويلة مع صعوبة عودتهم.

 

ومن أجل استكشاف كل من الممارسات المناسبة التي تسهّل الاندماج المحلي والعقبات التي تواجهها، نظّم المشروع المشترك بين مؤسسة بروكنغز وجامعة لندن للاقتصاد حول النزوح الداخلي ومركز رصد النزوح الداخلي، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حلقة دراسية للخبراء في جنيف في يناير/كانون الأول ٢٠١١. هذه الندوة ركزت على ست دول تواجه النزوح الداخلي المطوّل وهي: بوروندي وكولومبيا وجورجيا وصربيا والسودان وأوغندا. وقد خضع كلٌ منها للبحث الميداني الذي قامت عليه الندوة.[3] وفي أغلب الحالات (كولومبيا وجورجيا وصربيا وبوروندي) لاقت هذه الدول العديد من موجات النزوح. وفي جميع الحالات الست، عززت الحكومات العودة، حتى في الحالات التي لم تكن فيها العودة ممكنة نظراً للانعدام المستمر للأمن.

 

وعلى الرغم من الإصرار والتفضيل الرسمي لحل العودة، فإنها صعبة في الغالب. وقد كانت العودة هي حل التوطين الذي اختاره ٩٠% من النازحين داخلياً في أوغندا وحوالي ٥٠% نازحاً داخلياً في بوروندي وجنوب السودان (رغم اشتمال النسبة الأخيرة على من عادوا إلى جنوب السودان[4] ككل، وليس بالضرورة إلى بلاد المنشأ). وفي كولومبيا وجورجيا وصربيا، عادت نسبة بسيطة للغاية من النازحين نتيجة لانعدام الأمن وغياب الحلول السياسية للصراعات.

 

إن الاندماج المحلي هو خيار يختلف اختلافاً نوعياً عن العودة والتوطين في مكان آخر، حيث أنه لا يشتمل في الغالب على التنقل وقد لا يتخذ النازحين داخلياً قراراً واعٍ للاندماج محلياً في وقت معين. وفي حين أن جميع الحكومات تستخدم مصطلح "العودة" عند مناقشة عودة النازحين داخلياً إلى بلد منشئهم، فإنهم يستخدمون مصطلحات أخرى مختلفة للاندماج المحلي. ففي صربيا، على سبيل المثال، يُطلق على الاندماج المحلي "تحسين الظروف المعيشية"، في حين أنه "دعم الظروف المعيشية اللائقة للسكان النازحين ومشاركتهم المجتمعية" في جورجيا و"الاستقرار" في كولومبيا. وغالباً ما تتطور خيارات التوطين بمرور الزمن.

 

ويوضح البحث الذي أُجري في الدول الست أن هناك بعض التقدم تجاه الحلول المستدامة من خلال الاندماج المحلي. وقد أوضح النازحون داخلياً في بوروندي أن العامل الرئيسي الذي سهل اندماجهم محلياً هو رغبتهم القوية في البقاء حيثما كانوا، حيث أقاموا علاقات قوية مع جيرانهم غير النازحين، وشاركوا في الشؤون المجتمعية وحصلوا على الوثائق والخدمات بنفس المدى الذي حصل عليه جيرانهم من غير النازحين وشعروا بالأمان. وفي جنوب السودان، كيّف النازحون داخلياً سبل عيشهم وفقاً للمحيط المحلي (من تربية الماشية إلى الزراعة) ولم يقف نزوحهم عائقاً أمام الحصول على الوثائق اللازمة أو تلقي الرعاية الصحية أو مقدرتهم على المشاركة في الحياة العامة.  

 

ليس النازحون داخلياً بجماعة متجانسة، وتستند تفضيلاتهم لصور التوطين المختلفة على خبراتهم الشخصية وظروف الحرب، حتى داخل الأسرة الواحدة. وقد تجعلهم خبرات الأفراد أو العائلات أو الجماعات من بعض المناطق يختارون الاندماج المحلي حتى وإن اعتقد البعض الآخر في إمكانية العودة. ففي صربيا مثلاً، يبدي النازحون داخلياً من روما اهتماماً بالعودة أقل من النازحين داخلياً من صربيا. وفي حين يفضل النازحون داخلياً من كبار السن العودة إذا بقوا تحت سلطة الدولة الصربية، فإن النازحين داخلياً من صغار السن لا يهتمون، ما لم تُتاح لهم فرص العيش وكسب الرزق. كما نزحت مجتمعات السكان الأصليين في كولومبيا، والذين تعد عودتهم إلى منطقة المنشأ ذات أهمية أساسية، عدة مرات، مع استمرارها في النزوح.

