كوسوفو: ما الذي يخبئه المستقبل للـ (إل جي بي تي آي)؟

هناك تزايد في أعداد الأشخاص من كوسوفو ممن يسعون للجوء في دول أوروبية أخرى على أساس الاضطهاد بسبب ميولهم الجنسية. وعلى الدول التي تنظر في هذه الطلبات أن تنظر إلى أبعد من الدستور المتقدم ظاهراً لكوسوفو وأن تلاحظ الحقيقة المخالفة لذلك تماماً على أرض الواقع.

ُتُعدُّ كوسوفو واحدة من عشر دول أوروبية حرَّمت في دستورها التمييز على أساس الميول الجنسية، لكن مع ذلك، ما زال مجتمع كوسوفو يتّسم بتقاليد ضاربة في جذورها ومعادياً للأقليات من ذوي الميول الجنسية. ويشكل هذا التعارض بين الحماية القانونية التقدمية والمواقف الاجتماعية المحافظة مصدراً للاستغراب الشديد. فدستور كوسوفو من وجهة حقوق الإنسان يقوم لدرجة كبيرة على دساتير الأمم الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا.

وكان كثير من الفاعلين الدوليين بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية قد شاركوا مشاركة كبيرة في تقديم المشورة لكوسوفو حول جوهر إطارها الدستوري وناصرت امتثالها لمعايير حقوق الإنسان الأوروبية والدولية بما فيها إدخال مصطلح "الميول الجنسية" في مادة مناهضة التمييز من الدستور (المادة 24). وأدى ذلك إلى ظهور كثير من الانتقادات أثناء عملية صياغة الدستور إلى درجة أنَّ بعض المندوبين قد خرجوا محتجين على المادة المذكورة. [1] وهناك بند آخر أساسي يتعلق بتعريف الزواج، وقد صيغ هذا البند بتحرر لا يضع إشارة خاصة لجندر الزوجين. لكن هذه الأحكام لا تنبثق من الرأي المحلي ولا الممارسة العامة بل كانت من الإملاءات الخارجية بناء على المشورة الدولية.

عندما يمشي المرء ويتجول في الشوارع النشطة في بريشتينا (عاصمة كوسوفو) يكاد من الصعب أن يتخيل أنَّ هناك مجموعة المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغيري الجندر (إل جي بي تي آي) هناك. فلا توجد أي إشارة مرئية تدل على وجودهم، ومن المفروغ منه أنه لا يوجد أي حانات أو نوادٍ للمثليين. وقد رسخت التقاليد الاجتماعية هناك في معظم الحالات بقاء الشباب والشابات يعيشون في بيوتهم إلى أن يتزوجوا، أما من "يخرج للعلن" ويجاهر بأنه (إل جي بي تي آي) فيتعرض لخطر الطرد من بيت العائلة والنبذ والتهميش المجتمعي. ويُجبر بعضهم على الزواج سعياً من أسرهم في كبح ميولهم الجنسية أو "لعلاجهم". وبالفعل، يعتقد كثير من الناس في كوسوفو أنَّ الأفراد من المثليات والمثليين (إل جي بي تي آي) شاذِّين أو أنهم يعانون من أمراض عقلية. ورغم كل ذلك، هناك مجموعة نابضة من المثليات الـ (إل جي بي تي آي) في كوسوفو، وقد أقدم عدد قليل منهم بالتجرؤ على كسر حاجز الصمت والمجاهرة بأمرهم.

في كوسوفو، يعد التمييز ضد الـ (إل جي بي تي آي) ظاهرة اجتماعية لا اضطهاداً رسمياً ويمارسه فاعلون من غير الدول من أمثال أفراد عائلة طالبي اللجوء أو مجتمعهم القريب منهم. ولما كان القانون في كوسوفو يمنح نظرياً الضمانات لمنع التمييز، يتوقع الموظفون الذين يعالجون قضايا طالبي اللجوء من كوسوفو على أساس الميول الجنسية أو الهوية الجندرية أن أولئك اللاجئين قادرون على النفاذ إلى سبل الانتصاف القانونية لإحقاق حقوقهم. ومن هنا، يصنفون كوسوفو في العادة على أنها من البلاد التي لا تكتنف أي خطر اضطهاد المثليات للـ (إل جي بي تي آي). [2] لكن الواقع وفقاً لإحدى المصادر يشير إلى غير ذلك حيث هناك فجوة لا يستهان بها بين الحماية القانونية الممنوحة على الورق وتطبيق ذلك على أرض الواقع فتقارير التمييز ضد الـ (إل جي بي تي آي) غالباً ما تفتقر إلى الاهتمام الجاد من جانب الشرطة المحلية، وإلى تاريخ هذه المقالة لم تُرفع أي قضية أمام القضاء بشأن التمييز على أساس الميول الجنسية.

