"على أي أساس؟" مطالب اللجوء الخاصة بالمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغيري الجندر في كندا

لقد حدث عدد من التطورات الإيجابية خلال العقدين الماضيين، مما أوجد حماية قوية ودعماً مجتمعياً داخل كندا، إلا أن التغييرات التشريعية الأخيرة ستضر بالحيادية والعدالة تجاه أصحاب طلبات اللجوء من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغيري الجندر (إل جي بي تي)

"لقد كانت جماعات القصاص غير الرسمية. لقد كان القرويون. لقد كان الأخوال والأعمام. لقد كان النظام بأكمله. لقد كان الشخص الذي كنت أعمل معه والذي صرخ في وجهي أمام عملائه "كاندو" [وهي كلمة ازدرائية للإشارة إلى المثليين الذكور]. لقد كان في كل مكان..."

 

أنجيلا امرأة شابة من إحدى الدول الأفريقية، محكوم عليها بالحبس عشر سنوات لإقامتها علاقة جنسية مثلية. فقد كان أبوها قد خطط لتزويجها رجل يكبرها بعشر سنوات، فأسرّت لأختها أنها تقيم علاقة سرية مع صديقتها ولا يمكنها الزواج من ذلك الرجل. فأخبرت أختها والديها، فما كان من أبوها إلا أن حبسها واعتدى عليها بالضرب عدة مرات لأكثر من شهر. وانتشرت الشائعات في كافة أرجاء مدينتها، كما أقصتها الكنيسة علناً. وعندما استطاعت الخروج من منزلها، اعتدى عليها مجموعة من الشباب ورماها الجيران بالحجارة، فذهبت لتختبئ حتى أعد لها عمها العدة للخروج من البلاد. وقامت إحدى وكالات السفر بترتيب سفرها إلى كندا حيث مُنحت حق اللجوء في نهاية المطاف.

يوجد في وقتنا الحالي ما لا يقل عن 76 دولة تجرّم العلاقات الجنسية المثلية أو التصرفات المغايرة للجندر. والعديد من القوانين السارية في تلك البلدان تمثل إرثاً لقانون العقوبات البريطاني الذي ترسخ فيها إبّان الاستعمار. إلا أن الأنظمة القانونية لا تشكل سوى جانباً واحداً فقط من جوانب الاضطهاد الناجم عن رهاب المثلية الجنسية وتغيير الجندر. ويعد النطاق العالمي للحماية والاضطهاد للتنوع الجنسي والجندري معقّداً ومتحولاً وفي أغلب الأحيان متناقضاً. وعلى الرغم من استضافة البرازيل لأكبر مسيرة افتخار للمثليين في العالم، فقد ذكرت التقارير أنها تضم أعلى المعدلات في العالم لجرائم القتل الناجمة عن رهاب المثلية الجنسية وتغيير الجندر. وفي حين أنَّ جنوب أفريقيا تعترف بالزواج المثلي، أبلغت منظمات حقوق الإنسان بها عن وقوع عشر حالات أسبوعياً "للاغتصاب التصحيحي"[1] الذي يستهدف المثليات، وأغلبها لم تحقق فيه الشرطة. وداخل الدولة نفسها، تتغير مستويات استضعاف أو سلامة الأشخاص وفقاً للطبقة الاجتماعية والعرق والدين والقدرة على "الاجتياز" والشبكات الاجتماعية[2].

ما بين العامين 1992 – 1993، أصبحت كندا أول دولة توفر حماية اللاجئين رسمياً للأشخاص الذين يواجهون الاضطهاد على أساس الميل الجنسي أو الهوية الجندرية، وقد لاقى نهجها الاستحسان بوصفه نموذجاً رائداً. لكنَّ كندا في الوقت نفسه تستخدم تدابير تزداد حزماً للتحقق من صحة مزاعم طالبي اللجوء المحتملين. فقد سُنَّ تشريع جديد باسم قانون حماية نظام الهجرة في كندا ودخل حيز النفاذ في ديسمبر/كانون الأول 2012؛  وتقوّض العديد من التغييرات الحيادية والعدالة لجميع اللاجئين، ويواجه طالبي اللجوء الـ (إل جي بي تي) تحديات خاصة.