 

ومن الوارد أيضاً أن يفضل النازحون داخلياً خيارات التوطين المختلطة من خلال التنقل من وإلى مناطق نشأتهم لزراعة أراضيهم. ففي أوغندا، اتخذ بعض النازحين داخلياً الأراضي في دول المنشأ كمأوى ولزراعتها في حين أنهم يواصلون أعمالهم التجارية في مناطق نزوحهم. أما في بوروندي، فإن أغلب النازحين داخلياً يزرعون أراضيهم في دول منشأهم مع العيش في مستوطنات النازحين داخلياً. وقد تتغير أهداف وتفضيلات النازحين داخلياً بمرور الزمن ووفقاً لأماكن نزوحهم. وحتى في مواقع النزوح المطوّل، يعدّ النزوح عمليةً ديناميكيةً.

 

العوائق أمام الاندماج المحلي

 

تمثل المصاعب المحيطة بالقضايا الثلاثة المرتبطة فيما بينها، وذلك في دراسات الحالات الست، عوائق أساسية أمام الاندماج المحلي، وهي: الوصول إلى الأرض وضمان حيازة الأراضي والسكن وسبل العيش. ويعيش العديد من النازحين داخلياً في بوروندي في المستوطنات المقامة على الأراضي التي قد تخضع للعديد من مطالب الدولة أو المطالب الفردية، في حين أن النازحين داخلياً في جنوب السودان غالباً ما يعيشون في منازل اللاجئين الذين عادوا وطالبوا بها مرة أخرى. ويستمر النازحون داخلياً في مواقع النزوح المطوّل في العيش في المساكن المتهدمة والمكتظة بالسكان، غالباً مع عدم ضمان حيازة الأرض. فلم تؤدي برامج المساعدة السكنية في كولومبيا وجورجيا وصربيا، على سبيل المثال، إلى شراء المساكن الدائمة على نطاق واسع.

 

ويعد كسب الرزق شيئاً أساسياً بالنسبة للاندماج المحلي. وعند طرد الجنوب سودانيين (وهي العملية التي زاد من سهولتها عدم تأمين حيازة الأراضي)، يفقد هؤلاء محاصيلهم الزراعية وسبل كسب أرزاقهم أيضاً. وفي أوغندا، تتضح صعوبة الحصول على برامج العمل، حيث أن أغلبها تستهدف مناطق العودة فقط. أما في صربيا، فقد أشارت إحدى الدراسات التي أُجريت في ٢٠١٠ إلى تضاعف احتمالية عدم توظيف النازحين داخلياً عن جيرانهم من غير النازحين.

 

والفارق بين أوضاع النزوح التي تتناولها دراسات الحالات الست هو موقف المجتمع المُضيف تجاه النازحين داخلياً. ففي أوغندا، كمثال، داوم الأفراد على الترحيب بالنازحين، لكن أصابهم الملل تدريجياً من استضافتهم. في حين تحدث أفراد المجتمع المُضيف والنازحين داخلياً في بوروندي وجورجيا عن علاقات الصداقة فيما بينهم، وعُدّ التزاوج المختلط شيئاً عادياً. أما في كولومبيا، أرهق النزوح الداخلي الموارد المحلية وظهرت رغبة الحكومات المحلية في استضافة النازحين داخلياً لكنها كانت في حاجة إلى طاقة الاستيعاب، في بعض الأحيان. وللسلطات المحلية دورها الأساسي في تسهيل الاندماج المحلي، لكن الحكومات المركزية، في كثير من الأحيان، تلزم الحكومات المحلية بتقديم الخدمات للنازحين داخلياً دون تحويل الأموال المطلوبة على المستوى المحلي. كما أن للدعم السياسي لإنشاء الأدوات القانونية والسياسية والبرمجية التي تساعد على الاندماج المحلي أهميتها في ضمان شعور النازحين داخلياً الذين يعيشون في المجتمعات المضيفة بالأمان، مع تلقيهم الخدمات وحصولهم على الدعم الذي يحتاجونه.