يضاف إلى ذلك أنَّ الخطر الذي يواجهه طالب اللجوء لا بد من تقييمه على أساس ما يسمى "المعلومات المؤمَّنة". لكن تلك المعلومات غير متاحة مباشرةً في كوسوفو نظراً لغياب البيانات المحدثة أولاً بأول والمفصلة والمنشورة حول استضعاف مجتمع الـ (إل جي بي تي آي). والمثير للاهتمام أنه عندما يكون غياب "المعلومات المؤمَّنة" أمراً إشكالياً، يُلاحَظُ أنَّ الدول التي تتعامل مع طلبات اللجوء الناشئة من كوسوفو تعتمد على المعلومات التي توفرها لها المجموعات المحلية ذات العلاقة والمنظمات غير الحكومة التي لها بعض الأفكار حول حقوق الـ (إل جي بي تي آي)، ومع أنَّ المعلومات القادمة من تلك المصادر غير رسمية ولا ينبغي النظر إليها بعناية كبيرة، فهي تتميز بأنها مقتبسة من الواقع والتجربة الحقيقية وهي مبنية على بيانات الأشخاص المحتكِّين مباشرة وبكثرة مع مجتمع (إل جي بي تي آي) على أرض الواقع. ومن هنا يقول أحد النشطاء "كوسوفو مكان صغير يشكل فيه الـ (إل جي بي تي آي) مجتمعاً مُحكماً". وبمقدور تلك المجموعات إذن أن توفّر تقييماً لوضع فرد معين من الـ (إل جي بي تي آي) الذي من المرجح جداً أن يكون معروفاً ضمن مجتمع الـ (إل جي بي تي آي) المحلي.

الأسس التي يقوم عليها حق اللجوء

هناك توجه يزداد شيوعاً بين طالبي اللجوء من كوسوفو على أساس التعرض للاضطهاد بسبب ميولهم الجنسية. وبالفعل ليس ذلك حكراً على كوسوفو بل جزء من توجه إقليمي ملحوظ[3]. فالإنترنت شكّل منبراً مهماً لمجتمع الـ (إل جي بي تي آي) المخفي والمكبوت في كوسوفو ومن خلال الإنترنت تمكن أفراد هذه الفئة من إدراك حقوقهم الإنسانية فلم يعودوا يشعرون بالحاجة لإخفاء الأسباب الحقيقية (أي ميولهم الجنسية وهويتهم الجندرية) عندما يتقدمون بطلبات الجوء هرباً من العنف في بلدان اللجوء.

لكن أحد نشطاء حقوق الـ (إل جي بي تي آي) الموجودين في كوسوفو يقدّر أنَّ أقل من ثلث عدد طالبي اللجوء على أساس الميول الجنسية أو الهوية الجندرية هم فعلاً من الـ (إل جي بي تي آي). ووفقاً للناشط، هناك كثير من اليائسين والراغبين في مغادرة بلدانهم بحثاً عن حياة أفضل في بلدان أكثر غناً بوسيلة أو بأخرى وليس من الضروري أن يكون ذلك بسبب خوفهم الحقيقي والمُسوَّغ من الاضطهاد بسبب ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية في كوسوفو.

وتشير التقارير إلى أنَّ كوسوفو تعاني من أدنى معدلات التشغيل في دول البلقان الغربية وأن هناك كثير من الشباب من الـ (إل جي بي تي آي) وغير الـ (إل جي بي تي آي) على حد سواء ممن يعانون لتحقيق مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم. وفي حين أنَّ الأشخاص من كوسوفو طلبوا اللجوء خلال نزاع العقد الأخير من القرن العشرين وما بعده على أساس الاضطهاد العرقي والسياسي، تشير المصادر إلى أنَّ هذه الأسس لم تعقد مقبولة لدى عدة دول نظراً للاستقرار الكلي تقريباً في الوضع السياسي والأمني بين المجتمعات العرقية في كوسوفو.