غالباً ما تكون الطرق التي يسلكها الأشخاص للهروب من الاضطهاد القائم على الميل الجنسي والهوية الجندرية معقّدة وطويلة. وهناك قواسم مشتركة بين الجندر والطبقة الاجتماعية والانتماءات القومية التي إما أن تعيق أو تساعد في تمكين القادرين على المغادرة والكيفية التي يهاجر بها الأشخاص وخيارات الوضع الدائم. وتجتمع معوِّقات الهجرة مع الغموض النسبي لطلب اللجوء فينتج عنهما معاً أوضاعاً ينتهج فيها المهاجرون الـ (إل جي بي تي) أساليب أكثر وضوحاً قد تكون في بعض الأحيان أساليب غير منتظمة أو اجتماعية أو اقتصادية للهجرة. ومن بين المهاجرين الفارين من الاضطهاد الناجم عن الميل الجنسي والهوية الجندرية ممن يعيشون الآن في كندا، كثير منهم دأب على الانتقال المستمر من مكان لآخر ضمن بلده الأصلي أو إقليمه لسنوات عدة معرضين أنفسهم للعيش في ظل الظروف غير المستقرة. وخلافاً للنزاعات المدنية، يتعرض الأشخاص الاضطهاد بسبب الميل الجنسي أو الهوية الجندرية في جو من العزلة النسبية. ومن أجل الابتعاد عن الوصم بالعار والعنف، يتعلم الأشخاص إنكار هوياتهم الجنسية أو الجندرية أو يخفونها ويلتزمون جانب الحيطة والحذر. وتكتيكات البقاء تلك والأثار الأخرى للصدمة لا تختفي بمجرد الرحيل عن البلد الأصل، وقد تضعف قدرة الأشخاص على الحصول على الأمان وعلى الوضع الدائم.

بالنسبة لمن يتمكنون من تقديم طلب اللجوء في كندا، تتمثل واحدة من الأسئلة المهمة والمحتملة التي تواجههم في: ""على أي أساس؟" وبذلك، يضطر الناجون من الاضطهاد عن طريق التزامهم بالكتمان إلى "الإفصاح" عن هوياتهم إلى أحد المسؤولين. مزليندو، وهو أحد طالبي اللجوء من شرق أفريقيا، يتحدث عن تجربته قائلاً: "إنهم ينادونك عبر نافذة ويسألونك: "أخبرنا عن قصتك. لماذا تقدم طلباً للجوء؟" وأنت على مدى السمع من عدد من الأشخاص، بعضهم من بلدتك الذين تحاول التخفي منهم. ثم تجد نفسك تتحدث عن طلبك بصوت عالٍ عبر زجاج مضاد للرصاص، وهذا مهين، فأنت مضطر إلى الصراخ أمامهم "إنني أرغب في الحصول على طلب اللجوء لأنني مثلي"."

ويصبح منفذ الدخول والمقابلات الشخصية وجلسات استماع اللاجئين جميعاً مواضع للفحص الدقيق، حيث يتعين على طالبي اللجوء التغلب على الوصم والعار والخوف من أجل الحصول على الحماية. وفي هذه الظروف، لا يكون الإفصاح غير الكامل أو المتأخر عن الميل الجنسي أو الهوية الجندرية كسبب للاضطهاد غير معتاد. وفي سياق التغييرات الكبرى في نظام اللجوء بكندا، تبقى المسألة ما إذا كان سيتم حماية نظام طالبي اللجوء الـ (إل جي بي تي) أم لا. فبموجب النظام الجديد، يواجه مقدمو الطلبات الجداول الزمنية المحدودة الت لا تمنحهم الوقت الكافي لإعداد أنفسهم وتقديم إثباتاتهم: 10 – 15 يوماً لتقديم البيان الخطي بأساس تقديم الطلب و30 – 45 يوماً لتقديم الوثائق و60 يوماً لجلسة الاستماع.

ومن أجل الاعتراف بهم كلاجئين، يجب على مقدمي الطلبات إقناع صانعي القرار بصحة ميولهم الجنسية أو هوياتهم الجندرية وخوفهم من الاضطهاد بسبب هوياتهم تلك والافتقار إلى الحماية في دولهم. ونتيجة لأن الاضطهاد نتيجة رهاب المثلية الجنسية أو تغيير الهوية الجندرية لا يقع علناً، تكون إمكانية تأمين الدليل المؤيد محدودة. ويذهب طالبو اللجوء على أساس الميل الجنسي والهوية الجندرية إلى مسافات أبعد، حيث يعمدون إلى مطالبة شركائهم الجنسيين بتقديم خطابات واستعادة السجلات القديمة لزيارات المستشفيات والبحث في القصص بالجرائد والصحف؛ محاولين بذلك إظهار المخفي أو جاعلين الأمور غير المترابطة مترابطة، بالنسبة لمقدمي الطلبة من مغيري الهوية الجندرية. ونظراً لتحديات الحصول على الدليل، يُعطى الوزن الأكبر للشهادة الشفهية. ويعاني مقدمو الطلبات من اللاجئين من الفروقات الثقافية واللغوية والشك وآثار الوصم بالعار والصدمة عند سردهم لقصة يمكن اعتبارها منطقية.

