حماية اللاجئين من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي في المملكة المتحدة: من التكتم إلى التصديق؟

اعتادت حكومة المملكة المتحدة ألا يكون لديها أي توجيه أو تدريب خاص لصانعي القرار بالنسبة للمطالب المقدمة على أساس الميل الجنسي. وليس قبل عام 2010 وبعد عدد من الضغوط التي مارستها السلطات القضائية والمجتمع المدني والجهات السياسية أن تم إصدار توجيه السياسة الخاصة وظهرت علامات التقدم الكبير.

حتى يوليو/تموز 2010، لم يكن يتم اعتبار الأشخاص الذي طلبوا اللجوء في المملكة المتحدة على أساس هوياتهم الجنسية أو الجندرية على أنهم بحاجة للحماية الدولية إذا كان من "المعقول" لهم أن "يكتموا" هويتهم الجنسية عند عودتهم إلى دولهم الأصلية. وتم الإسهاب في اختبار "الكتمان المعقول" هذا في أول الدعاوى القضائية وتم اتباعه في 2009 من قِبل محكمة الاستئناف البريطانية في قضية هـ. ج. (إيران) وهـ. ت. (الكاميرون)[1]. وتبعاً لذلك، ركزت سلطات صناعة قرارات اللجوء في المملكة المتحدة على ما إذا كان ممكناً للشخص الساعي للحصول على اللجوء أن يخفي نشاطه الجنسي في حال عودته أم لا. واستلزم هذا الاختبار شهادة من مقدم الطلب، إلى جانب دليل من دولته الأصلية على ما إذا كان يمكن التوقُّع منه أن يعيش حياته في السر إذا عاد هناك.

إلا أن الاختبار خالف المذكرة التوجيهية للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2008 حول مطالب اللاجئين المتعلقة بالميل الجنسي وهوية الجندر التي تقرّ بأن " لا يمكن التوقع من الشخص أو مطالبته  بتغيير أو إخفاء هويته/ هويتها [الجنسية] من أجل تفادي الاضطهاد. ولا يوجد واجب "للتكتُّم" أو اتخاذ بعض الخطوات الخاصة لتفادي الاضطهاد مثل العيش في عزلة أو الإحجام عن إقامة العلاقة الحميمة"[2]. وتوضح المذكرة التوجيهية أن وجوب بقاء المثليات والمثليين "غير مفصحين عن هوياتهم الجنسية" بهذه الصورة يندرج ضمن التمييزويمكن أن يرقى إلى الاضطهاد في حد ذاته.

وفي حين أنه مشكلة كبيرة، لم يكن اختبار التكتم المعقول وحده متعلقاً بنوعية صنع القرار في مطالب الميل الجنسي. وقد حدد بحث منشور في أبريل/نيسان 2010 أجرته منظمتان غير حكوميتين[3] في المملكة المتحدة قضايا منهجية أخرى فيما يخص نوعية صنع القرارات. وكان للتقرير الصادر من إحدى المنظمات الأهلية، وهي ستون وول (Stonewall)، أهميته الكبرى، إذ وجد أن السلطات الإدارية والقضائية في المملكة المتحدة أوردت أدلة على "التمييز الممنهج" الممارس ضد طالبي اللجوء على أساس الاضطهاد الجنسي. كما وجد هذا البحث أنَّ 98% من مطالب المثليين أو المثليات لقيت الرفض استناداً إلى مزاعم مثل:

  • إمكانية إعادة نقل مقدم الطلب إلى أي مكان أخر في دبلدانهم الأصلية لتفادي الاضطهاد.
  • عدم إعمال القوانين المجرّمة للعلاقات المثلية الجنسية، مما أدى إلى نتيجة مفادها أن مقدم الطلب ليس لديه خوف مبرر له من الاضطهاد. ولا يؤدي ذلك إلى إثبات حقيقة أن الخوف المبرر من الاضطهاد يمكن أن يوجد حتى في حال عدم تطبيق القوانين المجرّمة للممارسات الرضائية المثلية، أي عندما يكون "لوجود هذا القانون أثر في إيجاد مأزق متشابك للشخص" أو عندما تكون هذه القوانين "نافذة بشكل غير رسمي"[4].
  • تقييمات المصداقية المنطوية على المشاكل المعقّدة والتي نتج عنها في بعض الأحيان إلى الإنكار الخالص لكون طالب اللجوء مثلية أو مثلياً. وتضمن ذلك رفض الطلبات نتيجة استحواذ ذهن المقيّم على مجموعة من الأفكار المسبَّقة حول  الكيفية النمطية التي يتصرُّف بها المثليات والمثليون مع أن كلا الفئتين مضطرون إلى إخفاء هوايتهم الجنسية في بلدانهم الأصلية (كأن يكون ذلك على سبيل المثال من خلال الدخول في علاقة مع الجنس الأخر) وكيفية تعبيرهم عن هوياتهم الجنسية عندما يكونوا في المملكة المتحدة (على سبيل المثال عدم الذهاب إلى نوادي المثليين أو إقامة علاقة مثلية). وينقل تقرير ستون وول قول أحد دارسي الحالات: "إنني أنظر إلى الكيفية التي يستكشفون بها النشاط الجنسي في سياق ثقاي ما، مثل قراءة الأعمال الأدبية لأوسكار وايلد [الكاتب الإنجليزي المشهور بمثليته]، وربما مشاهدة الأفلام والاستماع إلى الموسيقى".
  • في غضون ذلك، وفي مايو/أيار 2010، التزمت الحكومة البريطانية علناً بضمان عدم إعادة طالبي اللجوء من المثليين أو المثليات للاضطهاد: "سنتوقف عن تسفير طالبي اللجوء الذين أُجبروا على مغادرة بلاد محددة نظراً لأن ميولهم الجنسية أو هوياتهم الجندرية قد عرّضتهم لما ثبت بأنه خطر محقق بالسجن أو التعذيب أو الإعدام"[5]. ومع ذلك، أدى قرار المحكمة العليا في يوليو/تموز 2010 في قضية هـ. ج. (إيران) وهـ. ت. (الكاميرون) والتي قدمت السياسة المطلوبة بشكل كبير إلى تغيير الإلحاح والاتجاه الحقيقيين، بما يضمن الإصلاح الجذري في كيفية تعامل صانعي القرارات الخاصة بوضع اللاجئين مع هذه القرارات في المقام الأول (أي في القرار القانوني). وتتعلق هذه القضية بمدى إخفاء أو التوقّع بإخفاء اثنين من اللاجئين المثليين من إيران والكاميرون للسلوكات أو السمات التي ينتج عنها خشية ذلك الشخص من التعرض للاضطهاد نتيجة ميوله الجنسية في حالتنا هذه. كما نظرت المحكمة العليا فيما إذا كان يجب اعتبارهم لاجئين رغم أنهم كانوا يخفون ميولهم الجنسية، بمعنى أخر أنهم يعيشون كذبة لتفادي الاضطهاد. ووجدوا أن هذا الشخص سيكون لاجئاً، وبذلك نقضت المحكمة قرار محكمة الاستئناف لعام 2009 الذي أجاب على نفس التساؤل أنه "فقط إذا لم يتم إجازة إخفاء الهوية بشكل مناسب". وتم وضع النقاط الآتية:
  • يستند مسوِّغ اتفاقية اللاجئين إلى أنه يتعين السماح للأشخاص بعيش حياتهم دون الخوف من التعرض للأذى الجسيم اللاحق بهم نتيجة لأحد أسباب الحماية (التي يكون الميل الجنسي واحداً منها). وإذا تعيّن على أي شخص إخفاء هويته/ هويتها الجنسية بسبب الخوف المبرر له من الاضطهاد، فلن يتوقف هذا الخوف المبرر له، حتى إن نجح الإخفاء.
  • لن يعتبر أحد أنه من المقبول بالنسبة لرجل أو امرأة ممن يتمتعون بالاستقامة أن يخفوا هوايتهم الجنسية إلى ما لا نهاية.
  • كان اختبار "الاحتمال المقبول" صعباً من حيث تطبيقه بصورة عملية.

لقد كان الحكم إجماعياً، إذ وُجد أنه يتعين أن يُمنح طالبو اللجوء من المثليين والمثليات وضع اللجوء إذا كان الذهاب إلى موطنهم سينتج عنه الاضطرار إلى إخفاء هوياتهم الجنسي. وتجاوبت السلطات البريطانية بشكل سريع للحكم. فبادرت وكالة الحدود البريطانية بتنفيذ التوجيه والتدريب الخاص لصانعي القرارات حول كيفية التعامل مع طلبات اللجوء وفقاً للميول الجنسية والهوية الجندرية في نهاية 2010.