 

ولقضايا التنمية مثل حقوق الملكية وكسب الرزق والخدمات والحوكمة أهميتها في قدرة النازحين داخلياً على الاندماج محلياً. وقد وجد البحث أن المنظمات التنموية عاملة في أوضاع النزوح الداخلي التي شملتها دراسات الحالات لكن ليس بالمدى اللازم. وفي أوغندا، لاحظت أغلب الوكالات الفصل الخطير بين الدعم الإنساني والبرامج الانتقالية والتنموية. وفي الظروف المثالية، تتعامل برامج الانتعاش المبكر مع الأحكام القضائية الواهنة الخاصة بالأراضي عن طريق دعم الحوكمة والأنظمة القضائية إلى جانب دعم التدخلات في سبل العيش قبل بدء العودة. وقد التزمت المنظمات التنموية، مثل البنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بتمويل النازحين داخلياً في جورجيا، رغم أن هذا موجه بصورة أساسية إلى من نزح حديثاً وليس هؤلاء في مواقع النزوح المطوّل. وفي بوروندي، تولى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إجراء دراسات اجتماعية-اقتصادية حول توطين النازحين داخلياً في ثلاثة أقاليم لمساعدة الأكثر استضعافاً في إيجاد حلول مستدامة وطويلة المدى. كما أولت بعض المنظمات في كولومبيا، مثل مصرف التنمية للبلدان الأمريكية، اهتمامها لقضايا النازحين داخلياً. إلا أن الانتقال من الدعم الطارئ عادة ما لم يكن سهلاً.

 

ولا يجب اعتبار الاندماج المحلي والعودة حلولاً حصريّة، حيث يمكن تشجيع النازحين داخلياً على الاندماج محلياً مع الاحتفاظ بإمكانية العودة النهائية عندما تسمح لهم الظروف. وقد تكون بعض الحكومات أكثر تقبلاً للاندماج إذا تم تقديمه كإجراء مرحلي أو مؤقت، حتى وإن تناقضت المصطلحات الاندماج "المرحلي" والحلول "مستدامة".

 

وللنازحين داخلياً الحق في الحصول على الحلول المستدامة. وبالنظر إلى الصعوبات الخاصة بالعودة في العديد من المناطق، فإنه يلزم تولية المزيد من الاهتمام والدعم للاندماج المحلي كبديل عملي للعديد من النازحين داخلياً حول العالم، ممن يعيشون في أوضاع النزوح المطوّل. كما يجب تزويد النازحين داخلياً بفرصة مواصلة حياتهم.

 

تعمل إليزابيث فيريس (eferris@brookings.edu) مديراً مشاركاً لمشروع مؤسسة بروكنغز حول النزوح الداخلي (www.brookings.edu/projects/idp.aspx)، في حين أن كيت هالف (kate.halff@nrc.ch) هي رئيس مركز رصد النزوح الداخلي التابع لمجلس اللاجئين النرويجي (www.internal-displacement.org).

 

وللمزيد من المعلومات حول الحلقة الدراسية، يُرجى زيارة:

 www.internal-displacement.org/thematics/durable-solutions



[1]  انظر تقرير حلقة الخبراء الدراسية حول النزوح الداخلي المطوّل، يونيو/حزيران ٢٠٠٧.

www.brookings.edu/fp/projects/idp/conferences/20070622.pdf

[2]  "الإطار المتعلق بالحلول الدائمة لمشكلة المشردين داخلياً" التابع للجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات

http://tinyurl.com/IASCDurableSolutions-ar

[3]  تقرير الحلقة الدراسية متاحٌ على:

http://tinyurl.com/IDMC2011-localintegration

دراسات الحالات الست متاحة [باللغة الإنجليزية فقط] على:

http://tinyurl.com/Brookings2011casestudies

[4]  وذلك منذ أُعلن استقلال دولة جنوب السودان في يوليو/تموز ٢٠١١.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.