يتم تقييم مقدمي الطلبات وفق القصص المتوقعة لرحلات فرار اللاجئين والقصص الغربية عن هوية الـ (إل جي بي تي) ومجتمعهم. ويعتمد صانعو القرار على معرفتهم السابقة الشخصية التي تستند في الغالب إلى مفهومات يقيدها المجتمع حول الهويات الجنسية والجندر في تقييم مصداقية الطلب الذي يقدمه طالب اللجوء بشأن هويته. ولا تنطبق الافتراضات حول الهوية الجنسية والجندر القائمة على القصص الغربية بخصوص "مجاهرة" الـ (إل جي بي تي) أو تشخيص اضطراب الهوية[3] المتعلق "بالهوية الجندرية" بالضرورة عليهم بصورة مشتركة بين الثقافات. فعلى سبيل المثال، يظهر التوقع بأن طالبي اللجوء وفق الميل الجنسي والهوية الجندرية سيسعون إلى إيجاد الروابط مع "المجتمع" المحلي للـ (إل جي بي تي) في كندا في العديد من القرارات التي رأيناها. والروايات التي تُسرد حول المجاهرة تؤدي إلى هذا التوقع. إلا أن الميل الجنسي أو الهوية الجندرية لا توفر حسّاً عاماً بالهوية الجماعية وحتى لو حصل ذلك، فهناك العديد من الأسباب لعدم سعي المهاجرين الـ (إل جي بي تي) للاندماج مع مجتمعهم الـ (إل جي بي تي) في كندا، منها جداول العمل المتعبة والفقر والتعرض للعزلة العرقية داخل دوائر الـ (إل جي بي تي) والفجوات اللغوية. فضلاً عن هذا، ووفقاً للنظام الجديد، لن يُتاح لمقدمي الطلبات الوقت للتواصل مع مجتمعات أو منظمات الـ (إل جي بي تي). وهذا يعني احتمال إلقاء وزن أكبر على الشهادة الشفوية. يضاف إلى ذلك الشك الذي يسري بين بعض صانعي القرارات الذين يشككون كثيراً في صحة المطالب التي تأتيهم على أنها مطالب احتيالية، كما أنَّ الشك يسري على وجه الخصوص بانتحال الأشخاص لهوية جنسية أو جندرية غير صحيحة ومن هنا، غالباً ما يفسر صانع القرار أي تناقض أو نسيان في إفادات أصحاب الطلبات على أنها انتقاص من مصداقية ما يقولون.

خطوات للأمام وخطوات للوراء

لقد حسَّن الجمع بين التدريب وقرارات المحكمة الفيدرالية من نوعية القرارات التي نراها في كندا. كما أصبحت ممارسات إصدار الأحكام أكثر مهارة بفضل تدريب صانعي القرارات بخصوص الطلبات القائمة على الميل الجنسي والهوية الجندرية. وتعد الإرشادات التوجيهية للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المنشورة مؤخراً خطوة مهمة تجاه تعزيز صنع القرارات حول طلبات اللجوء القائمة على الميل الجنسي والهوية الجندرية[4].

وفي غياب المصادر الرسمية، مثَّلت الشبكات غير الرسمية دوراً مهماً في تسهيل حصول الـ (إل جي بي تي) على حماية اللاجئين المُهجَّرين. ومؤخراً، بدأت المصادر الرسمية في تضمين المعلومات المرتبطة بالمطالب القائمة على الميل الجنسي أو التهوية الجندرية. فعلى سبيل المثال، تتضمن الآن قائمة المصادر التي قدمها مسؤولو الحكومة في المقابلة الشخصية أسماء المجموعات المحلية لمقدمي الطلبات الـ (إل جي بي تي). وفي بعض الحالات، أشار موظفو الحدود إلى أن هذه المصادر تُقدم لأصحاب الطلبات كطريقة للتعبير عن الانفتاحية. ويحدد دليل مجلس اللاجئين على الإنترنت لطالبي اللجوء الميل الجنسي والهوية الجندرية على أنهما أمثلة عن "المجموعات الاجتماعية الخاصة".