السياسة والتدريب

مع انتهاء عام 2010، تم تدريب كافة صانعي القرارات في وكالة الحدود البريطانية، إلى جانب المديرين وكبار المديرين، هذا إلى جانب تنفيذ وإعلان التوجيه الخاص بسياسة اللجوء. وقدمت النتائج من بحث المنظمة غير الحكومية المشار إليها أعلاه وحكم المحكمة العليا إطار عمل للمجالات الأساسية التي يجب أن تولي فيها السلطات البريطانية تركيزها. وفيما يلي بعض التغييرات الأساسية في السياسات والتوجيه.

يلقي التركيز القوي والمرحب به على مهارات المقابلة الشخصية الضوء على الحاجة لطرح الأسئلة المفتوحة والحساسة حول الهوية الجنسية، خلافاً للممارسة السابقة التي تطرح الأسئلة حول السلوك نفسه. فالتدريب يستعرض أسلوب إجراء المقابلات وتبيّن السبب الذي يجعل من طرح الأسئلة حول السلوك الجنسي أمراً غير لائق.

وتكشف الأبحاث التي أجرتها المنظمات غير الحكومية كيف استُخدم عجز مقدمي الطلبات عن الإفصاح عن ميولهم الجنسية في المراحل الأولى من عملية اللجوء في عدم تصديق قصصهم دون أي اعتبارات للظروف المخففة. أما السياسة والتدريب الجديدين مع قضية الإفصاح المتأخر. ومن هنا يُرحب كثيراً باعتراف السلطات البريطانية بإمكانية أن تؤدي عملية اللجوء إلى إسكات القصص السردية حول الميل الجنسي نتيجة للعوامل البيئية وانعدام الخصوصية وطرح الأسئلة القاسية غير المراعية لحساسية الموضوع.

وفيما يتعلق بقضية تحديد الهوية ذاتياً، يتقارب توجيه السياسة من اتباع توجيه المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عندما يقرّ ذلك التوجيه أن تحديد الهوية ذاتياً [على العموم] من حيث كون الشخص مثلية أو مثلي أو مزدوج الميل الجنسي سيكون نقطة إنطلاقة طبيعية للإشارة "للميل الجنسي" للشخص. ويتم تقديم التوجيه لصانعي القرارات فيما يتعلق بتقييم المصداقية في عدد الحالات هذا. ويتضمن ذلك ضرورة تطبيق مبدأ "الاستفادة من الشك" لدرجة أكبر بسبب حقيقة أنه في حالات المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغيري الجندر، فالأكثر احتمالاً أن الأدلة الخارجية والوثائقية وأدلة الدولة الأصل قد لا تكون متاحة. ويتدرب صانعو القرارات على أنه من الأفضل والأكثر حسمية أن يتم في المقابلة الشخصية التحقيق من الرحلة الشخصية لمقدم الطلب ("قصة الاختلاف") – أي كيف عرفوا أنهم مثليون أو مثليات أو مزدوجو الميل الجنسي.

يعد رصد نوعية القرارات ضماناً حيوياً في هذا المجال المعقد. ومنذ عام 2004، تعمل المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع وكالة الحدود البريطانية لوضع نظام لمراجعة الجودة ولتحقيق التحسُّن في نوعية صنع القرارات الأولية. وبعد تقديم هذه السياسة والتدريب الجديدين في عام 2011، أجرى فريق مراجعة الجودة التابع لوكالة الحدود البريطانية مراجعة نظرية موضوعية في المطالب المتعلقة بالميل الجنسي وهوية الجندر من أجل تحديد نقاط القوة والضعف في التنفيذ.

كما تحرّكت السلطات بسرعة لجمع بيانات أفضل. وستتضمن هذه البيانات الإحصاءات حول عدد حالات الميل الجنسي التي صدر فيها قرارات نقضتها محاكم الاستئناف  والتي يمكنها المساعدة في تحديد المجالات الخاصة التي تستلزم المزيد من الانتباه من خلال التدريب أو التوجيه بخصوص بعض العوامل التي لها أثر على القرارات. ويمكن لهذه الإحصاءات أيضاً أن تساعد في تبديد الأساطير بخصوص أعداد الأفراد طالبين اللجوء على أساس محدد، مع التعامل مع الفكرة المغلوطة التي انتشرت في الصحافة ومفادها أن أبواب الخير ستنفتح إذا تحررت أسس المطالبة باللجوء بالنسبة لمقدمي الطلبات من المثليين.