ومن هنا، يعتقد كثير من الأشخاص في كوسوفو أنَّ الأقلية الجنسية لها حظ أوفر في اللجوء ولذلك (وفقاً لأحد المصادر) يعمد كثير من الكوسوفيين الـ (إل جي بي تي آي) بالمبالغة في مستوى الخطر والتهديد الذين يتعرضون لهما في حين يعمد آخرون إلى تقديم طلبات مبنية على أسس كاذبة من أنهم من الـ (إل جي بي تي آي) وهم ليسوا كذلك. وقد ذكر أحد الـ (إل جي بي تي آي) الذين قابلتهم مؤلفة هذه المقالة "إنَّ ادعاء المرء أنه يتعرض للاضطهاد لأنه (إل جي بي تي آي) أصبح السبيل الوحيد الناجح للخروج من كوسوفو". وقال ناشط أخر في مجال حقوق الـ (إل جي بي تي آي) إنَّ البلدان التي تنظر في جدارة مطالب اللجوء المقدمة من كوسوفو تمارس درجة مناسبة من الحذر وإنه من حقها ذلك. لكنَّ هذا الواقع لسوء الحظ يقوِّض من مصداقية الأشخاص الـ (إل جي بي تي آي) الذين يسعون بالفعل إلى الحماية من الانتهاكات الجسيمة لحقوقهم الإنسانية.

تغيير الجندر: حالة تُدرس على حدة

على النقيض من حالة المثليين والمثليات، لا يعترف الدستور بمغيري الجندر، ومع أنَّه لا توجد أي قوانين تجرّم السلوك الذي يُنظر إليه على أنه تغيير للجندر فلا يمكن أن يُفهم من ذلك على أنَّ هناك حماية لحقوق مغيري الجندر. وفي حين أنَّ المثليين والمثليات يعملون ببطء على تحقيق بعض الاعتراف المنظور والاجتماعي، فإنَّ ذلك الوضع أبعد ما يكون منالاً بالنسبة للمجموعة الفرعية للـ (إل جي بي تي آي) التي تضمن مغيري الجندر. فالناس في كوسوفو لا يفهمون الجوانب الأكثر تعقيداً للهوية الجندرية. بل حتى ضمن مجتمع الـ (إل جي بي تي آي) نفسه هناك ضعف في الوعي والتعليم بشأن قضايا تغيير الجندر. وبالإضافة إلى ذلك، قلة من الناس في كوسوفو يُعرِّفون أنفسهم على أنهم مغيرون للجندر فهم بذلك معزولون وغالباً ما لا يكونوا قادرين على التعبير عن هويتهم الجندرية أو تشكيل مجتمع محكم لهم. وفي هذه الظروف، ينبغي للمسؤولين عن معالجة مطالب اللجوء أن يطرحوا الأسئلة الصحيحة وأن يضعوا في الحسبان الاستضعاف الخاص لهذه الفئة الفرعية. أما في الوقت الحالي، فلا يوجد أي إشارة إلى أن هذا ما يحدث.

بعد خمس سنوات تقريباً من تبني دستور كوسوفو، تبقى حماية الأفراد الـ (إل جي بي تي آي) في كوسوفو في المجهول، أما الفجوة القائمة بين الأحكام القانونية الحمائية والممارسات على أرض الواقع فما زالت الدول المستقبلة لا تعترف بها عند تقييمها لطلبات اللجوء. ولربما أنَّ كوسوفو أبدت اقتراباً في طرق أبواب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لكن الطريق أمامها ما زال طويلاً لتفعيل حماية حقوق الإنسان الخاصة بالـ (إل جي بي تي آي) وفقاً للمعايير الأوروبية.

 

أغاثا فوشيرagathefauchier@gmail.com محامية عملت سابقاً مع الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. هذه المقالة مبنية على الخبرات والتجارب والآراء التي حصلت عليها المؤلفة من مقابلاتها لنشطاء حقوقيين من كوسوفو مع كتمان هوياتهم. 

 



[1] "حول كتابة الدساتير: دستور كوسوفو نموذجاً" (On Constitution Writing: The Case of Kosovo’) مقابلة مع البروفيسور لويس أكوان 2008.pdf http://tinyurl.com/Tufts-Aucoin2008

دخلت الحماية من التمييز على أساس الميول الجنسية أيضاً قانون كوسوفو الخاص بمناهضة التمييز.

[2]  أناس لا يعرف عنهم أحد: استضاف أقليات الميول الجنسية والهوية الجندرية ونظام معلومات البلد الأصلي الذي يتبعه مجلس الهجرة السويدي (Unknown people: The vulnerability of sexual and gender identity minorities and the Swedish Migration Board’s Country of Origin Information System) يناير/ كانون الثاني 2010، صندوق اللاجئين الأوروبي http://tinyurl.com/Unknown-People-2010

[3]  المفوضية السامية للاجئين. حماية طالبي اللجوء واللاجئين الذين ينتمون إلى فئة المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغيري الجندر ومزدوجي الجنس (The Protection of Lesbian, Gay, Bisexual, Transgender and Intersex Asylum-Seekers and Refugees)www.unhcr.org/refworld/pdfid/4cff9a8f2.pdf الفقرة (1).

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.