وقد عُدِّلت الإرشادات التوجيهية  للأشخاص المستضعفين في أواخر عام 2012 للاعتراف باحتمال أن يكون مقدمو الطلبات الـ (إل جي بي تي) مستضعفين[5]. وتسمح هذه الإرشادات التوجيهية بإجراء التعديلات على الإجراءات الخاصة بالأشخاص الذين يعدون مستضعفين بسبب العمر أو المرض العقلي أو الآثار النفسية للصدمة. ويقرّ تضمين مقدمي الطلبات الـ (إل جي بي تي)  في هذه الإرشادات أن الآثار النفسية للصدمة من رهاب المثلية الجنسية أو تغيير الهوية الجندرية قد تتدخل في قدرة الأشخاص على تذكر وسرد ما مروا به بوضوح. وأفضل طريقة لإظهار استضعاف مقدمي الطلبات وتحديد صور المساعدة اللازمة يكون من خلال المعلومات التي يقدمها المتخصصون وأطباء الصحة العقلية. لكن نظراً للتخفيضات التي أقرتها الحكومة الفدرالية مؤخراً في تغطية الخدمات الصحية للاجئين، فلن يحصل العديد من مقدمي الطلبات على التقييمات أو الاستشارات أو العلاج الذي قد يساعدهم في الاستقرار الكافي من أجل الإدلاء بالشهادة. وفي ظل الجدولة المحدودة للغاية لجلسات الاستماع، يبقى لزاماً معرفة الكيفية التي يمكن بها تطبيق الإجراءات المتعلقة بالاستضعاف بصورة فاعلة.

في المدن الكندية الرئيسية المستقبلة للاجئين، وهي مونتريال وتورونتو وفانكوفر، نما الاعتراف والدعم للمهاجرين الـ (إل جي بي تي) بين المنظمات المجتمعية خلال العقد الماضي، مع التعامل مع الإقصاء وبناء أنظمة دعم أفضل. ومؤخراً، تأسست مجموعات في مدن أخرى هي هاليفاكس وأتوا ولندن ووينيبيغ. إلا أن وتيرة النظام الجديد المقدم سيضع الكثير من الضغط على المتطوعين والعاملين المجتمعيين والبنية الأساسية للمنظمات غير الحكومية التي ستعزز أنظمة الدعم تلك.

شارالين جوردان sjordan@sfu.ca أستاذ مساعد لعلم النفس الاستشاري، جامعة سايمون فريزر، كندا. وكريس موريسي info@rainbowrefugee.ca مؤسس جمعية لاجئي قوس قزح في فانكوفر، مقاطعة بريتش كولومبيا ، كندا www.rainbowrefugee.ca. وكلاهما مناصر وباحث مجتمعي للاجئين من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغيري الجندر في كندا.

 



[1] اغتصاب الشخص بسبب ميله/ميلها الجنسي أو الجندري الظاهر، والهدف من ذلك وفقاً لاعتقاد مرتكب ذلك "تصحيح" الميل الجنسي لدى المغتصب/المغتصبة ليصبح من ذوي الميول الجنسية تجاه الجنس الآخر أو ليتوافق مع الهوية الجندرية السائدة.

[2] س. ر. جوردان (2010) ""اللاجئون غير/ التقليديين: وضع السياق لقصص اللاجئين المواجهين للاضطهاد الناجم عن رهاب المثلية الجنسية ورهاب مغيري الهوية الجندرية"، (Un/Convention(al) Refugees: Contextualizing the accounts of refugees facing homophobic or transphobic persecution) مجلة اللجوء Refuge الصفحات  26، 2، 165 – 182. http://pi.library.yorku.ca/ojs/index.php/refuge/article/view/32086

[3] الأثر السلبي على الرعاية الناجم عندما يشعر الشخص أن هناك عدم توافق بين جنسه البيولوجي وهويته الجندرية.

[4] المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (2012) الإرشادات التوجيهية بخصوص الحماية الدولية رقم 9: مطالب وضع اللجوء استناداً إلى الميل الجنسي و/أو الهوية الجندرية ضمن سياق المادة 1أ(2) لاتفاقية 1951 و/ أو بروتوكولها لعام 1967 المتعلق بوضع اللاجئين HCR/ GIP 12 /01 انظر الصفحة 7

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.