التحديات المستمرة

من أهم النواحي التي تشكل همَّاً مستمراً في صنع القرارات الخاصة بالمثليات والمثليين ومزدودي الميل الجنسي ومغيري الجندر هي نوعية تقييم المصداقية. فقد أدى التأكيد على "تحديد الهوية ذاتياً" كدليل للميل الجنسي إلى الاتهامات بأن هذه المطالب كان من السهل القيام بها ومن الصعب رفضها. ويشير البحث إلى أن صانعي القرارات في استراليا والمملكة المتحدة "كانوا متباطئين في الاستيعاب والتطبيق الكاملين لرؤية أن المثليين متكتمون حول هوياتهم وعلاقاتهم الجنسية نتيجة للقوى الاجتماعية المتعسفة وليس نتيجة لاختيارهم"[6]. وحتى لو كشف الـ (إل جي بي تي آي) عن هويته ذاتياً فقد لا تُصدَّق مزاعمه.

وترجع هذه الصعوبات المتأصلة جزئياً إلى حقيقة أن القائمين على تقييم المصداقية هم من البشر، ممن يأتون بعنصر الآراء الشخصية في عملية صنع القرار. وفي حين يسمح التدريب الذي تم وضعه في المملكة المتحدة بإعطاء الوقت الكافي في جلسة التدريب لبحث توجّهات الأشخاص تجاه مقدمي الطلبات من المثليين والمثليات، فمن المهم أن يكون لدى السلطات وعي راقٍ بالضغوط الملتبسة الأخرى التي تواجه صانعي القرار. فعلى سبيل المثال، يمكن للاضطراب المجهد ما بعد الصدمة أن ينتقل إلى صانع القرار مع مرور الوقت، وذلك نتيجة لسماع هذه الشهادات الشخصية الصعبة والمصدمة، وقد يؤثر هذا، بالإضافة إلى آليات المسايرة الدفاعية، سلباً على منطلق الاعتقاد أو التكذيب أو الحياد.

ويعد التقدُّم المُحرز في المملكة المتحدة حول حماية اللاجئين بالنسبة للـ (إل جي بي تي آي) مهماً وتقدمياً ومنقذاً للحياة. ولهذا السبب يجب بذل أقصى درجة من الاهتمام لضمان عدم استبدال إحدى المشكلات بمشكلة أخرى، من خلال الانتقال من التكتُّم إلى التكذيب.

أماندا غراي graya@unhcr.org كبير زملاء الحماية، وألكسندرا ماكدوول mcdowall@unhcr.org المسؤول القانوني لدى المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المملكة المتحدة. والآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبر إلا عن آراء كاتبيها، ولا تمثل موقف المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو الأمم المتحدة.

 



[1] محكمة الاستئناف بالمملكة المتحدة في قضية ه،ج (إيران) وهـ.ت. (الكاميرون) ووزارة الدولة للشؤون الداخلية، (2009) محكمة استئناف إنجلترا وويلز/ حقوق. 172،، 10/ 03/ 09 الفقرة 96

[2] المذكرة التوجيهية للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول مطالب اللاجئين المتعلقة بالميول الجنسية والهوية الجندرية، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 فقرة 26. المذكرة التوجيهية في 2012 المستعاض عنها بالمعايير التوجيهية الجديدة: انظر مقال فولكر تورك صفحات 5-8.

[3] مجموعة المهاجرين من المثليات والمثليين في المملكة المتحدة،الرسوب في الصف: القرارات الأوليّة لوزارة الداخلية حول مطالب المثليات والمثليين الخاصة باللجوء، أبريل/نيسان 2010http://tinyurl.com/UKLGIG-Failing-the-Grade-2010

ستون وول، الهجرة واللجوء، (Immigration and Asylum) www.stonewall.org.uk/what_we_do/research_and_policy/2874.asp

[4] المذكرة التوجيهية للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 2008

[6] ميل بنك ج. "من التقدير إلى الإنكار: الاتجاهات الجديدة في قرارات اللاجئين على أساس التوجُّه الجنسي في استراليا والمملكة المتحدة"، الجريدة الدولية لحقوق الإنسان، 2009، العدد 13، 391-414. انظر التذييل 1، صفحة 392 http://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=1330175

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.